مَكانَةُ المرأَةِ في الإسلام
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أَيُّها الناسُ:
اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، واعْتَزُّوا بِدِينِكم الإسلامِ، فإنَّ اللهَ أعَزَّكُم
بِه، فَإِنْ ابْتَغَيْتُم العِزَّةَ بِغَيْرِهِ أذلَّكُم اللهُ، ومَا ذاكَ إلَّا
لِأَنَّ الإسلامَ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أنْعَمَ اللهُ بِها عَلَيْنَا، فَهُوَ دِينٌ
كامِلٌ فِي اعْتِقادَاتِهِ وَفِي تَشْرِيعاتِهِ وَفِي أَوَامِرِهِ وَمَنْهِيَّاتِه،
وَفِي آدابِه وأَخْلَاقِيَّاتِهِ.
وَمِنْ
أَعْظَمِ مَحاسِنِ هذا الدِّينِ، أَنْ كَرَّمَ الإِنْسانَ، لِأَنَّ
اللهَ كَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقاتِهِ، وَجَعَلَ لَهُ
حُقُوقًا كَثِيرَةً تَلِيقُ بِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الناسِ لَمْ يَعْبَؤُوا
بِهذِهِ الحُقُوقِ، وَلَمْ يَصُونُوها.
أَلَا
وَإِنَّ أَعْظَمَ حُقُوقِ الإِنْسانِ عَلَى الإِطْلاقِ، أَنْ يُدْعَى
إِلَى الإسْلامِ والإِيمانِ. لِأنَّه لَا يَكُونُ إِنْسانًا عَلى الحَقِيقَةِ
إلَّا بِذلك، قال تعالى: ( لَقَد خَلَقْنا الإنسانَ
في أحسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْناه أَسْفَلَ سافِلِينَ * إلا الذينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصالِحاتِ )، وقال تَعالَى: ( إنَّ
الإنسانَ لَفِي خُسْرٍ * إلا الذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحاتِ وتَوَاصَوْا
بِالحَقِّ وتَواصَوْا بالصَّبْرِ ). هَذَا هُو الإنسانُ الحَقِيقِيُّ،
وَأّمَّا مَنْ أَعْرَضَ عن ذلك، فَهُو فِي أَسْفَلِ سافِلِينَ، وإِنْ سَمَّاهُ
الناسُ إنسانًا، وأَثْنَوْا عَلَيْه.
وَمِنْ
مَحَاسِنِ هذا الدِّينِ: أَنَّهُ كَرَّمَ الْمَرْأَةَ، وَعَظَّمَ
شَأْنَها، وَصانَ مَكانَتَها، وَحَماهَا مِنْ جَاهِلِيَّتَيْنِ وَضَلَالَتَيْنِ.
الأُولَى:
ما كانَ عَلَيْهِ الناسُ قَبْلَ البِعْثَةِ، حَيْثُ
كانَتْ مُضَيَّعَةً، والْمُجْتَمَعُ يَكْرَهُها، وإذا بُشِّرَ الرَّجُلُ
بِالأُنْثَى، اسْوَدَّ وَجْهُهُ، واحْتارَ في أَمْرِهِ، هَلْ يَدْفِنُها وَهِيَ
حَيَّةٌ، أَمْ يُبْقِيها مُهانَةً. وَكانُوا لا يُوَرِّثُونَها، وَلَوْ كانَ
مُوَرِّثُها مِنْ أَهْلِ الثَّراءِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ. وَكانُوا يَتَرَفَّعُونَ
عَنْ ذِكْرِها. وَكانُوا لا يُزَوِّجُونَها إلَّا مِمَّنْ يُرِيدُونَ، وَلَوْ كانَ
مِنْ أَسْوَإِ الناسِ. وَكانُوا إذا ماتَ زَوْجُها تَسابَقُوا إلَيْها، فَمَنْ
سَبَقَ إلَيْها وَأَلْقَى عَلَيْها ثَوْبَهُ فَإِنَّه أَحَقُّ بِها، وَيَرِثُها
مِن زَوْجِها كَما يُورَثُ الْمالُ، ثُمَّ بَعْدَ ذلك هُوَ مُخَيَّرٌ، إِنْ شاءَ
تَزَوَّجَها، وإِنْ شاءَ زَوَّجَها غَيْرَهُ وَأَخَذَ مَهْرَها، وَإِنْ شاءَ
عَضَلَها، أيْ مَنَعَها مِن الزَّواجِ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْه بِمالٍ تَدْفَعُهُ
إِلَيْهِ.
والثَّانِيَةُ:
مَا كانَ عَلَى نَقِيضِ ذلكَ، مِن التَعَرِّي
والسُّفُورِ، والانْحِلالِ، وَتَخَلِّي الْمَرْأَةِ عَنْ عِفَّتِها، وَوَظِيفَتِها
الحَقِيقِيَّةِ التي أَكْرَمَها اللهُ بِها، حَيْثُ أَمَرَها بِالحِجابِ،
وَكَلَّفَها بِإِدارَةِ شُؤُونِ البَيْتِ بِقَوْلِهِ: ( الْمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها وَوَلَدِهِ،
وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِها ). لِأَنَّ
العَمَلَ في هذه الحَياةِ نِصْفانِ، والْمُجْتَمَعَ
نِصْفانِ: نِصْفٌ داخِلَ البَيْتِ، والنِّصْفُ
الآخَرُ خارِجَ البَيْتِ. فَدَاخِلُ البَيْتِ
هُوَ الوَظِيفَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِلمَرْأَةِ.
وَخَارِجُ البَيْتِ هُوَ
مَيْدانُ الرِّجالِ القَوَّامِينَ عَلَى بُيُوتِهِمْ وَنِسائِهِمْ. وإِذا احْتاجَتْ الْمَرْأَةُ إلى العَمَلِ خارِجَ البَيْتِ،
فَإِنَّها تَعْمَلُ، وَلَكِنْ عَلَى شَكْلٍ يَحْفَظُ
لَهَا كَرامَتَها وَعِفَّتَها. لِأَنَّه لَا مانِعَ مِنْ ذلك، وإِنَّما الْمانِعُ
أَنْ تُعَرِّضَ نَفْسَها لِلفِتْنَةِ، وَتَتْرُكَ الضَّوابِطَ الشَّرْعِيَّةَ.
عِبادَ اللهِ:
إِنَّ مَوْضُوعَ الْمَرْأَةِ مُهِمٌّ في الْمُجْتَمَعِ، يَحْتاجُهُ الرِّجالُ
والنِّساءُ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الأُمُّ والبِنْتُ والأُخْتُ
والزَّوْجَةُ. وَهِيَ الْمَدْرَسَةُ وَالرَّكِيزَةُ الأُولَى لِلذُّرِّيَّةِ التي
يَتَكَوَّنُ مِنْها الْمُجْتَمَعُ، فَإِذا صَلَحَتْ صَارَتْ سَبَبًا لِصلاحِ
الذُّرِّيَّةِ وَأَهْلِ البَيْتِ.
فَالنِّساءُ
نِعْمَةٌ مِن اللهِ عَلَى الرِّجالِ: حَيْثُ جَعَلَ لَهُمْ مِن
أَنْفُسِهِمْ أَزْواجًا لِيَسْكُنُوا إِلَيْهِنَّ، وَيُرْزَقُونَ مِنْهُنَّ
البَنِينَ والأَحْفادَ والذُّرِّيَّةَ. وَجَعَلَهُنَّ سَكَنًا يَحْصُلُ بِهِ
الطُمَأْنِينَةُ والرَّاحَةُ والأُنْسُ والْمَوَدَّةُ والرَّحْمَةُ.
والْمَرْأَةُ
شَقِيقَةُ الرَّجُلِ في التَّكْلِيفِ: فَكِلَاهُمَا مُخاطَبٌ
بِالأَوامِرِ والنَّوَاهِي، وَأَكْرَمُ الناسِ عِنْدَ اللهِ مِن الرِّجالِ
والنِّساءِ أَتْقاهُمْ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ:
عِبادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ لِلْمَرْأَةِ أَنَّ
النبيَّ صلى اللهُ عَلَيه وسلم في أَعْظَمِ مَجامِعِ الْمُسْلِمِينَ في حَجَّةِ
الوَداعِ، قال: ( اتَّقُوا اللهَ في النِّساءِ
)، وقال أيْضًا: ( اسْتَوْصُوا بِالنساءِ خَيْرًا
).
