آيات
وعظات
بشارة
من سورة التوبة
الحمد
لله الذي نوّر بالقرآن القلوب ، وأنزله في أوجزِ لفظ وأعجزِ أسلوب ، فأعيت بلاغته
البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء.. أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والثناء ، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى ، ونبيه المرتضى،
صلى الله عليه وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار ، وسلم
تسليما كثيرا. أما بعد:
فاتقوا الله عباد
الله، واعلموا أن القرآن خير واعظ وأنفع زاجر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه تنزيل من حكيم حميد.
أيها الناس تأملوا في
هذه الآيات البينات واهتدوا لفهمها برب الأرض والسماوات فيا سعادة من قرأ القرآن
وعمل به ويا ويل من قرأه وأعرض عنه!!
( إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا
عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ
السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ).
عباد الله: ما أكرم
الله، فإن أنفسنا هو خلقها، وأموالنا هو رزقها، ثم وهبها لنا، ثم اشتراها منا بهذا
الثمن الغالي، فإنها لصفقة رابحة يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَهَذَا مِنْ
فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ - أَيْ: سَوَاءٌ قَتَلُوا أَوْ قُتلوا، أَوِ
اجْتَمَعَ لَهُمْ هَذَا وَهَذَا، فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُمُ الْجَنَّةُ التي فيها ما
تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين من أنواع اللذات والأفراح، والمسرات، والحور الحسان،
والمنازل الأنيقات.
وصفة العقد
والمبايعة، بأن يبذلوا لله نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه، لإعلاء كلمته وإظهار
دينه وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"وَتَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا
جِهَادٌ فِي سَبِيلِي، وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، بِأَنْ تَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ
الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا
مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ"
وقوله {وَعْدًا
عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} التي هي أشرف الكتب
التي طرقت العالم، وأعلاها، وأكملها، وجاء بها أكمل الرسل أولو العزم، وكلها اتفقت
على هذا الوعد الصادق.
ثم ختم هذه الآية
وهذا العقد والمبايعة بقوله : {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز أكبر منه، ولا أجل، لأنه
يتضمن السعادة الأبدية، والنعيم المقيم، والرضا من الله الذي هو أكبر من نعيم
الجنات، وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو؟: وهو الله جل
جلاله، وإلى العوض، وهو أكبر الأعواض وأجلها : جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول
فيها: وهو النفس، والمال، الذي هو أحب الأشياء للإنسان.
وإلى من جرى على يديه
عقد هذا التبايع : وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب رقم : وهي كتب الله الكبار المنزلة
على أفضل الخلق.
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين
والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله النبي الأمين، اللهم صل وسلم
وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء المرسلين وآله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد
الله :-
كأنه
قيل: فمن هم المؤمنون الذين لهم البشارة من الله بدخول الجنات ونيل الكرامات؟
فقال: هم: {التَّائِبُونَ} مِنَ الذُّنُوبِ كُلِّهَا، التَّارِكُونَ
لِلْفَوَاحِشِ، {الْعَابِدُونَ} أَيْ: الْقَائِمُونَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ
مُحَافِظِينَ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ فَمِنْ أخَصّ
الْأَقْوَالِ الْحَمْدُ ؛ فَلِهَذَا قَالَ: {الْحَامِدُونَ} لله في السراء
والضراء، واليسر والعسر، المعترفون بما لله عليهم من النعم الظاهرة والباطنة،
المثنون على الله بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار. وَمِنْ أَفْضَلِ
الْأَعْمَالِ الصيامُ، وَهُوَ تَرْكُ الملاذِّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
وَالْجِمَاعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسِّيَاحَةِ هَاهُنَا؛ وَلِهَذَا قَالَ:
{السَّائِحُونَ} كَمَا وَصَفَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَائِحَاتٍ} [التَّحْرِيمِ: 5] أَيْ: صَائِمَاتٍ، وَجَاءَ
أيضا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السِّيَاحَةَ هنا هي الْجِهَادُ ، وَهُوَ مَا رَوَى
أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَةِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سِيَاحَةُ أُمَّتَيِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ". قال الامام ابن كثير رحمه الله وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ
السِّيَاحَةِ مَا قَدْ يَفْهَمُهُ بَعْضُ مَنْ يَتَعَبَّدُ بِمُجَرَّدِ
السِّيَاحَةِ فِي الْأَرْضِ، وَالتَّفَرُّدِ فِي شَوَاهِقِ الْجِبَالِ
وَالْكُهُوفِ وَالْبَرَارِي، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إِلَّا فِي
أَيَّامِ الفتَن وَالزَّلَازِلِ فِي الدِّينِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَم يَتْبَع بِهَا شَعفَ الْجِبَالِ،
وَمَوَاقِعَ القَطْر، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ" اهـ . قال الشيخ
العلامة ابن سعدي رحمه (والصحيح أن المراد بالسياحة: السفر في القربات، كالحج،
والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك) اهـ.
وَكَذَا الرُّكُوعُ
وَالسُّجُودُ، وَهُمَا عِبَارَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ:
{الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَنْفَعُونَ خَلْقَ اللَّهِ،
وَيُرْشِدُونَهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيَجِبُ
تركُه، وَهُوَ حِفْظُ حُدُودِ اللَّهِ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ، عِلْمًا
وَعَمَلًا فَقَامُوا بِعِبَادَةِ الْحَقِّ وَنُصْحِ الْخُلُقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ،
وَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ لِمَنِ اتَّصَفَ بِهِ.
{وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ} لم يذكر ما يبشرهم به، ليعم جميع ما رتب على الإيمان من ثواب
الدنيا والدين والآخرة، فالبشارة متناولة لكل مؤمن.
وأما مقدارها وصفتها
فإنها بحسب حال المؤمنين، وإيمانهم، قوة، وضعفا، وعملا بمقتضاه.
اللهم
إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار،
اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما
علمتنا، اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل
فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو
علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم
ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم علمنا منه ما جهلنا
وذكرنا منه ما نسينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي
يرضيك عنا، يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ الوليد بن سالم الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |