قصة جليبيب رضي الله عنه
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
الصادق الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى وراقبوه واعملوا بطاعته واحذروا
معصيته.
معنا
في هذه الخطبة صحابي جليل رضي الله عنه من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم -وعقيدة
أهل السنة والجماعة في الصحابة : أن نحبهم ونجلهم وأن نبغض من يبغضهم أو يسبهم أو
ينتقصهم، فحب الصحابة دين وعقيدة وبغضهم كفر ونفاق، فيجب أن نعرف قدرهم ونبث
سيرتهم بين أولادنا وأهلينا حتى يتعرفوا عليهم ويقتدوا بهم- صحابينا في هذا اليوم هو جليبيب رضي الله عنه .
فهو
رجل دميم الخلقة قصير، لا يؤبه له حضر أو غاب لكنه عند الله عظيم وعند رسول الله
صلى الله عليه وسلم عزيز عظيم
فعَنْ
أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً
يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ ، يَمُرُّ بِهِنَّ وَيُلَاعِبُهُنَّ - قال أهل العلم:
والمراد بالملاعبة هنا "الحديث معهن والدخول عليهن قبل الأمر بالحجاب"- فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: لَا يَدْخُلَنَّ
عَلَيْكُمْ جُلَيْبِيبٌ؛ فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ لَأَفْعَلَنَّ
وَلَأَفْعَلَنّ، قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ
لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ . فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ
يَا رَسُولَ اللهِ وَنُعْمَ عَيْنِي. قَالَ: إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي.
قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : لِجُلَيْبِيبٍ: قَالَ: فَقَالَ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا. فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ : رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. فَقَالَتْ: نِعِمَّ
وَنُعْمَةُ عَيْنِي. فَقَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا
لِجُلَيْبِيبٍ . فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ إنية ؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنية ؟
أَجُلَيْبِيبٌ إنية ؟ لَا . لَعَمْرُ اللهِ لَا نُزَوَّجُهُ. فَلَمَّا
أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا قَالَتِ الْجَارِيَةُ : مَنْ خَطَبَنِي
إِلَيْكُمْ ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا فَقَالَتْ : أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ ؟ ادْفَعُونِي ؛ فَإِنَّهُ لَمْ
يُضَيِّعْنِي. فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: شَأْنَكَ بِهَا . فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا
قَالَ :فَخَرَجَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ ، قَالَ :
فَلَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ
أَحَدٍ؟ قَالُوا : نَفْقِدُ فُلَانًا وَنَفْقِدُ فُلَانًا . قَالَ : انْظُرُوا
هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالُوا : لَا .- وإنما مقصوده التَّنويه والتَّفخيم بمن لم
يحفلوا به ولا التفتوا إليه لكونه كان غامضًا في الناس - قَالَ : لَكِنِّي
أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا .- أي: فقده أعظم من فقد كل من فقد، والمصاب به أشد- قَالَ : فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى . قَالَ :
فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ .
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ
قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ . فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ : قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ ، هَذَا مِنِّي
وَأَنَا مِنْهُ ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. ثُمَّ
وَضَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدَيْهِ
وَحُفِرَ لَهُ مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،- ثم حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه لم يسمح
للصحابة أن يحملوه إلى قبره بل حمله هو بنفسه حتى وضعه في حفرته،.- ثُمَّ وَضَعَهُ
فِي قَبْرِهِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَه. قَالَ ثَابِتٌ : فَمَا كَانَ
فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا. أما زوجته فكانت بعده من أكثر النساء
مالا ونفقة، وفي رواية : هَلْ تَعْلَمْ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : اللهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا،
وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا. قَالَ : فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ
أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا .رواه
أحمد وأصله في مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور
الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً
كثيراً، أما بعد:
وهذه
القصة أفادت فوائد كثيرة ومتنوعة فمنها:
1)
في نظر كثير من الناس أن الفقير والضعيف وغير الجميل لا يملك من مقومات السعادة
شيئا؛ إذ أنهم يظنون أن السعادة في المال أو الجمال، أو المنصب، أو الحسب
والنسب، أما جليبيب فكان فقير الحال، لكنه غني بالإيمان، ورفع الله نسبه بالإسلام.
2)
إن التذكير بالرعيل الأول من الصحابة والتابعين له ضرورة عظمى في هذا الزمان،
وتربية النشء على قصصهم وما كانوا عليه، له أثر عظيم جليل، فنحن في زمان أصبح قدوة
النشء فيه الممثلون واللاعبون، يحفظون أسماءهم، ويقلدون لباسهم وأشكالهم، بل
ويعرفون حتى تفاصيل حياتهم، فانعكس ذلك سلبا علينا وعليهم، والله المستعان.
3)
على المرء المسلم أن يدافع عن هذا الدين بكل ما يملك فصاحب المال بماله وصاحب
الصنعة بصنعته وصاحب العلم بعلمه وهكذا.
4)
وجوب العناية بالقلب فهو بصلاحه تصلح الجوارح وبفساده تفسد.
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم زينا بزينة الإيمان،
واجعلنا من الهداة المهتدين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم لا تدع
لنا ذنبا إلا غفرته ، ولا همّا إلا فرّجته ، ولا كربا لا نفَّسته ، ولا ضرّا إلا
كشفته ، ولا ديْنا إلا قضيته ، ولا عدوا إلا أهلكته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا
والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم ارفع
عنا الوباء والبلاء، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق
ولي أمرنا وأعوانه لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا
رب العالمين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|