من أسماء الله القابض الباسط
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الْحَمْدُ وَكَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ
وَسِرَاجًا مُنِيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَـى، وَاعْلَمُوا أن من أسماء الله : القابض،
الباسط.
وقد ورد هذا الاسم في السنة النبوية، ففي "السنن" و"مسند
الإمام أحمد" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "غلا السِّعر على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! لو سعَّرتَ، فقال: إن الله هو
الخالق القابض لباسط الرازق المسعِّر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحدٌ
بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال".
و"الباسط" أي: الذي يبسط رزقه لمن شاء من عباده،
و"القابض" أي: الذي يضيق أو يحرم من شاء منهم من رزقه، لما يرى سبحانه
في ذلك من المصلحة لهم، قال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ
لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ).
فالقبض: التضييق في الرزق، والبسط: التوسعة فيه والإكثار منه، وكل ذلكم بيد
الله عز وجل، فهو القابض الباسط، الخافض الرافع، المعطي المانع، المعز المذل، لا
شريك له.
قال تعالى: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، قال ابن
جرير الطبري رحمه الله في تفسيرها: "يعني - تعالى ذكره - بذلك أنه الذي بيده
قبضُ أرزاق العباد وبسطُها دون غيره ممن ادعى أهلُ الشرك به أنهم آلهةٌ واتخذوه
رباً دونه يعبدونه.
ففي هذا السياق تنبيه لمن بسط الله له في ماله أو علمه أو مكانته أن ينفق مما
آتاه الله، وأن يحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليه، ومن ضيق عليه في ذلك
فليلجأ إلى الله وحده طالباً مده وعونه وفضله، معتقداً أنه لا باسط لما قبض ولا
قابض لما بسط، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، كما قال نبينا صلى الله عليه
وسلم يوم أُحد حين انكفأ المشركون قال: "استووا حتى أثني على ربي"
فصاروا خلفه صفوفاً فقال: "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا
باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا
مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت ..الخ رواه أحمد،
والبخاري في "الأدب المفرد" (حديث صحيح).
وقد ورد ذكر البسط والقبض مضافاً إلى الله عز وجل في نصوص كثيرة من الكتاب
والسنة، قال تعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ
وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ
إِلاَّ مَتَاعٌ) فدلت هذه النصوص ونظائرها أن القبض والبسط كله بيد الله تبارك
وتعالى، وبتصريفه وتدبيره سبحانه يبسط لمن يشاء في ماله أو عافيته أو عمره أو علمه
أو حياته، ويقبض وهو الحكيم الخبير.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في التعليق على قول ابن القيم رحمه
الله في "نونيته":
هو قابض هو باسط هو خافض ... هو رافع بالعدل والميزان
"يعني أنه القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، الباسط للأرزاق والرحمة
والنفوس، وهو الخافض لأقوام، الرافع لآخرين، وذلك كله عدل من الله وحكمة، يحمد
عليه أتم الحمد وأكمله، قال تعالى: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ) ، وقال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ
لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ) .
فقبضه نعمةٌ في حق عباده المؤمنين؛ لأنه يمنعهم به من البغي والظلم والعدوان،
وإن كان الله تعالى هو القابض الباسط الخافض الرافع قدراً وقضاءً؛ فلا يمتنع أن
تكون هذه الأمور بأسباب من العباد متى قاموا بها حصلت لهم، وهذا هو الواقع، فإن
الأسباب محل حكمته وسنته الجارية التي لا تتبدل ولا تغير" .
وقد جمع بين هذين الأمرين في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحبَّ أن
يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في عمره؛ فيصل رحمه" متفق عليه.
فبسطُ الرزق بيد الله، وصلةُ الرحم سبب يبذله العبد، وكذلك كون المسعر هو الله
عز وجل لا يمنع أن يكون هناك أسباب يبذلها العبد يزول بها الغلاء ويحصل بها الرخص،
كما قيل لأحد الأفاضل: لقد غلت الأسعار! فقال: أرخصوها بالتقوى.
اللهم ادفع عنا الغلاء، وابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك
ورزقك.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ،
وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ،
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ،
فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى
تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
من آثار الإيمان بهذين الاسمين (القابض الباسط) :
أولا: محبة الله الذي بيده البسط والسعة وبيده القبض والتضييق.
ثانيا: تجريد التوكل عليه وحده وتفويض الأمور إليه سبحانه.
ثالثاً الرضا بما يقسم الله تعالى من رزق وغيره سواء كان بسطاً أو قبضاً
رابعاً: سؤال الله أعظم البسط وأفضله وهو بسط الرحمة والهداية على القلب .
خامساً: الإيمان بكل ما يصدر عن الله من بسط وقبض فله الحكمة البالغة فيه .
سادساً: الحذر من استعمال ما بسط الله لك من الرزق وغيره في معاصيه .
اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي
الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،
وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ،
وَنسْأَلُكَ قَلوبَاً سَلِيمَةً، وَألسَنَاً صَادِقَةً، وَنسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ
مَا تَعْلَمُ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنسْتَغْفِرُكَ لِمَا
تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ.
اللَّهُمَّ يَا مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَيَا
مُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَيَا سَرِيعَ الْحِسَابِ، وَيَا هَازِمَ الْأَحْزَابِ،
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ حَارَبَ بلاد الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمِينَ،
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْبُغَاةِ الْمُجْرِمِينَ ، وَالطُّغَاةِ الْمُعْتَدِينَ ،
وَالْحَاقِدِينَ وَالْحَاسِدِينَ لبِلَدِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا
نَسْأَلُكَ نَصْرَ جُنُودِنَا عَلَى حُدُودِنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ نَصْرًا
مُؤَزَّرًا. اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عَوْنًا وَظَهِيرًا، وَوَلِيًّا وَنَصِيرًا.
اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَقَوِّ عَزَائِمَهُمْ،
وَاحْفَظْ أَرْوَاحَهُمْ، وَعَجِّلْ بِنَصْرِهِمْ، وَرُدَّهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ
رَدًّا جَمِيلًا ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين
.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
عِبَادَ اللهِ اذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ
عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |