تحذير البشر من عذاب القبر
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى،
والشكر له على ما أوْلى من نعمٍ سائغةٍ وأسدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله وسلم عليه
وعلى آله وصحابته أجمعين.
أمَّا بعدُ: فأوصِيكمْ - عِبادَ اللهِ - ونفسِي بتقْوَى اللهِ
تعالَى؛ فتقوى الله خير زاد للنجاة يوم المعاد.
أيها الإخوة: روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن
عباس -رضي الله عنهما، قال: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى
قَبْرَيْنِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي
كَبِيرٍ، ثم قال بلى، إنه لكبير، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي
بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، قَالَ:
فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا
وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ
عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا".
حديث عظيم فيه وعيد وتهديد، وعذاب شديد لمن تعدى
حدود الله في الطهارة والصلاة، أو تعدى على عباد الله بالنميمة والأذى.
وقد اشتمل هذا الحديث على إشارات مفيدة وفوائد
عديدة.
الفائدة الأولى: إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر
أجارنا الله وإياكم منه.
وقد دل الحديث على أن عذاب القبر ليس خاصاً
بالكفار، بل قد يعذب به المسلم كما في هذا الحديث
عباد الله: عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح
والبدن، فأصله على الروح، والبدن متعلق بها.
وهو نوعان: الأول: عذاب للكفار: وهو عذاب دائم
إلى قيام الساعة؛ كما قال تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا
وَعَشِيًّا).
والنوع الثاني: عذاب لعصاة الموحدين، من باب
التمحيص والتطهير، وهو دون الأول وقد لا يكون دائمًا.
اللهم قنا عذاب القبر، اللهم اجعل قبورنا
رياضًا من رياض الجنة، واملأها علينا بالضياء والنور، والفسحة والسرور.
الفائدة الثانية : التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل أو
النجاسة بالْبَدَن وَالثَّوْب, ووُجُوب إِزَالَة النَّجَاسَة ولو لم يرد الإنسان
الصلاة.
وهذا هو الذنب الثاني : عدم
التنزه من البول، فالواجب على المسلم والمسلمة العناية بالنزاهة من البول والغائط،
فإذا قضى حاجته يجب عليه أن يجتهد حتى يتنزه من بوله وغائطه بالماء، إذا تيسر
الماء أو بالحجارة بالاستجمار، بهذا أو هذا، إذا استجمر بالحجارة ثلاث مرات أو
أكثر حتى تنزه من البول أو من آثار الغائط كفى، وإن استنزه بالماء، غسل فرجه بالماء
حتى أنقى المحل كفى، والحمد لله.
وإذا كان الإنسان يخرج منه
قطرات بعد البول لا يعجل، لا يعجل منه حتى تنتهي القطرات، فإذا انتهت القطرات
استنجى أو استجمر، وليحذر الوساوس، كونه يوسوس في الصلاة أو بعد الوضوء أنه خرج
منه شيء لا يلتفت إلى هذا، الوساوس يجب اطراحها، فإذا علم يقينًا أنه خرج منه
شيء يعيد الاستنجاء، يستنجي ثم يتوضأ وضوء الصلاة.
الفائدة الثالثة: التحذير من النميمة وآفات اللسان، قال صلى الله
عليه وسلم في الآخر الذي يعذب في قبره: "وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة".
والنميمة: نقل الكلام بين الناس على وجه
الإفساد، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، تفرق بين المسلمين وتوقع البغضاء بين
المتحابين.
النمام مجرم عظيم وأفاك أثيم، ينقل الحديث
إليك؛ لكي يفسد قلبك على إخوانك.
الله يجمع بين عباده ويؤلف بين قلوبهم، والنمام
يفرّق ويفسد.
ولهذا أخبر الله أن النمامين فيهم المهانة
والكذب والفجور (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيم) وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام" قال بعض العلماء: إنه لا يوفق لحسن الخاتمة
والعياذ بالله.
وأشد النميمة ما يكون بين الأقارب والأرحام،
فقد يبتلى الرجل بابن نمام يفسد قلبه على إخوانه، وقل مثل ذلك في الزوجة والأب
والأم، فيفسد الأب ابنه على زوجته فيقول: زوجتك تفعل كذا وكذا، وتفسد الأم ابنتها
على زوجها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من خبب امرأة على زوجها".
ألا يخشى الله النمام أن يعذبه الله في قبره،
كما جاء في هذا الحديث؟ بل نقول يا -عباد الله- ألا نتقي الله في ألسنتنا؟ فإن هذا
الحديث ليس خاصًّا بالنميمة، بل يشمل آفات اللسان من الغيبة
الفائدة الرابعة: التحذير من صغائر الذنوب،
وأنها قد تكون سببًا للعقوبة، وخاصة مع الاستمرار، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "وَمَا
يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، إنه لكبير".
قال بعض العلماء: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي
اِعْتِقَادهمَا أَوْ فِي اِعْتِقَاد الناس، وَهُوَ عِنْد اللَّه كَبِير،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم)
الفائدة الخامسة : التحذير من أسباب عذاب القبر
ومنها معاصي الجوارح.
نسأل الله تعالى السلامة، والعفو والعافية في الدنيا والآخرة،
والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
الفائدة السادسة: والصحيح أن هذا الفعل وهو وضع
جريدتين على قبر الميت خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبالرجلين وما علمه من
حالهما، وهو ظاهر السنة لأنك لا تعلم حال
الميت في قبره هل هو في نعيم أو في جحيم ؟ّ
الفائدة السابعة: إذا كان من يقضي بوله فتنكشف
عورته يعذب في قبره، فكيف بمن يقصد أو تقصد الخروج بلباس يكشف العورة، من الألبسة
الكاسية العارية التي تنتشر اليوم، كصورة من التعري الشيطاني المحرم؟ لا شك أن
عذاب هذا أشد.
ثم نقول: إذا كان من قصر في الطهارة وإزالة النجاسة،
وهي شرط من شروط الصلاة يعذب في قبره، فكيف بمن أضاع أركان الصلاة وواجباتها؟ كيف
بمن ضيع أوقاتها؟ كيف بمن لم يصلّ بالكلية والعياذ بالله العظيم؟
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر
لنا وترحمنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت
بنا أعداء و لا حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل
شر خزائنه بيدك . اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا
وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، واحفظها من كل شر
وفتنة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ رد كيد الكائدين في نحورهم وكفنا شرورهم إنك على
كل شيء قدير، اللَّهُمَّ احفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا
تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين. اللهم احفظ جنودنا
ورجال أمننا بحفظك، ومدهم بعونك وتوفيقك، وألف بين قلوبهم، وانصرهم على عدوك
وعدوهم، اللهم ارحم من قتلوا منهم وتقبلهم في الشهداء يا أكرم الأكرمين، اللهم
اجعل ما قدموه لدينهم ووطنهم وأمتهم في ميزان حسناتهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمننا وأخلاقنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه
واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين. اللهم صلّ وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |