تحذير الجسد من الحسد
من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
الحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا
محمدا عبد الله ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل
بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين. أما بعد:-
عباد الله: فاتقوا الله عباد الله وأصلحوا ذات بينكم وكونوا عباد الله إخوانا،
روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَحَاسَدُوا
"، الحسد وما أدراك ما الحسد !!
خصلة ذميمة مقيتة تقع في قلوب بعض مرضى القلوب - عافانا الله وإياكم- والحسد
أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره .، ومثاله أن تكره أن الله أنعم على هذا
الرجل بالمال، أو البنين، أو بالزوجة، أو بالعلم أو بالعبادة، أو بغير ذلك من
النعم سواء تمنيت أن تزول أم لم تتمن ذلك.
واعلم أن في الحسد مفاسد كثيرة -كل واحدة كفيلةٌ بالبعد عنه- :
منها: أنه تشبّهٌ باليهود أخبث عباد الله وأخس عباد الله، الذين جعل الله منهم
القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
ومنها: أن فيه دليلاً على خبث نفس الحاسد، وأنه لا يحب لإخوانه ما يحب لنفسه؛
لأن من أحب لإخوانه ما يحب لنفسه؛ لم يحسد الناس على شيء؛ بل يفرح إذا أنعم الله
عليه غيره بنعمة ويقول: اللهم آتني مثلها، كما قال الله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا
مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا
اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ
فَضْلِهِ).
ومنها: أن فيه اعتراضاً على قدر الله عزّ وجلّ وقضائه، وإلا فمن الذي أنعم على
هذا الرجل؟ لاشك أنه : الله عزّ وجلّ، فإذا كرهت ذلك فقد كرهت قضاء الله وقدره،
ومعلوم أن الإنسان إذا كره قضاء الله وقدره فإنه على خطر في دينه - نسأل الله
العافية-؛ لأنه يريد أن يزاحم ربّ الأرباب جلّ وعلا في تدبيره وتقديره.
ومن مفاسد الحسد: أنه كلما أنعم الله على عباده نعمة؛ التهبت نار الحسد في
قلبه فصار دائماً في حسده وفي غم، لأن نعم الله على العباد لا تحصى.
ومن مفاسد الحسد: انه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما قال صلى الله
عليه وسلم: " إياكم والحسد، فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب"رواه أبو داود وحسنه ابن حجر والمنذري وغيرهم
ومن مفاسده: أنه يعرقل الإنسان على السعي في الأشياء النافعة؛ لأنه دائماً يفكر
ويكون في غم؛ كيف جاء هذا الرجل مالٌ؟ كيف جاءه علم؟ كيف جاءه ولد؟ كيف جاءه زوجة
ما أشبه ذلك، فتجده دائماً منحسراً منطوياً على نفسه، ليس له هم إلا تتبع نعم الله
على العباد واغتمامه بها، نسأل الله العافية.
ومن مفاسد الحسد: أنه ينبئ عن نفس شريرة ضيقة، لا تحب الخير وإنما هي نفس
أنانية تريد أن يكون كل شيء لها.
ومن مفاسد الحسد أيضاً: أنه لا يمكن أن يغير شيء مما قضاه الله عزّ وجلّ
ابدأً، مهما عملت، ومهما كرهت. ومهما سعيت لإخوانك في إزالة نعم الله عليهم، فإنك
لا تستطيع شيئاً.
ومن مفاسده: أنه ربما يتدرج بالإنسان إلى أن يصل إلى درجة الذي يحسد الناس -وهو
العائن- لأن العائن نفسه شريرة حاسدة حاقدة، فإذا رأى ما يعجبه انطلق من هذه النفس
الخبيثة مثل السهم حتى يصيب بالعين، فالإنسان إذا حسد وصار فيه نوع من الحسد، فإنه
يترقى به الأمر حتى يكون من أهل العيون الذين يؤذون الناس بأعينهم، ولا شك أن
العائن عليه من الوبال والنقمة بقدر ما ضرّ العباد, إن ضرهم بأموالهم فعليه من ذلك
إثم أو بأبدانهم أو بمجتمعهم، ولهذا ذهب كثيرٌ من أهل العلم إلى تضمين العائن كل
ما أتلف، يعني إذا عان أحداً وأتلف شيئاً من ماله أو أولاده أو غيرهم، فإنه يضمن،
كما أنهم قالوا: إن من اشتهر بذلك، فإنه يجب أن يُحبس إلا أن يتوب، يحبس اتقاء
شره، لأنه يؤذى الناس ويضرهم فيحبس كفّاً لشره.
ومن مفاسد الحسد: أنه يؤدي إلى تفرق المسلمين؛ لأن الحاسد مكروه عند الناس
مبغض، والإنسان الطيب القلب الذي يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، تجده محبوباً من
الناس، الكل يحبه، ولهذا دائماً نقول: والله فلان هذا طيب ما في قلبه حسد، وفلان
رجلٌ خبيثٌ حسود وحقود وما أشبه ذلك.
فهذه عشر مفاسد كلها في الحسد، وبهذا نعرف حكمة النبي صلى الله عليه وسل حيث
قال: " لَا تَحَاسَدُوا " أي لا يحسد بعضكم بعضاً، فإن قال قائل: ربما
يجد الإنسان في نفسه إنه يحب أن يتقدم على غيره في الخير، فهل هذا من الحسد؟
فالجواب: أن ذلك ليس من الحسد؛ بل هذا من التنافس في الخيرات، قال الله تعالى:
(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:-
ومما يعين على التغلب على الحسد : استحضار
أسماء الرب وصفاته، وأن العطاء منه سبحانه، وأنه يعطي كل أحد ما يليق به،
والاجتهاد في دعاء الرب تعالى بإصلاح القلب فإنه سبحانه مقلب القلوب، والنظر إلى
الدنيا على أنها لن تدوم لأحد , والنظر في مآلات الحاسد وعواقبه الدينية والدنيوية
نسأل الله لنا ولك صلاح القلب.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا
يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيء الأخلاق لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم
إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا
بما علمتنا وزدنا علماً يا عليم. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين
معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا،
اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل
ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل
الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلّط علينا بذنوبنا من ﻻ يرحمنا ولا يخافك
فينا يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما
أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت
على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل
علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا
أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى
حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سَحًّا غدقاً، نافعاً غير ضار،
عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت،
اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به
الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم
أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|