من أسماء الله الطيّب
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من
شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن اسم الله (الطيّب)
ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا أيها الناس إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيب" رواه مسلم.
والمعنى: أنه
تعالى مقدَّس ومنزه عن النقائص والعيوب كلها؛ لأن أصل الطيب الطهارة والسلامة من
الخبث، والله جل وعلا لم يزل ولا يزال كاملاً بذاته وصفاته، وينتظم تقرير هذا
المعنى والدلالة عليه من اسمه الطيب قولُ المصلِّي في التشهد "والطيبات"
أي: لله عز وجل. قال ابن القيم رحمه الله: "وكذلك قوله: "الطيبات"
أي: الطيبات من الكلمات والأفعال والصفات والأسماء؛ لله وحده، فهو طيب، وأفعاله
طيبة، وصفاته أطيب شيء، وأسماؤه أطيب الأسماء، واسمه الطيب، لا يصدر عنه إلا طيب،
ولا يصعد إلا طيب، ولا يقرب منه إلا طيب، فكلمه طيب، وإليه يصعد الكلم الطيب،
وفعله طيب، والعمل الطيب يعرج إليه، فالطيبات كلها له، ومضافة إليه، صادرة عنه،
ومنتهية إليه، ولا يجاوره من عباده إلا الطيبون، كما يقال لأهل الجنة: (سَلامٌ
عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر: 73]، وقد حكم سبحانه [في]
شرعه وقدره أن الطيبات للطيبين ، بل ما طاب شيء قط إلا بطيبته سبحانه، فطيبُ كل ما
سواه من آثار طيبته، ولا تصلح هذه التحية الطيبة إلا له" اهـ.
فإن الطيب
توصف به الأعمال والأقوال والاعتقادات، فكل هذه تنقسم إلى طيب وخبيث، كما قال
تعالى: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ
الْخَبِيثِ) [المائدة: 100]، وقد قسم الله تعالى الكلام إلى طيب وخبيث فقال:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) [إبراهيم: 24]،
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) [إبراهيم: 26]، وقال تعالى:
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر: 10]، ووصف الرسول صلى الله عليه
وسلم بأنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث، ووصف المؤمنين بالطيب بقوله تعالى:
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) [النحل: 32]، وإن الملائكة
تقول عند الموت "اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب" رواه
أحمد وابن ماجه واسناده صحيح ، وإن الملائكة تسلم عليهم عند دخول الجنة ويقولون
لهم: (طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر: 73].
وقد ورد في
الحديث أن المؤمن إذا زار أخاً له في الله تقول له الملائكة: "طبت وطاب ممشاك
وتبوأت من الجنة منزلا" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم وله شواهد .
فالمؤمن كله
طيب، قلبه ولسانه وجسده، بما سكن في قلبه من الإيمان وظهر على لسانه من الذِّكر،
وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان وداخلة في اسمه.
ولما طاب
المؤمن في هذه الدار في عقائده وأعماله وأقواله أكرمه الله في دار القرار بدخول
دار الطيبين التي لا يدخلها إلا طيب قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ
فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر: 73]، فعقَّب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي
يؤذن بأنه سببٌ للدخول، أي: بسبب طيبكم قيل لكم: ادخلوها.
فالدُّور يوم
القيامة ثلاثة: دار الطيب المحض، وهي لمن جاء بطيب لا يشينه خبثٌ، وهم المؤمنون
الكمَّل، ودار الخبث المحض، وهي لمن يأتي بخبث لا طيب فيه، وهم الكفار، ودار لمن
معه خبث وطيب، وهم عصاة الموحدين، فهؤلاء إذا دخلوا النار فإنهم لا يخلدون فيها بل
يعذبون فيها بقدر أعمالهم، ثم يخرجون منها ويدخلون الجنة، فلا يبقى بعد ذلك إلا
داران: دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض.
اللهم اجعلنا من عبادك الطيبين الذين يقال لهم يوم القيامة:
(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) [الأعراف:
49].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ,
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وأَشْهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهَ وَحدَهُ لا شَرِيكَ
لَهُ ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وسلَّمَ
تَسلِيمًا كَثِيرًا. أما بعد :
عباد الله: ومن
الآثار المترتبة على معرفة اسم الله الطيّب :
محبة الله
لصفاته وأسمائه وأسمائه الطيبة الكريمة
ومنها أنه لا
ينبغي للعبد أن يتقرب إلى ربه (الطيب) الا بالطيب من الاقوال والفعال والاموال.
ومنها: محبة
من اختاره الله من عباده لأن يكون طيبا من مخلوقاته لأنه لا يختار ولا يختص من
المخلوقات إلا أطيبها.
ومنها حمده
سبحانه واللهج بذكره وشكره على ما هدى وأنعم علينا.
اللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت بها علينا، اللهم أوزعنا أن
نشكر نعمك التي أنعمت بها علينا. اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين. اللهم أعنا على
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا ذا الجلال والإكرام.
= اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن
تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا ، و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين،
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين
ولا تشمت بنا أعداء و لا حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ
بك من كل شر خزائنه بيدك .
= اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد
صفوفهم وارزقهم العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
= اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا
وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا : http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|