عظات وعبر من قصة قوم لوط عليه السلام
الحمد لله برحمته اهتدى المُهتدون، وبعدله ضلَّ الضالون، لا يُسأل عما
يفعلُ وهم يُسألون، أحمده - سبحانه - وأشكره على ترادُف آلائه، وقليلٌ من عباده الشاكرون،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزَّه عن الصاحبة والولد، وسبحان الله وتعالى
عما يصفون، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخليلُه الأمين المأمون،
صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ومَنْ
هم بهديه مُستمسِكون، أما بعد:
فيا
أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى وراقبوه جل وعلا في السر والعلانية والغيب
والشهادة مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
عباد
الله: قصة لوط عليه السلام وقصة لوط عليه السلام تبع لقصة إبراهيم، لأنه تلميذه وقد
تعلم من إبراهيم، وكان له بمنزلة الابن، فنـبّأه الله بحياة الخليل، وأرسله إلى قرى
سدوم من غور فلسطين، وكانوا مع شركهم بالله يلوطون بالذكور، ولم يسبقهم أحد إلى هذه
الفاحشة الشنعاء، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وحذرهم من هذه الفاحشة، فلم يزدادوا
إلا عتوا وتماديا فيما هم فيه، ولما أراد الله هلاكهم أرسل الملائكة لذلك، فمروا بطريقهم
على إبراهيم وأخبروه بذلك، فجعل إبراهيم يجادل في إهلاكهم - وكان رحيما حليما - وقال:
{إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ}
[العنكبوت: 32].
فقيل:
{يا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ
آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76].
ولما
ذهب الملائكة إلى لوط بصورة أضياف آدميين شباب ساء لوطا ذلك وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا
{وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77].
لعلمه
بما عليه قومه من هذه الجراءة الشنيعة، ووقع ما خاف منه، فجاءه قومه يهرعون إليه يريدون
فعل الفاحشة بأضياف لوط، فقال: {يا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}
[هود: 78].
لعلمه
أنه لا حق لهم فيهن، كما عرض سليمان للمرأتين حين اختصمتا في الولد فقال: ائتوني بالسكين
أشقه بينكما، ومن المعلوم أنه لا يقع ذلك، وهذا مثله، ولهذا قال قومه: {لَقَدْ عَلِمْتَ
مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79].
وأيضا
يريد بعض العذر من أضيافه، وعلى هذا التأويل لا حاجة إلى العدول إلى قول بعض المفسرين
{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} [هود: 78] يعني: زوجاتهم، يعني: لأن النبي أب لأمته، فإن هذا
يمنعه أمران:
أحدهما:
قوله: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} [هود: 78] يشير إليهن إشارة الحاضر.
ثانيا:
هذا الإطلاق على زوجاتهم لا نظير له، وأيضا النبي إنما هو بمنزلة الأب للمؤمنين به،
لا للكفار، والمحذور الذي توهموه يزول بما ذكرنا، وأنه يعلم أنه لا حق لهم فيهن، وإنما
يريد مدافعتهم بكل طريق، فاشتد الأمر بلوط وقال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ
آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:8] أي: لدافعتكم، فلما رآهم جازمين على مرادهم الخبيث
قال لقومه: فَاتَّقُوا {اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ
رَشِيدٌ} [هود: 78].
فاستلجوا
في طغيانهم وسكرهم، فحينئذ أخبرته ملائكة الرحمن بأمرهم، وأنهم أرسلوا لإهلاكهم، فصدم
جبريل أو غيره من الملائكة الذين يعالجون الباب ليدخلوا على لوط فطمس بهذه الصدمة أعينهم،
فكان هذا عذابا معجلا وأنموذجا لمن باشروا مراودة لوط على أضيافه، وأمروا لوطا أن يسري
بأول الليل بأهله ويلح في السير حتى يخلف ديارهم، وينجو من معرة العذاب، فخرج بهم فما
أصبح الصباح حتى خلفوا ديارهم، وقلب الله عليهم ديارهم، فجعل أعلاها أسفلها، وأمطر
عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين الذين يعملون عملهم ببعيد.
بارك الله لي ولكم في
القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر
الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله حقَّ حمده، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً،
أما بعد:
أيها
المؤمنون وفي قصة لوط عليه السلام أكبر دليل على أن فاحشة اللواط من أشنع القبائح،
وأنها توجب العقاب الشديد، وأن من ابتُليَ بهذه الفاحشة فمع ذهاب دينه قد انقلب عليه
الحسن بالقبيح، فاستحسن ما كان قبيحا، ونفر من الطيب، وذلك دليل على انحراف الأخلاق.
وفيها
وفي قصة إبراهيم، جواز التعريض، أما قصة إبراهيم ففي قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي
النُّجُومِ - فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 88 - 89].
وأما
لوط ففي قوله: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] والتعريض يكون
في الأقوال، ويكون في الأفعال، وهو أن يقصد المتكلم أو العامل لعمل أمرا من الأمور
التي لا بأس بها، ويوهم السامع والرائي أمرا آخر؛ ليستجلب منفعة، أو يدفع مضرة.
ومنها:
أن من علامة الرجل الرشيد أنه هو المسدد في أقواله وأفعاله، ومن ذلك أنه ينصر المظلومين،
ويفرج الكرب عن المكروبين، ويأمر بالخير، وينهى عن الشر، هذا هو الرشيد حقيقة، فلهذا
قال لوط: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78] ؟ أي: فيأمر بمعروف، وينهى
عن منكر، ويدفع أهل الشر والبغي.
ومنها:
الحث على السعي في الأعوان على أمور الخير ودفع الشر، ولو كان المعاون على ذلك من أهل
الشر، فإن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم عند الله، ولهذا قال
لوط: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] وأكثر
الأنبياء يبعثهم الله في أشراف قومهم.
ومنها
أن من يعمل عمل قوم لوط فعقوبته القتل بإجماع الصحابة الكرام رضي الله عنه فقد ثبت في الحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) رواه أحمد وأبو
داود والترمذي..
إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد
في الغنى والفقر، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر
في وجهك، وشوقا إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، أو فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان،
واجعلنا من الهداة المهتدين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك
الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، ونسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، ونسألك قلوبا
سليمة ، وألسنة صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك
لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب .اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ، ولا همّا إلا فرّجته
، ولا كربا لا نفَّسته ، ولا ضرّا إلا كشفته ، ولا ديْنا إلا قضيته ، ولا عدوا إلا
أهلكته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين، اللهم إنا
نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها
وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ
به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت،
أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا،
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع
به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد يا ذا الجلال والإكرام .اللهم صلّ وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|