وجوب النصيحة وفوائدها
إن
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ،
صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً أما
بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى حقّ التقوى واعلموا أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«الدين النصيحة» - ثلاثًا - قالوا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه
ورسوله، وأئمة المسلمين وعامتهم» أخرجه مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
أخبر صلى
الله عليه وسلم خبرًا متضمنًا للحث على النصيحة والترغيب فيها: أن الدين كله منحصر
في النصيحة.
يعني: ومن
قام بالنصيحة، فقد قام بالدين وفسره تفسيرًا يزيل الإشكال، ويعم جَميع الأحوال؛
وأن موضوع النصيحة خَمسة أمور، باستكمالها يكمل العبد.
أما
النصيحة لله: فهي القيام بِحقه وعبوديته التامة.
وعبوديته
تعم ما يَجب اعتقاده من أصول الإيْمَان كلها، وأعمال القلوب والجَوارح، وأقوال
اللسان من الفروض والنوافل، وفعل المقدور منها، ونية القيام بِما يعجز عنه.
قال تعالى:
﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى
الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور:61]. وذلك: ﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
[التوبة:91].
فاشترك في
نفي الحرج عن هؤلاء أن يكونوا ناصحين لله ورسوله، وذلك بالنيات الصادقة، والقيام
بالمقدور لَهم.
ومن أعظم
النصيحة لله: الذب عن الدين، وتفنيد شبه المبطلين، وشرح مَحاسن الدين الظاهرة
والباطنة؛ فإن شرح مَحاسن الدين، وخصوصا في هذه الأوقات الَّتِي طغت فيها
الماديَّات، وجرفت بزخارفها وبَهرجتها أكثر البشر، وظنوا بعقولِهم الفاسدة أنَّها
هي الغاية، ومنتهى الحسن والكمال، واستكبروا عن آيات الله وبيناته ودينه.
ولم يَخطر
بقلوب أكثرهم أن مَحاسن الدين الإسلامي فاقت بكمالها وجَمالِها وجلالِها كل شيء،
وأن مَحاسن غيرها - إن فرض فيه محاسن - فإنه يتلاشى ويضمحل، إذا قيس بنور الدين
وعظمته وبَهائه، وأنه الطريق الوحيد إلى صلاح البشر وسعادتهم، ومُحالٌ أن تَحصل
السعادة بدونه.
وأما
النصيحة لكتاب الله: فهي الإقبال بالكلية على تلاوته وتدبُّره، وتعلمُّ معانيه
وتعليمها، والتخلُّق بأخلاقه وآدابه، والعمل بأحكامه واجتناب نواهيه، والدعوة إلّى
ذلك
وأما
النصيحة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم: فهي الإيْمان الكامل به، وتعظيمه،
وتوقيره، وتقديْم مَحبته وإتباعه على الخلق كلهم.
وتَحقيق
ذلك وتصديقه: بإتباعه ظاهرًا وباطنًا في العقائد والأخلاق والأعمال، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ﴾ [آل
عمران:31].
والحرص على
تعلم سنته وتعليمها، واستخراج معانيها وفوائدها الجليلة، وهي شقيقة الكتاب. قال
تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء:113].
وجُملة ما
تقدم أن النصيحة لله ورسوله، هي الإيمان بالله ورسوله، وطاعة لله ورسوله، وهذا يعم
كل ما تقدم.
وأما
النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم - من السلطان الأعظم إلَى الأمير، إلَى
القاضي، إلَى جميع من لَهم ولاية صغيرة أو كبيرة -.
فهؤلاء لما
كانت مهماتهم وواجباتُهم أعظم من غيرهم؛ وجب لَهم من النصيحة بِحسب مراتبهم
ومقاماتِهم، وذلك باعتقاد إمامتهم، والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف،
وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم، ولزوم أمرهم الذي لا يُخالف أمر الله
ورسوله، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مِمَّا يحتاجون
إليه فِي رعايتهم، كل أحد بِحسب حاله، والدعاء لَهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم
صلاح لرعيتهم، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرًّا وضررًّ
وفسادًا كبيرًا.
فمن
نصيحتهم: الحذر والتحذير من ذلك، وعلى من رأى منهم ما لا يَحل، أن ينبههم سرًّا لا
علنًا، بلطف، وعبارة تليق بالمقام، ويحصل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل
أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة
الصدق والإخلاص.
