الاستغفار صيغه وفضائله
الحمد
لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، الفاتح على المستغفرين الأبواب. والميسر
للتائبين الأسباب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له هو الكريم الوهاب،
وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسوله الْمتَّقِي الأوَّابِ، صلَّى الله وسلَّم
وباركَ عليه وعلى جميعِ الآل والأصحابِ، ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم المآب.
أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلاَمِ
بالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وتزودوا فإنَّ خيرَ الزَّاد التَّقوى.
فلقد كان
إمامُ المرسَلين، وقدوةُ الموحِّدين، وقائدُ الغُرِّ المُحجَّلين الرسولُ الكريم
صلى الله عليه وسلم كثيرَ الاستغفار والتوبةِ إلى الله، مع أنَّه صلى الله عليه
وسلم قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، كما قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا
لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}،
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنه قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا صلَّى قام حتى تتفطَّر رجلاه، فقلت له يا رسول الله: أتصنَعُ هذا وقد غفر لك
الله ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال: يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً
". قال ابن كثير رحمه الله: " هذا من خصائصه صلواتُ الله وسلامه عليه
التي لا يشاركه فيها غيرُه، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غُفر له ما
تقدَّم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريفٌ عظيمٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو
صلوات الله وسلامه عليه في جميع أموره على الطاعةِ والبِرِّ والاستقامة التي لَم
ينلها بشرٌ سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو أكملُ البشر على الإطلاق،
وسيِّدُهم في الدنيا والآخرة ".
ومع
ذلك كلِّه فقد كان صلواتُ الله وسلامه عليه يُكثر في جميع أوقاته من الاستغفارِ،
وكان الصحابةُ رضي الله عنهم يُحصون له في مجالسه الاستغفارَ الكثيرَ.
روى
مسلم في صحيحه عن الأغر الْمزنيّ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "إنَّه ليُغان على قلبي، وإنِّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرَّة
" .
وروى
البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة
" .
وقد
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الاستغفار صيغٌ عديدة، منها قوله: " أستغفر
الله وأتوب إليه"، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيتُ أحداً أكثر من
أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم "رواه
النسائي.
ومنها،
وهو أتَمُّها وأكملُها ما ثبت في صحيح البخاري عن شدَّاد ابن أوس رضي الله عنه عن
النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "سيِّدُ الاستغفار أن يقول العبدُ:
اللَّهمَّ أنت ربِّي لا إله إلاَّ أنت، خلقتني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدِكَ
ما استطعتُ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمَتِك عليَّ، وأبوء بذنبي
فاغفر لي، فإنَّه لا يغفرُ الذنوبَ إلاَّ أنتَ " .
فهذا
الحديث لَمَّا كان جامعاً لمعاني التوبة، مشتملاً على حقائقِ الإيمان، مُتضمِّناً
لمحضِ العبودية، وتمام الذُّلِّ والافتقار فاق سائرَ صِيَغِ الاستغفار في الفضيلة
وارتفع عليها.
ومِن
صِيَغ الاستغفار التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري عن عائشة رضي
الله عنه: أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصْغَت إليه قبل أن يموت وهو
مسنِدٌ إليها ظهرَه يقول: "اللَّهمَّ اغفر لي وارحمني وألحِقني بالرفيق
الأعلى " .
وفي
هذا إشارةٌ إلى ملازمتِه صلى الله عليه وسلم للاستغفار في كلِّ أوقاته وجميع
أحيانه إلى آخر لحظات حياته الكريمة صلواتُ الله وسلامه عليه، وكما أنَّه صلى الله
عليه وسلم كان يختم أعماله الصالحة، كالصلاة والحج وقيام الليل وسائر مجالسِه
بالاستغفار فقد ختم حياتَه كلَّها به،
رزقنا
الله حسنَ الاقتداء به والاتِّباع لنهجه، ونسأله سبحانه أن يرزقنا الخاتمة الحسنة،
إنَّه سميع مُجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم
على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. |