الْمُحفزات في التبكير إلى
الصلوات
إِنَّ
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ تَسِلِيمَاً كًثِيراً (( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل
بدعة ضلالة .
عباد الله: شأن
الصلاة شأن عظيم وتركها جرم عظيم وعقاب دآئم أليم , وهذه الصلاة عباد الله يُشرع
لها عبادات قبلها وعبادات أثناء أداءها وعبادات بعد الانتهاء منها، ومعنا في هذه
الخطبة المباركة عبادة من العبادات تنوع فيها الفضائل والخيرات من رب الأرض
والسموات ألا وهي التبكير للصلوات وما جاء فيها من ترغيب وعلو المنزلات فيحسن
بالمسلم أن يجتهد في تحقيق ما في هذه الأحاديث حتى ينال الفضل والعطاء من الرب
الكريم جل في علاه فإن العلماء الناصحون ذكروا فضائل كثيرة للتبكير فمنها:
1- أن منتظر
الصلاة لا يزال في صلاة ما انتظرها، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يزال أحدكم في
صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)) متفق عليه .
2- أن الذي
ينتظر الصلاة تصلي عليه الملائكة وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه ما لم
يحدث أو يؤذ فيه، قال عليه الصلاة والسلام: ((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في
مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له اللهم ارحمه)) متفق عليه، وفي رواية: ((ما لم يؤذ
فيه)) رواه البخاري.
3- أن انتظار
الصلاة بعد الصلاة سبب في محو الخطايا ورفع الدرجات، وهو من الرباط، قال عليه
الصلاة والسلام: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟))
قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى
المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) رواه مسلم.
4- أن في
التبكير إلى المسجد ضمانًا لإدراك صلاة الجماعة التي تفضل على صلاة المنفرد بسبع
وعشرين درجة، كما في حديث ابن عمر المتفق عليه.
5- أن المبكّر
إلى المسجد يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من صلى
أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان: براءة من النار
وبراءة من النفاق)) رواه الترمذي وصححه الألباني.
6- أن بالتبكير
يدرك الصفّ الأول الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام : ((لو يعلم الناس ما في
النداء- أي الأذان- والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) متفق
عليه، وقوله: ((يستهموا)) أي: يضربوا قرعة. وقال عليه الصلاة والسلام: ((خير صفوف
الرجال أوّلها وشرّها آخرها)) رواه مسلم، وقال أيضًا: ((إن الله وملائكته يصلون
على الصف المقدّم)) رواه النسائي وصححه الألباني.
7- وكذا إدراك
ميمنة الصف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله وملائكته يصلون على ميامن
الصفوف)) رواه أبو داود وحسنه ابن حجر والبيهقي.
8- وإدراك
التأمين وراء الإمام في الصلاة الجهرية، وفي ذلك فضل عظيم، قال: ((إذا قال الإمام:
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، فإنه من وافق
قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه.
9- أن المبكر
إلى المسجد يتمكن من الإتيان بالنوافل المشروعة بين الأذان والإقامة من السنن
الراتبة -القبلية- والنوافل المطلقة، وهو ما دلّ عليه حديث: ((بين كل أذانين صلاة،
لمن شاء)) متفق عليه. والمراد بالأذانين :الأذان وإقامة،
10- أن
المبادرة إلى الصلاة دليل على تعلق القلب بالمسجد، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، فذكر منهم: ((ورجل معلّق قلبه
بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه)) متفق عليه.
11- أن
المبكِّر يحظى باغتنام وقت من أوقات الاستجابة كما في الحديث (( الدعاء لا
يرد بين الأذان والإقامة)) رواه الترمذي
وغيره وصححه ابن قيم والألباني.
12- أن من يأتي مبكرًا غالبًا يأتي إلى الصلاة
بسكينة ووقار، فيكون ممتثلاً أمر النبيِّ، بخلاف المتأخر فإنه غالبًا يأتي
مستعجلاً غير متّصف بالسكينة والوقار، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا أتيتم
الصلاة فعليكم بالسكينة، ولا تأتوها وأنتم تسعون)) متفق عليه.
اللهم
أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ونسأله تعالى أن يصلح أبناءنا وبناتنا وأن يوفقنا لكل خير إنه سميع
الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله، اللهم
صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد
، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ
مجيد . أما بعد:
فاتقوا الله وأطيعوه، واعلموا أن السلف -رحمهم الله تعالى- كانوا
يحرصون على إدراك تكبيرة الإحرام وعلى الحضور المبكر إلى الصلاة، روي عن سعيد بن
المسيب رحمه أنه قال لابنته قبل وفاته وهي تبكي عنده: "يا بنيّه، لا تبكي
عليّ؛ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام أربعين عاما".فكيف الحال بمن تفوته
تكبيرة الإحرام في اليوم الواحد مرات؟!!.
وقد روي عن محمد بن واسع
رحمه الله أنه قال: "من رأيتَه يتساهل في تكبيرة الإحرام فاغسِل يديك
منه".
فانظروا إلى شدة حرصهم
على إدراك تكبيرة الإحرام، وما ذلك إلاّ لعلمهم بالأجر الذي قد أعدّه الله لمن
أدرك هذه التكبيرة فأيقظوا قلوبكم واستعدوا في الصلاة للقاء ربكم.
اللهم أعنا
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل
دعاء، ربنا وأصلح أعمالنا وأحوالنا وقلوبنا وذرياتنا، اللهم إنك عفُوٌّ تحب العفو
فاعفو عنّا، اللهم أعتقنا ووالدينا والمسلمين من النار يا أرحم الراحمين.
اللهم
إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. اللهم إنا
نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم أقل
عثرات المسلمين وردهم إليك رداً جميلاً، اللهم اجمع كلمتهم على الحق والهدى وألّف
بين قلوبهم ووحد صفوفهم وارزقهم العمل بكتابك وسنة نبيك، وانتصر لعبادك المستضعفين
في كل مكان، اللهم واحقن دمائهم وصن أعراضهم وتولّ أمرهم وسدد رميهم وعجّل بنصرهم
وفرّج كربهم وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم عليك بأعداء الدين من الكفرة
المجرمين والطغاة الملحدين الذين قتلوا العباد وسعوا في الأرض بالتخريب والتقتيل
وأنواع الفساد اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم
وأحبط سعيهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم
المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات
أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. اللهم نسألك رحمة تهد بها قلوبنا، وتجمع بها
شملنا وتلُمّ بها شعثنا وترُدّ بها الفتن عنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ الوليد بن سالم الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |