لِلْمُسْلِمِينَ
رَسَائِلُ اِنْبِعَاثُ الْبَرَاكِين
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ ؛ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ؛ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ ، يُذَكِّرُهُمْ بِالْآيَاتِ وَالْقَوَارِعِ الَّتِي تُوقِظُ قُلُوبَهُمُ الْمَرِيضَةَ ، وَتَهُزُّ نُفُوسَهُمُ الْغَافِلَةَ ، وَتُجَدِّدُ الْحَيَاةَ فِي ضَمَائِرِهِمُ الْمَيِّتَةِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ ، يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ : بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّخْوِيفُ وَالتَّرْهِيبُ لِيَرْتَدِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَ لَا لِحَيَاتِهِ ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ » .
فَمَا يَقَعُ مِنْ حَوَادِثَ عَظِيمَةٍ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - لَيْسَتْ مُجَرَّدَ ظَوَاهِرَ طَبِيعِيَّةٍ ، بَلْ رَسَائِلُ رَبَّانِيَّةٌ ، وَابْتِلَاءَاتٌ إِلَهِيَّةٌ ، قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ .
وَمَا نَشْهَدُهُ هَذِهِ الْأَيَّامَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - مِنْ ثَوَرَانِ بُرْكَانِ شَمَالِ أَثْيُوبْيَا ، مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَيَرْجِعُونَ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ﴾ ، وَالْقَارِعَةُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَكْبَةٌ أَوْ عَذَابٌ .
سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ ؛ بَنُو إِسْرَائِيلَ ؛ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالسِّنِينَ وَنَقْصِ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا ، بَلْ قَالُوا : ﴿ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ… ﴾ . فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ ، فَلَمْ تَلِنْ قُلُوبُهُمْ ، وَلَمْ تَرِقَّ نُفُوسُهُمْ ، كَأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَوْنِهِ ، وَكَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ : ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ .
فَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ ؛ إِذَا تَمَادَوْا فِي الْغَفْلَةِ ، وَانْشَغَلُوا بِالدُّنْيَا ، وَأَعْرَضُوا عَنْ شَرْعِهِ ، ابْتَلَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ . قَالَ تَعَالَى : ﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ ، الْبَأْسَاءُ : الْقَحْطُ وَالْفَقْرُ ، وَالضَّرَّاءُ : الْأَمْرَاضُ وَالْآلَامُ .
فَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّعُوا ، اسْتَدْرَجَهُمْ بِالنِّعَمِ وَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى يَأْخُذَهُمْ بَغْتَةً ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ ، وَ هُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ ؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ » .
فَقَدْ يَأْخُذُ اللَّهُ الْغَافِلِينَ بَغْتَةً ؛ أَيْ : فِي لَحْظَةٍ لَمْ يَتَوَقَّعُوهَا وَلَمْ تَخْطُرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾، وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَائِلٍ : ﴿ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
جِبَالٌ تَتَفَجَّرُ شَرَرَاً ، وَصُخُورٌ تَلْتَهِبُ نَارًا ، وَحِمَمٌ تَتَطَايَرُ فِي السَّمَاءِ ، وَأَنْهَارٌ مِنْ نَارٍ ، وَأَدْخِنَةٌ تَمْلَأُ اَلْآفَاْقَ ، وَظَلَامٌ فِي النَّهَارِ ،﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
&&&&&&&&&&&&&&
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ هَذِهِ الْبَرَاكِينَ وَالزَّلَازِلَ لَتُذَكِّرُنَا بِزَلْزَلَةِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ .
وَإِنَّ ذَلِكُمُ الْغُبَارَ الَّذِي حَجَبَ الشَّمْسَ عَنْ سَمَاءِ تِلْكَ الدُّوَلِ ، وَإِنَّ تَعَطُّلَ حَرَكَةِ الطَّيَرَانِ وَإِغْلَاقَ الْمَطَارَاتِ ، وَهَذِهِ الْغُيُومَ الْمُتَرَاكِمَةَ الَّتِي تَمْلَأُ الْجَوَّ عَلَى ارْتِفَاعَاتٍ هَائِلَةٍ لَتُذَكِّرُنَا بِالدُّخَانِ الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ : ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ .
أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ .
فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حِفْظَ أَعْرَاضِنَا ، وَحِفْظَ أَمْوَالِنَا ، وَحِفْظَ دِمَائِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا بِسُوءٍ اللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا لَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .
عِبَادَ اللَّهِ :
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .