تحذير السالكين من الترف والمترفين
الحمد
لله الواحد القهّار، يكوّر الليل على النهار، ويكوّر النهار على الليل وهو العزيز
الغفّار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالتفكّر والاعتبار،
فقال تبارك وتعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المهاجرين منهم والأنصار،
وسلّم تسليمًا ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
أيها المسلمون، اتقوا الله-تعالى- وأطيعوه، وراقبوه في سركم وعلنكم، واشكروه على
نعمه التي لا تحصى، اشكروه بقلوبكم وأعمالكم وألسنتكم.
عباد
الله: إن وفرةَ المال، ونشوةَ الشباب، وسكرةَ الهوى من أسباب الإعراض عن الله،
والدار الآخرة، إن هذه الأمور تحمل صاحبها على الترف المذموم، الذي ذمه الله في
كتابه في عدة مواضع من القرآن كما قال سبحانه: { وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} [هود: 116]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ
مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ
كَافِرُونَ } [سبأ: 34].
إن
المترفين هم الذين يقومون بمصادمة أوامر الله، والعداوة لرسله، والفساد في الأرض،
واتباع الهوى، إن العبد إذا تمادى به الترف حمله على الكسل عن العبادة، حمله على
عدم الالتزام بالأوامر الشرعية، حمله على استثقال الأوامر الإلهية، حمله على
التكبر والتجبر على الله وعلى عباد الله، إن الترف لم يستول على أمة إلا استحوذ
عليها الشيطان، واتبعت طريق البغي والفساد، وبعُدت عن سبيل الهدى والرشاد، كم كان
الترف سببا لهلاك الأنفس، وفساد الديار، وحلول العذاب. يقول سبحانه: {وَكَمْ
قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا
آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 11 - 13].
إن
المترفين الذين ذم الله صنعهم، وحذر من أفعالهم، وأبان لنا سوء عاقبتهم: هم الذين
ساقهم الترف إلى التنكر لنعم الله، والتجبر على خالقهم وبارئهم، فخالفوا أوامره،
وبارزوه بالمعاصي، وأنفقوا أموالهم في سبيل اللهو واتباع الهوى، أسرفوا في
النفقات، وارتكبوا المحظورات، وحالفوا الشهوات، وثقلت عليهم العبادات، ولم يتصفوا
بصفات المؤمنين، لم يكونوا من الذين يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، بل تباعدوا عن
الصبر، فلم يصطبروا على أداء الفرائض، ولم يصبّروا نفوسهم عن ارتكاب المحرمات، ولم
يصبروا على ما ينالهم من قضاء الله وقدره.
إن
المترف إن أغناه الله كفر بنعم الله، وإن ابتلاه تأفف من قضاء الله، فلم يلتفت إلى
الله في حال غناه، ولا في حال فقره، فهو غافل ساه عن ذكر الله، فلا يزال ساخطا،
ومسخوطا عليه: { نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ } [الحشر: 19].
وإن مما
يؤسف له أن كثيرا من الناس حملهم الترف على عدم القيام بالواجبات الشرعية، وعدم
الكف عن المحرمات، وعدم التقيد بما أباحه الله لهم، فلم يلتزموا بالتعاليم
الإسلامية ولا الآداب الشرعية، وأهملوا أنفسهم، ومن تحت أيديهم فارتكبوا المناهي،
وغرقوا في الملاهي، وضعفت فيهم الغيرة، وقل فيهم الآمر بالمعروف، والناهي عن
المنكر: { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79].
الخطبة الثانية
الحمد
لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده
ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
وليس
المراد بالترف التنعم بالطيبات التي أوجدها الله لعباده، وأباحها لهم وأنعم بها
عليهم، ولكن المراد بالترف المذموم الذي يحمل صاحبه على التنكر لنعم الله، وعدم
القيام بما أوجب الله، وارتكاب المحرمات، وإلا فقد قال الله U
: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا
إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51]. فترك الدنيا بالكلية مذموم
قال ابن
القيم: "الْعَارِف لَا يَأْمر النَّاس بترك الدُّنْيَا فَإِنَّهُم لَا
يقدرُونَ على تَركهَا وَلَكِن يَأْمُرهُم بترك الذُّنُوب مَعَ إقامتهم على دنياهم ,
فَترك الدُّنْيَا فَضِيلَة وَترك الذُّنُوب فَرِيضَة , فَكيف يُؤمر بالفضيلة من لم
يُقِم الْفَرِيضَة ! فَإِن صَعب عَلَيْهِم ترك الذُّنُوب فاجتهد أَن تحبب اللهَ
إِلَيْهِم بِذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله فَإِن
الْقُلُوب مفطورة على محبته فَإِذا تعلّقت بحبه هان عَلَيْهَا ترك الذُّنُوب
والاستقلال مِنْهَا والإصرار عَلَيْها " اهـ .
أيها
الناس ألا وإن من علاجات الترف أن ينظر الإنسان إلى من هو دونه في الدنيا ولا ينظر
إلى من هو فوقه لئلا يزدري نعمة الله عليه.
ومن
العلاجات كذلك تقصير الأمل: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (والقراءة في سيرة الرسول r وأصحابه : يعني كيف كان عيشهم ؟ فهذا رسول الهدى
r يمر عليه الهلال والهلالان لا يوقد في بيته
النار –من قلة ذات اليد- وكان طعامعهم الأسودان: التمر والماء، وهؤلاء الصحابة حيث
"كان الواحد لا يضع إلا كما تضع الشاة " يعني الخارج منه الغائط "
مما مر عليهم من الجوع والشدة لكن إيمانهم كالجبال .
ومن
علاجات الترف: كثرة دعاء الله بالبركة وأن يرزقه الله شكر النعمة.
فاللهم
أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
ثم صلوا
وسلموا...... الخ
ولمزيد
من خطب الشيخ الوليد الشعبان زيارة هذا الرابط:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |