من أسماء الله: الْديان
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْبَشِيرُ النَّذِيرُ،
وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، يَوْمَ الْجَمْعِ لَا
رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، أَمَّـا بعدُ:
عباد
الله:
اتقوا الله
تعالى، واعلموا من أسماء الله الحسنى اسم (الديان)، وهو اسم ثابت لله عز وجل في
سنة النبي صلى الله عليه وسلم، روى الإمام أحمد في "المسند" والبخاري في
"الأدب المفرد" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الناس يوم
القيامة أو قال: العباد - عراة غرلا بهما، قال: قلنا: وما بهما؟ قال: ليس معهم
شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَعُد ما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا
الديان...الخ حديث حسن
والديَّان:
معناه المجازي المحاسب، والله جل وعلا يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة عُراة
ليس عليهم ثياب، حفاة بلا نعال، غرلا أي: غير مختونين. بُهْما ليس معهم شيء من
متاع الدنيا، ثم يجازيهم ويحاسبهم على ما قدموا في حياتهم الدنيا من أعمال، إن
خيارً فخير، وإن شراً فشر.
قال الله
تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ
اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
ويوم القيامة
يسمى يوم الدِّين؛ لأنه يوم الجزاء والحساب، قال الله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ)، أي: مالك يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها، يدل على ذلك قوله تعالى:
(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ)
وإذا عرف
العاقل أن الرب سبحانه ديَّان، وأن يوم القيامة يومُ جزاءٍ وحساب، وأنه سيلقى الله
ذلك اليوم لا محالة، وأنه في ذلك اليوم سيجد أعماله كلها محضرة خيرها وشرها، حسنها
وسيئها؛ فإنه سيحسب لذلك اليوم حسابه ويعدُّ له عدته.
قال أبو
الدرداء رضي الله عنه قال: "البِرُّ لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا
ينام، فكن كما شئت، كما تدين تدان".
فالكيِّس من
دان نفسه وحاسبها ما دام في دار المهلة والعمل، والعاجز من أهملها سادرة في غيِّها
وأتبعها هواها إلى أن يفجأه الندم.
أولا يذكرُ
الظالم الغشوم هول المطلع وشدة الحساب وقول الديان سبحانه في ذلك اليوم: "لا
ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حقٌ حتى أقصه
منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حقٌ حتى
أُقِصِّه منه حتى اللطمة".
ولما سأل
الصحابة رضي الله عنهم كيف يكون الحساب حينئذ والناس إنما يقدمون إلى الله يوم
القيامة عراة غرلا بهما قال: "بالحسنات والسيئات"، أي: أنه سبحانه يأخذ
للمظلوم من حسنات ظالمه، فإن لم يكن عنده حسنات أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه
ثم طرح في النار، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "أتدرون ما المُفلسُ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع،
فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا،
وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من
حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم
طُرح في النار" رواه مسلم .
ومن كمال
مجازاة الرب سبحانه في ذلك اليوم أنه يجيء بنفسه في ذلك اليوم للفصل بين العباد،
قال الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ
بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى *
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).
فتفكر أيها
العبد في هذا اليوم العظيم، وتذكر أن الرب سبحانه ديان، وأن الحقوق ستؤدي في ذلك
اليوم إلى أهلها، وأن ما ثم في ذلك اليوم إلا الحسنات والسيئات.
اللهم أجرنا من خزي يوم
الندامة، ومن الفضيحة يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم.
بَارَكَ اللهُ لِي
وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ؛ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ
الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ ؛ أَقُولُ هَذَا الْقَوْلِ وَاِسْتَغْفَرَ اللهُ
لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الملكِ الدَّيَّان، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا
اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِّيُّكَ لَهُ عَظِيم الشأن، وَأَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ إِلى الإنسِ والجان صَلَّى اللهُ وَسُلَّمٌ عَلَيْهِ وَعَلَى
آله وَأَصْحَابَهُ وعلى مَنْ تَبِعهم بِـإِحسانٍ. أما بعد :
عبادُ الله: ومن الآثارِ المترتبةِ على معرفةِ اسمِ اللهِ الديان:
أولاً: الخوف من الله سبحانه واجتناب ما يسخطه
قبل يوم الحساب .
ثانياً:
اجتناب مظالم العباد - خصوصاً – في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون.
ثالثا: تسليةُ
المظلومين في هذه الحياة الدنيا وذلك بأن يوقنوا بأن هناك يوم لا ريب فيه يقتص فيه
(الديان) من الظالمين.
رابعا: توخي
العدل مع الناس لمن ابتلاه الله بالحكم بينهم أو مجازاتهم في الدنيا.
خامسا: الرضا
بحكم الله القدري والشرعي والجزائي .
= اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من
المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان،
اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب
العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين
خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك
ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا
يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
= اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد
صفوفهم وأصلح حكامهم وارزقهم جميعا العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
= اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا
وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|