من
وصايا النبي عليه السلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه
الحمد
لله الكبير المُتعال، أحمدُه على جزيلِ النوالِ وكريمِ الإفضال، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له تقدَّس عن الأنداد والأضداد والأمثال، وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله كريمُ الخِصال وشريفُ الخِلال، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيرِ
صحبٍ وأكرمِ آلٍ.. أما بعد:
اتقوا
اللهَ الذي لا يخفى عليه شيء من المقاصد والنوايا، ولا يستتر دونَه شيءٌ من
الضمائر والخفايا، السرائر لديه بادية، والسر عنده علانية.
أيها الناس: عن
معاذ بن جبل t قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ويباعدني عن
النار قال: ( لقد سألت عن عظيمٍ وإنه ليسير
على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت , ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة
والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا :
) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( حتى بلغ : ) يعملون ( ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت بلى يا
رسول الله , قال : رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد , ثم قال :
ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه , وقال : كف عليك
هذا , قلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ,
وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال : على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) رواه
الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
هذا الحديث
أصلٌ عظيم متين يشتمل على أكثر واجبات الإسلام .
قوله: ( قلت :
يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ... ) :هكذا همم الصحابة y عالية فلم يقل معاذ t أخبرني بعمل أكسب فيه العشر بعشرين أو ثلاثين وإنما أراد سبباً
يدخله الجنة.
قوله: ( لقد
سألت عن عظيم) : هذا سؤال عظيم وهو شاق من حيث الامتثال أي التطبيق ولكنه يسير على
من يسره الله U عليه فإذا أقبل العبد على الله U يسر عليه الأمر كما قال U :) فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى (.
قوله: ( تعبد
الله لا تشرك به شيئاً ) : بمعنى تتذلل له بالعبادة حباً وتعظيماً وتجتنب الشرك
كبيره وصغيره فلا تشرك به شيئاً لا ملَكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً .
وقوله: (
وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتصوم رمضان , وتحج البيت ) :وهي أركان الاسلام مع
الشهادتين .
قوله: ( ألا
أدلك على أبواب الخير ) : لما أجابه r بأن واجبات الدين سبب في دخول الجنان والوقاية من النيران دله بعد
ذلك على طرق الخير من النوافل والمستحبات فذكر له منها :
قوله: ( الصوم
جُنة ) : يعني وقاية يقي العبد من المعاصي في الدنيا فإذا كان له جُنة من المعاصي
كان له في الآخرة جُنة من النار.
و المقصود بالصيام هنا صيام النفل .
قوله: (
والصدقة تطفئ الخطيئة ) : الصدقة بأنواعها تطفئ الخطايا سواءً الزكاة الواجبة أم
التطوع( تطفئ الخطيئة) أي خطيئة بني آدم وهي المعاصي .
قوله: ( كما
يطفئ الماء النار ) : النار إذا أوقدت لا يطفئها إلا الماء وهذا مثال الحسنات بعد
السيئات .
قوله: ( وصلاة
الرجل في جوف الليل ... حتى بلغ يعملون ) : يعني أن يقوم الليل القيام المستحب
وأقله ركعة وأفضله ما كان بعد منتصف الليل وذلك وقت نزول الله U إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله , فصلاة الليل كذلك تطفئ
الخطايا , وصلاة الفجر في جوف الليل وهذه من أعظم أبواب الخير.
قوله: ( ألا
أخبرك برأس الأمر وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ) والجهاد أنواع والمراد به
هنا جهاد الأعداء ومما ثبت في فضل الجهاد في سبيل الله ما رواه البخاري عن أبي ذر t قال : قلت يا رسول الله : أي العمل أفضل ؟ قال : ( الإيمان بالله
والجهاد في سبيله ) .
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمد
لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد:
قوله في تمام
وصيته بالحديث قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت : بلى يا رسول الله, قال : فأخذ
بلسانه, وقال: ( كف عليك هذا ) : أي امنعه من التكلم بما لا يعنيك ؛ لأنه آفاته
عظيمة, فاللسان هو أعظم الأعضاء جرماً ؛ لأنه سهل الحركة , كثير الخطايا, فباللسان
يحصل الاعتقاد الزائف , باللسان يقول المرء الكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في
النار سبعين خريفاً , وباللسان تحصل العداوات .
قوله: ( قلت :
( يا نبي الله : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ... ) : حضه أولاً على جهاد الكفار ثم
نقله إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس وقمعها عن الكلام فيما يؤذيها ويرديها فإنه
جعل أكثر دخول الناس النار بسبب ألسنتهم .
قوله
: ( قال : وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم – هذا الشك من الراوي –
إلا حصائد ألسنتهم ) : تجد كثيراً من الناس يستنكف أن يأكل الربا أو يشرب الخمر,
يستنكف أن يأتي كبيرة الزنا أو يأتي كبيرة السحر ولكنه في كبائر اللسان يقع فيها
بلا مبالاة فيقع في النميمة من دون أن يشعر ويقع في الغيبة ويقع في جلب الحقد
والبغضاء في نفوس المسلمين وهذه كلها كبائر ومدارها على اللسان .
فأوصي نفسي
وإياكم بأن نكف ألسنتنا إلا عن شيء علمنا حسنه , قال U : ) وقل لعبادي يقولوا التي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم (.
اللهم
إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الغنى
والفقر، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر في
وجهك، وشوقا إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، أو فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة
الإيمان، واجعلنا من الهداة المهتدين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم لا تدع لنا ذنبا
إلا غفرته ، ولا همّا إلا فرّجته ، ولا كربا لا نفَّسته ، ولا ضرّا إلا كشفته ،
ولا ديْنا إلا قضيته ، ولا عدوا إلا أهلكته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة
إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
اللهم
اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء،
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا وأعوانه
لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين. ربنا
اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|