آثار الإيمان بأسماء الله الحسنى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }.{ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }. أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله اتقوا الله وراقبوه واعملوا بطاعته وتعبدوه بأسمائه الحسنى.
عباد الله إن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا مقتضية لآثارها من العبودية، كالخضوع، والذلِّ والخشوع، والإنابة، والخشية، والرَّهبة، والمحبة، والتوكل، وغير ذلك من أنواع العبادات الظاهرة والباطنة، فإن كل اسمٍ من أسماء الله وكل صفة من صفاته له عبودية خاصة هي من مقتضياتها ومن موجبات العلم بها والتحقُّق من معرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح، وبيان ذلك:
* أن العبد إذا علم بتفرُّد الرب-تعالى-بالضرِّ والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة؛ فإن ذلك يُثْمِر له عبودية التوكل على الله باطنًا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا، قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }.
* وإذا علم العبد أن الله سميعٌ بصيرٌ عليمٌ لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات والأرض، وأنه يعلم السِّر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه تبارك وتعالى أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا، فمن عرَّف نفسه باطلاع الله عليه ورؤيته له وإحاطته به؛ فإن ذلك يُثْمِر له حفظ اللسان والجوارح وخطرات القلب عن كل ما لا يرضي الله، وجعل تعلُّقات هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، قال الله-تعالى-: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى }، وقال تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }، وقال تعالى: { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ }، فلا ريب أن هذا العلم يُورِث عند العبد خشية الله ومراقبته والإقبال على طاعته والبعد عن مناهيه.
قال ابن رجب رحمه الله: " رَاوَد رجل امرأة في فلاةٍ ليلًا، فأبت، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، فقالت: فأين مُكوكبها؟ أي: أين الله ألا يرانا؟ فمنعها هذا العلم عن اقتراف هذا الذنب والوقوع في هذه الخطيئة.
* وإذا علم العبد بأن الله غنيٌ كريمٌ برٌ رحيمٌ واسع الإحسان، وأنه تبارك وتعالى مع غناه عن عباده فهو محسنٌ إليهم رحيمٌ بهم يريد بهم الخير ويكشف عنهم الضر لا لجلب منفعة إليه من العبد ولا لدفع مضرة بل رحمة منه وإحسانًا، فهو سبحانه لم يخلق خلقه ليتكثَّر بهم من قلة ولا ليتعزَّز بهم من ذلَّة ولا ليرزقوه ولا لينفعوه ولا ليدفعوا عنه، كما قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ }، وقال تعالى فيما رواه عنه رسوله-صلى الله عليه وسلم-: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضُرِّي فتضروني )، فإذا علم العبد ذلك أثمر فيه قوة رجائه بالله وطمعه فيما عنده، وإنزال جميع حوائجه به، وإظهار افتقاره إليه واحتياجه إليه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
* وإذا علم العبد بعدل الله وانتقامه وغضبه وسخطه وعقوبته؛ فإن هذا يُثْمِر له الخشية، والخوف، والحذر والبعد عن مساخط الرب من ظلم النفس وظلم الخلق ، قال الله-تعالى{ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، وقال تعالى: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }، وقال تعالى: { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
وإذا علم العبد بجلال الله وعظمته وعلوه على خلقه ذاتًا وقهرًا وقَدْرًا؛ فإن هذا يُثْمِر له الخضوع، والاستكانة، والمحبة، وجميع أنواع العبادة، قال الله-تعالى-: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }، وقال تعالى: { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
عباد الله وإذا علم العبد بكمال الله وجماله؛ أوجب له هذا محبة خاصة وشوقًا عظيمًا إلى لقاء الله، ومن أحبَّ لقاء الله؛ أحبَّ الله لقاءه، ولا ريب أن هذا يُثْمِر في العبد أنواعًا كثيرة من العبادة،ولهذا قال تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }، وبهذا يُعْلَم أن العبودية بجميع أنواعها راجعة إلى مقتضيات الأسماء والصفات، ولهذا فإنه يتأكَّد على كل عبد مسلم أن يعرف ربه، ويعرف أسماءه وصفاته معرفة صحيحة سليمة، وأن يعلم ما تضمَّنته وآثارها وموجبات العلم بها، فبهذا يَعْظُمُ حظ العبد من الخير ويَكْمْلُ نصيبه منه.
إن المؤمن الموحِّد يجد بإيمانه ويقينه بأسماء ربه الحسنى وصفاته العليا الدالة على عظمة الله وكبريائه وتفرُّده بالجلال والجمال ما يجذبه إلى اجتماع همِّه على الله حبًا وتذلُّلًا، خشوعًا وانكسارًا، رغبًا ورهبًا، رجاءً وطمعًا، وتوافر هِمِّته في طلب رضاه باستفراغ الوسع بالتقرُّب إليه بالنوافل بعد تكميل الفرائض، والتوفيق والرُّشد بيد الله، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع ولا حول ولا قوة إلا به عزَّ وجل.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين وأهلك الزنادقة والكافرين، اللهم مَنْ أرادنا وأراد أمننا وإيماننا وعلماءنا وشبابنا ونساءنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين، واجعل اللهم ولايتنا فيمَنْ خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك رداً جميلاً، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب الدعوات، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، اللهم اسقنا وأغثنا اللهم إنّا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلك، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك وانشر رحمتك، اللهم إنّا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً، نستغفرك اللهم ونتوب إليك ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .
|