وجوب التوكل
على الله - احترازات
كورونا
الحمد
لله الذي من توكل عليه كفاه ، ومن عمل صالحا هداه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، أمر باتخاذ الأسباب ، وأجزل للمتوكل عليه الثواب ، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أفضل من توكل على ربه وأناب، صلى الله عليه ،
وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الحساب.
أما بعد فيا
أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى واعلموا أن التوكل على الله خلق جليل يضطر إليه
العبد في أموره كلِّها دينيِّها ودنيويها،
والتوكل على
الله تعالى الذي هو صدق الاعتماد عليه سبحانه في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل
الأسباب لا التعلق بالأسباب أمر حتمي على مكلف يرجوا ما عند الله .
والتوكل
الحقيقي يطرد عن العبد الكسل، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
قال ابن كثير رحمه الله: " أي لا يرجون
سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه ولا يطلبون حوائجهم إلا منه ولا
يرغبون إلا إليه ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه المتصرف في الملك
لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ولهذا قال سعيد ابن جبير: "التوكل
على الله جماع الإيمان " انتهى كلامه رحمه الله.
فإنَّ الله أمر
بالتوكل في آيات كثيرة.
وأخبر أنَّه من
لوازم الإيمان ووعد المتوكلين: الكفاية وحصول المطلوب، وأخبر أنَّه يحبهم، وأنَّه
لا يتم الدين إلا به، ولا تتم الأمور إلا به، فالدين والدنيا مفتقرات إلى التوكل.
قال تعالى: {وَعَلَى
اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة: 23] ، {فَاعْبُدْهُ
وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود: 123] [الأعراف: 89] ، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق: 3] ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ (5) }.
وللتوكل فوائد
عظيمة:
منها: أنَّه لا
يتم الإيمان والدين إلا به، وكذلك لا تتم الأقوال والأفعال والإرادات إلا به.
ومنها: أنَّ من
توكل على الله كفاه، فإذا وعد الله عبده بالكفاية إذا توكل عليه، عُلِمَ أنَّ ما
يحصل من الأمور الدينية والدنيوية، وأحوال الرزق وغيرها بالتوكل أعظم بكثير مما
يحصل إن حصل إذا انقطع قلب العبد من التوكل.
ومنها: أنَّ
التوكل على الله أكبر سبب لتيسير الأمر الذي تُوكِّل علي) وتكميلِه وتتميمِه، ودفع الموانع الحائلة
بينه وبين تكميله.
ومنها: أنَّ
المتوكل على الله حقيقة قد أبدى الافتقار التام إلى ربه، وتبرأ من حوله وقوته، ولم
يعجب بشيء من عمله، ولم يتكل على نفسه لعلمه أنَّها ضعيفة مهينة، سريعة الانحلال،
بل لجأ في ذلك إلى ربه، مستعيناً به في حصول مطلوبه.
وهذا هو الغنى
الحقيقي، لأنَّه استغنى بربه وكفايته، وهو مع ذلك قد أبدى غاية المجهود، فتبين
أنَّ التوكل لا ينافي القيام بالأسباب الدينية والدنيوية، بل تمامه بفعلها بقوة
صادقة وهمة عالية، معتمدة على قوة القوي العزيز.
ومن مزايا
التوكل وفضله أن المتوكل موعود بأجر عظيم وفضل كبير ففي الصحيحين في حديث السبعين
ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان من هم:
((هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون))
أيها المؤمنون
إنه لا منافاة بين التوكل الصادق وبين الأخذ بالأسباب فهذا نبيكم صلى الله عليه
وسلم إمام المتوكلين وسيدهم كان يأخذ بالأسباب فقد كان يلبس الدروع في الغزوات وكان يدخر قوت أهله سنة وهو سيد المتوكلين.
فالواجب على
المؤمن الصادق أن يتوكل على الله تعالى بقلبه وذلك بأن يعلم ويؤمن بأن الله تعالى
كافيه وكفى به وكيلاً وعليه مع هذا أن يأخذ بالأسباب التي جعلها الله تعالى سبيلاً
لتحصيل الغايات وطريقاً لكسب المقاصد والمبتغيات فاسألوا الله من فضله وعلقوا
قلوبكم به فإنه لا يأتي بالخير إلا هو ولا يرفع الشر إلا هو.
أيها المؤمنون
إن كثيراً من الناس لا يفهمون من التوكل على الله إلا التوكل عليه في تحصيل رزق أو
عافية أو زوجة أو ولد أو غير ذلك من جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية فحسب , فهذا
وإن كان التوكل فيه واجب فأوجب منه التوكل على الله بالإيمان به وبنصرة دينه وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه وفي
حصول محابه والقيام بأوامره فهذه المرتبة هي من أخص مقامات المؤمنين قال الله
تعالى في بيان موقف رسله وأوليائه من كيد أعدائه وتهديداتهم: ﴿وَمَا لَنَا أَلا
نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
:
الحمدُ
لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،
وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
قال ابن تيمية
(ومما ينبغي أن يُعلم: أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد. ومحو الأسباب
أن تكون أسباباً نقص في العقل, والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ) اهـ
عباد الله: فعل الاسباب الشرعية من التوكل على
الله عز وجل ومن ذلك تلك الاحترازات عن وباء كورونا فتقيدوا بأوامر الجهات المختصة
واستعينوا بالله .
وبعد عباد
الله: حاسبوا أنفسكم ومن تحت أيديكم راقبوهم, وجهوهم, انصحوهم. خوفوهم بالله. فالله
تعالى ينذر عباده ويخوفهم ويعظهم ويرسل عليهم الآيات (وما نرسل بالآيات إلا
تخويفا) وثقوا بالله وفرجه وفضله .
اللهم
لك أسلمنا ، وبك آمنا ، وعليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا ،
فاغفر لنا ما قدّمنا وما أخّرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ،
أنت المقدّم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك . اللهم اجعل هذا البلد
آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء، اللهم آمنا في
أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا وأعوانه لما فيه صلاح
العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين. اللهم فرّج هم
المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين وفك أسر
المأسورين واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين. وارحم موتانا وموتى المسلمين يا
أرحم الراحمين، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، ربنا
اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا
ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|