من أسماء الله: المنان
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من
شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً أما بعد:
عباد
الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا من أسماء الله
الحسنى اسم (المنان)، وقد ثبت هذا الاسم في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم،
روى الإمام أحمد وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم
سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك،
المنان بديع السموات والأرض، ذو الجلال والإكرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به
أعطى".
والمنان:
هو كثير العطاء، عظيم المواهب، واسع الإحسان، الذي يدرُّ العطاء على عباده، ويوالي
النَّعماء عليهم تفضلاً منه وإكراماً، ولا منان على الإطلاق إلا الله وحده، الذي
يبدأ بالنِّوال قبل السؤال، له المنة على عباده، ولا منَّة لأحد منهم عليه - تعالى
الله علواً كبيراً- وهو أمر مشهود للخليقة كلها برِّها وفاجرها من جزيل مواهبه،
وسعة عطاياه، وكريم أياديه، وجميل صنائعه، وسعة رحمته، وبره ولطفه، وإجابته لدعوات
المضطرين، وكشف كربات المكروبين، وإغاثة الملهوفين، ودفع المحن والبلايا بعد
انعقاد أسبابها، وصرفها بعد وقوعها، ولطفه تعالى في ذلك إلى ما لا تبلغه الآمال.
ومن
عظيم منِّه - سبحانه - هدايته خاصَتَه وعباده إلى سبيل دار السلام، ومدافعته عنهم
أحسن الدفاع، وحمايتهم من الوقوع في الآثام، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم،
وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين، وكتب في قلوبهم الإيمان
وأيدهم بروح منه، وسماهم المسلمين من قبل أن يخلقهم، وذكرهم قبل أن يذكروه،
وأعطاهم قبل أن يسألوه، تعرَّف إليهم بأسمائه، وأمرهم بما أمرهم به رحمة منه بهم
وإحساناً، لا حاجة منه إليهم، ونهاهم عما نهاهم عنه حماية وصيانة لهم لا بُخلاً
منه عليهم، وخاطبهم بألطف خطاب وأحلاه، ونصحهم بأحسن النصائح، ووصاهم بأكمل
الوصايا، وأمرهم بأشرف الخصال، ونهاهم عن أقبح الأقوال والأعمال، وصرف لهم الآيات
وضرب لهم الأمثال، ووسع لهم طرق العلم به ومعرفته، وفتح لهم أبواب الهداية، وعرفهم
الأسباب التي تدنيهم من رضاه وتُبعدهم عن غضبه، إلى غير ذلك من أنواع نعمه وصنوف
مننه، القائل سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [النحل:
18]، والقائل جل شأنه: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) [النحل: 53].
ومن
أراد مطالعة أصول المنن فليدم سرح النظر في رياض القرآن الكريم، وليتأمل ما عدد
الله فيه من نعمه العظيمة وعطاياه الكريمة، ومنه الجزيلة.
فقد
ذكّر سبحانه عباده بمنّة الهداية لهذا الدين، والإخراج من ظلمات الشرك والكفر برب
العالمين، قال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا
عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ
إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17]، وذكر سبحانه بمنّة بعث الرسل عليهم
الصلاة والسلام، وإكرامه هذه الأمة ببعث صفوة رسله وخير أنبيائه محمد صلى الله
عليه وسلم قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي
ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 124].
وذكر
بمنته على عباده المؤمنين بدخول الجنة والنجاة من النار، واستشعارهم لهذه المنة
العظيمة والفضل الكبير (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ *
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ
قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 26 - 28]،.
ومن
عرف ربَّه سبحانه بهذا الاسم العظيم وأنه وحده ولي المنِّ والعطاء، صاحب الهبة
والنعماء؛ أوجب له ذلك أن يحمد ربه على نعمائه، وأن يشكره على فضله وعطائه (قَالَ
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ) [الأحقاف: 15].
وقد
أمر الله عباده بالشكر ونهاهم عن ضده، وأثنى على عباده الشاكرين، ووعدهم بأحسن
الجزاء، وجعل الشكر سبباً لمزيد الفضل والعطاء، وحارساً وحافظاً للهبة والنعماء
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، وأوجب له كذلك ألا يستعمل
نعمة الله ومنته سبحانه في معصيته، وألا يضيف النعمة إلا إلى المنعم وحده، وهو
الله لا شريك له، خلاف من قال الله عنهم: (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ
يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ) [النحل: 83]، أي: بإضافتهم النعمة
إلى غير المنعم.
بَارَكَ اللهُ لِي
وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ؛ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ
الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ ؛ أَقُولُ هَذَا الْقَوْلِ وَاِسْتَغْفَرَ اللهُ
لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الْمَنَّانِ، عَظِيمُ الْإحْسَانِ، وَاسِعُ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالْاِمْتِنَانُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِّيُّكَ لَهُ، وَأَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ صَلَّى
اللهُ وَسُلَّمٌ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَأَصْحَابَهُ أَجَمْعَيْنِ. أما بعد :
عبادُ
الله: ومن الآثارِ المترتبةِ على معرفةِ اسمِ
اللهِ المنان:
أولا: محبة الله والثناء عليه على مننه العظيمة
وخيراته الجزيلة.
ثانيا:
عدم التعلق بالأسباب مهما كانت وأنه لولا منة الله وإذنه بنفعها وأثرها ما وصلت
للعبد .
ثالثا:
البعد عن صفة المنة على الخلق : لأن الله هو المانّ حقيقة وقد نهى رسوله صلى الله
عليه وسلم عن المن بالعطية ورؤية النفس وإيذاء الفقراء بالمنّ عليهم.
= اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن
طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا
بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من
ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر
همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا.
= اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد
صفوفهم وأصلح حكامهم وارزقهم جميعا العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
= اللهم انتصر لعبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم احقن دمائهم
وصن أعراضهم وتولّ أمرهم وسدد رميهم وعجّل بنصرهم وفرّج كربهم وانصرهم على القوم
الظالمين، اللهم عليك بأعداء الدين من الكفرة المجرمين والطغاة الملحدين الذين
قتلوا العباد وسعوا في الأرض بالتخريب والتقتيل وأنواع الفساد اللهم عليك بهم
فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واجعل تدبيرهم
تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
= اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا
وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|