واحذر -
أيها الناصح لَهم على هذا الوجه الْمَحمود- أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس،
فتقول لَهم: إنِّي نصحتهم وقلت وقلت، فإن هذا عنوان الرياء، وعلامة ضعف الإخلاص،
وفيه أضرار أُخر معروفة.
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور
الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ،
وأَشْهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهَ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحمَّداً
عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وسلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا. أما بعد
:
عباد الله:
وأما النصيحة لعامة المسلمين: فقد وضحها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا يؤمن
أحدكم حَتَّى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه» متفق عليه. وذلك بِمحبة الخير لهم، والسعي
فِي إيصاله إليهم بِحسب الإمكان، وكراهة الشر والمكروه لَهم، والسعي في إيصاله
إليهم بِحسب الإمكان، وكراهة الشر والمكروه لَهم، والسعي فِي دفع ذلك ودفع أسبابه،
وتعليم جاهلهم، ووعظ غافلهم، ونصحهم في أمور دينهم ودنياهم، وكل ما تُحب أن يفعلوه
معك من الإحسان، فافعله معهم ومعاونتهم على البر والتقوى، ومساعدتُهم على كل ما
يحتاجونه.
فمن كان في
حاجة أخيه، كان الله في حاجته. والله فِي عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
المسلم. وهذه الأمور كلها بِحسب القدرة قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16].
فمن قام
بالنصيحة على هذا الوجه؛ فقد قام بالدين، ومن أخلَّ بشيء مِمَّا تقدم؛ فقد ضيع من
دينه بقدر ما ترك.
فأين
النصيحة مِمَّن تَهاون بِحقوق ربه فضيعها، وعلى مَحارمه فتجرأ عليها؟
وأين
النصيحة مِمَّن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ومِمَّن يتبعون عورات
المسلمين وعثراتهم؟
وأين
النصيحة مِمَّن يسعى في تفريق المسلمين، وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم؟
وأين
النصيحة مِمن يتعلقون عند اللقاء بالمدح والثناء، ويقولون خلاف ذلك في الغيبة عند
الأعداء وعند الأصدقاء؟
فهؤلاء
كلهم عن النصيحة بِمعزل ,أولئك هم الخاسرون.
طُوبى
للناصحين!
حقيقة ما
أعظم توفيقهم، وما أهدى طريقهم!
لا تَجد
الناصح إلا مشتغلا بفرض يؤديه، وفِي جهاد نفسه عن مَحارم ربه ونواهيه، وفي دعوة
غيره إلَى سبيل ربه بالحكمة والمَوعظة الحسنة، وفِي التخلق بالأخلاق الجميلة،
والآداب المستحسنة!
إن رأى من
أخيه خيرًا أذاعه ونشره، وإن اطلع منه على عيب كتمه وستره! إن عاملته وجدته ناصحًا
صدوقًا، وإن صاحبته رأيته قائمًا بحقوق الصحبة على التمام، مأمونًا فِي السر
والعلانية، مباركًا على الجليس كحامل المسك، إما أن يُحذيك، أو تجد منه رائحة
طيبة.
إذا وجدت
الناصح فاغتنم صحبته، وإذا تشابَهت عليك المسالك فاستعن بِمشاورته، جاهد نفسك على
التخلق بِخلق النصح، تَجد حلاوة الإيْمان، وتكن من أولياء الرَّحْمَن، أهل البر
والإحسان، لو اطلعت على ضمير الناصح، لوجدته مُمتلئًا نورًا وأمنًا، ورحْمة وشفقة،
ولو شاهدت أفكاره، لرأيتها تدور حول مصالِح المسلمين، مُجملة ومفصلة، ولو تأملت
أعماله وأقواله، لرأيتها كلها صريْحة متفقة.
أولئك
السادة الأخيار، وأولئك الصفوة الأبرار.
لقد نالوا
الخَير الكثير، بالنيات الصالِحَة والعمل اليسير!
=
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب
علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم احفظنا بالإسلام
قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء و لا
حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك
.
اللهم
أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك
كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك القصد في الفقر والغـنى، ونسألك نعيمًا لا ينفد
ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضى بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت،
ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فـتنة
مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعـلنا هداة مهتدين يا أرحم الراحمين .
اللهم
اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك ،
ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا
ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر
همِّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.
اللهم
إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|