الخطبة
الأولى
إنّ
الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرور أنفُسِنا ومن
سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ
أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى
الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما
بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكُوا من الإسلام بالعُروَة
الوُثقَى.
عباد
الله : المساجد بيوت الله تعالى في أرضه جعلها خالصة له وحده فقال سبحانه : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا
مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } 18 الجن
وعُمّارها
بالصلاة هم المؤمنون حقا قال تعال {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم
الآخر }
وهي
أحب الأماكن إلى الله تعالى وإلى رسوله وإلى المؤمنين الصالحين عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحَبُّ البلاد إلى الله مَساجِدُها، وأبغض البلاد إلى الله
أسْوَاقُها" متفق عليه.
بل
إن المسجد هو بيت كل مؤمن وتقي , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :
"الْمَسْجِد بَيتُ كُلّ تَقِيّ" صححه الالباني
وقد
رغّب الشارع الحكيم بالمحافظة على المساجد والعناية بها وتهيئتها لقاصديها
والمتعبدين فيها ومن ذلك قول الله تعالى {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد
وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}(الأعراف:31)، قال الحافظ ابن كثير
ــ رحمه الله ــ عن تفسير هذه الآية: ''ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنَّة
يُستحبُّ التَّجمُّل عند الصلاة ولا سيما صلاة الجمعة ويوم العيد والطِّيب لأنه من
الزِّينة , والسِّواك لأنه من تمام ذلك''. وقد قال ــ صلى الله عليه وسلم: ''إذا
صلَّى أحدُكم فلْيلبس ثوبيهِ فإنَّ الله أحقُّ من تزيَّن له''. ا.هـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"
وأما التزين للصلاة فأمرٌ زائد على ستر
العورة ، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب : فقوله سبحانه وتعالى (
خذوا زينتكم عند كل مسجد ) أنزله الله سبحانه لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة
... وكل محل للسجود فهو مسجد ، وهذا يدل على أن السترة للصلاة والطواف أمر مقصوده
التزين لعبادة الله ، ولذلك جاء باسم الزينة لا باسم السترة ليبين أن مقصوده أن
يتزين العبد لا أن يقتصر على مجرد الاستتار )ا.ه
إذا
عُلِم هذا : فإن على المصلي أن يأخذ زينته للصلاة ، وتختلف هذه الزينة من بلاد إلى
أخرى بحسب عرفهم وعادتهم
ففي بلادنا – السعودية- التجمل يكون بلبس الثياب والشماغ أو الغترة لا أن يأتي
بلباس الرياضة أو لباس النوم أو العمل فهذا يتنافى مع الزينة المأمور بها شرعا ,
وليحذر المصلي من عدم ستر العورة في الصلاة وهذا يظهر جلياً في موسم الصيف عندما
يلبس أحدهم الثوب الأبيض ويلبس تحته السروال القصير فترى لون بشرته من خلال الثوب
فهذا لم يستر عورته أو يصلي في البنطلون فإذا ركع أو سجد ظهر أسفل الظهر , فعلى
المسلم أن يصرف شيئاً من زينته لله – سبحانه وتعالى – وذلك عند الوقوف بين يديه،
والتضرع إليه – سبحانه -، فيأتي إلى المسجد على أحسن هيئه، وأحسن حال، وقدوته في
ذلك نبينا محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يلبس أحسن لباس،
ويتعطر بأزكى رائحة، حتى كان عبق طيبه يفوح في طريقه.
وقد
أخذ بهذا المبدأ خير القرون من بعده فنهجوا نهجه, وسلكوا هديه, فهذا تميم الداري رضي الله
عنه اشترى حُلّة بألف
درهم كان
يصلي فيها. فعظَّموا الدين، فأعلى الله شأنهم، وأبقى ذكرهم.
الخطبة
الثانية
الحمدُ
لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى
الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا
أما
بعد :
أخي
المصلي: اعلم أنه كلما شرُف المكان وطاب كلما كان أولى أن يُشرف ويحترم, ولما كان
الطيب والبخور من علامات الإكرام والتشريف؛ كان حريّاً أن نجدها في أماكن العبادة،
فهي أولى بالشذا, وأحرى بالندى, وكيف لا والمسلم مأمور بأن يأخذ زينته عند كل
مسجد , فالمساجد أماكن عامة تؤدى فيها أعظم عبادة, وهي بحاجة إلى
كل عناية ورعاية لتؤدي النفس عبادتها وهي مقبلة بخشوع وطمأنينة، أرأيت آكل الثوم
والبصل لما آذى المصلين برائحته أمره الشارع بالخروج من المسجد تعزيراً له بل
وأُمر بإخراجه ردعاً ، فطلب الرائحة الطيبة للمسجد مطلب رفيع، وغاية مقصودة في دين
الإسلام فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((أمر رسول – صلى الله عليه وسلم –
ببناء المساجد في الدور, وأن تنظف وتطيب))، والدور: هي الأحياء، وعند ابن ماجه:
((واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمّروها في الجُمع)) المطاهر: محال الوضوء،
والتجمير: هو التبخير لها.
ومن
فوائد هذا الحديث: مشروعية تنظيف المساجد وهو نوعان: نوع واجب, وذلك بتنظيفها من
القذر, ودليل هذا قوله صلى الله عليه وسلم حين بال الأعرابي قال: «أريقوا على بوله
سجلًا من ماء"
والثاني:
تنظيف عن الأذى الذي ليس بقذر, فهذا الأصل فيه أنه سنة كأن تلقط ورقة ساطقة أو
ريشة ساقطة أو ما أشبه ذلك, لكن إن خيف أن تجتمع هذه الأوساخ حتى تكون رائحة سيئة
خبيثة, فالتنظيف حينئذٍ يكون واجبًا لإماطة الأذى.
ثم
صلوا وسلموا على ................................
اللهم
أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين،
واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم
أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكانٍ، اللهم عجِّل لهم بالفرَجِ والنصرِ والتمكينِ
يا رب العالمين.
اللهم
وأدِر دوائِرَ السَّوء على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم زلزِلِ الأرضَ من تحت أقدامِهم،
وألْقِ الرُّعبَ في قلوبهم يا قوي يا عزيز.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار)
اللهم
وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميعَ وُلاة أمورِ المسلمين
للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم
أمِّن حدودَنا، واحفَظ بلادَنا، واصرِف عنها كل مكروهٍ وفتنٍ يا ذا الجلال
والإكرام.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[الأعراف: 23]..
عباد
الله: (إنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-129.html
|