وَمِنْ
تَكْرِيمِ اللهِ لِلْمَرْأَةِ: أَنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم
جَعَلَ الأَفْضَلِيَّةِ والخَيْرِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُونَ إلَى زَوْجاتِهِمْ
وأَوْلادِهِمْ فقال: ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ
لِأَهْلِهِ, وأَنا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ). وَمِنْ
ذلكَ: أَنَّ اللهَ أَعْطاها حَقَّها مِنْ الْمِيراثِ، سواءً كانت
أُمًّا أَوْ بِنْتًا أَوْ أُخْتًا أَوْ زَوْجَةً. وَمِنْ
ذلكَ: اشْتِراطُ رِضاها في النِّكاحِ، بَلْ وَجَعَلَ المَهْرَ مُلْكًا
لَها، لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيب نَفْسٍ مِنْها. وَمِنْ ذلكَ: صِيِانَتُها من الابتِذال سَواءً
عِنْدَ خُرُوجِها، بِحَيْثُ تَلْتَزِمُ بِحِجابِها، وَلا تَلْبَسُ ما يَلْفِتُ
الأَنْظارَ وَلَوْ كانَ ساتِرًا، وَلَا تَمُرُّ مُتَعَطِّرَةً بِحَضْرَةِ
الرِّجالِ. وَلَا تَخْلُو بَأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ كانَ قَريبًا. وَلَا تُسافِرُ
إلَّا مَعَ ذي مَحْرَمٍ، وأسْقَطَ عَنْها فَرْضَ الجُمُعَةِ والجَماعَةِ. لَكِنَّه
لَمْ يَمْنَعْها مِنْ الصلاةِ في الْمَسْجِدِ، إذا خَرَجَتْ غَيْرَ مُتَبَرِّجَةٍ
وَلَا مُتَعَطِّرَةٍ. وَمِنْ ذلكَ:
أَنَّ رَجُلًا قال لِلنبيِّ صَلى اللهُ عَليه وسلم: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بِحُسْنِ
الصُّحْبَةِ؟ قال: ( أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ
أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْناكَ أَدْناكَ ).
وَمِنْ
ذلكَ: قَوْلُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في شَأْنِ تَرْبِيَةِ
البَناتِ والإِحْسانِ إلى الأَخَواتِ والقَرِيباتِ: ( مَنْ
أَنْفَقَ على ابْنَتَيْنِ أو أُخْتَيْنِ أَوْ ذَوَاتَي قَرَابَةٍ، يَحْتَسِبُ
النَّفَقَةَ عليهِما حتى يُغْنِيَهُما اللهُ مِن فَضْلِهِ، أَوْ يَكْفِيَهُما،
كانَتَا له سِتْراً مِن النَّار ).
رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ
أَزْواجِنا وَذُرِّياتِنا قُرَّةَ أَعْيُنْ واجْعَلْنا لِلمتقينَ إماماً، رَبَّنَا
اجْعَلْنا لَكَ شَكَّارين، لَكَ ذَكَّارين، لَكَ رَهَّابين، لَكَ مُطْوَاعين،
إِلَيْكَ مُخْبِتين، إِلَيْكَ أَوَّهين مُنِيبين، ربَّنا تَقبَّل تَوبَتَنا، وَاغْسِلْ
حَوبَتنَا، وأجِب دعوَتَنَا، واهدِ قلُوبَنَا، وسدِّد أَلْسِنَتَنَا، وثبِّت حُجَّتَنَا
واسلُلْ سَخِـيمةَ قلُوبِنَا، اللهُمَّ أصلحْ قلوبنَا وأعمالَنا وأحوالَنا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي هُوَ عِصْمَةُ
أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ
لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً
لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ،
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ
وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ، اللهُمَّ أصلحْ أَحوالَ
الْمُسْلِمِيْنَ، اللهُمَّ عَليكَ بِالكفرةِ والْمُلِحِدِين الذَّين يَصدُّون عَن
دِينِكَ وَيُقَاتِلُون عَبادَك الْمُؤمِنين، اللهُمَّ عَليكَ بِهم فإنهمْ لا
يُعجزونَكَ، اللهُمَّ زَلْزِل الأرضَ مِن تحتِ أَقَدَامِهم، اللهُمَّ سلِّطْ عَليهم
منْ يَسُومُهم سُوءَ العذابِ يا قويُّ يا متين، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مِن كَيدِ
الكَائِدِينَ وعُدْوانِ الْمُعتدينَ، اللهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمرِنا بِتَوفِيقِك،
وَأَيِّدْهُم بِتأَييدِك، وَاجْعَلْهُم مِن أَنصارِ دِينِك، وَارزقْهُم البِطانةَ
الصَّالحةَ النَّاصِحةَ يَا ذَا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ
مِنْهُم وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119