الْحَيُّ الْقَيُّومُ
الحمدُ لله الحيِّ القيومِ، الباقِي وغيْرُه لا يدوم، وأشهدُ أن لا إِله إِلاَّ الله وحده لا شريكَ له شهادةَ مَنْ للَنجاةِ يَرُوم، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، الَّذِي فَتحَ الله بدينِه الْفُرْسَ والرُّوم، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه ومن تبعهم بإحسانٍ وسلّم تسليما كثيراً ما هطَلَتْ الغُيوم، أما بعد:
معاشر المسلمين: من أسماء الله الحسنى: الْحَيُّ الْقَيُّومُ وهما اسمان وردا في القرآن مقترنين في ثلاثة مواضع:
أولها في آية الكرسي:{ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.
والثاني في أول سورة آل عمران:{ الم * اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.
والثالث في سورة طه: { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ }.
واسمه تبارك وتعالى الحي فيه إثبات الحياة صفةً لله -عزَّ وجل-، وهي حياة كاملة ليست مسبوقة بعدم، ولا يلحقها زوال وفناء، ولا يعتريها نقص وعيب - جلَّ ربنا وتقدَّس عن ذلك-.
حياةٌ تستلزم كمال صفاته سبحانه من علمه، وسمعه، وبصره، وقدرته، وإرادته، ورحمته، وفعله ما يشاء، إلى غير ذلك من صفات كماله، ومن هذا شأنه هو الذي يستحق أن يُعبد ويُركع له ويُسجد، كما قال الله- تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}
أما الحي الذي يموت، أو الميت الذي هو ليس بحي، أو الجماد الذي ليس له حياة أصلًا؛ فكل هؤلاء لا يستحقون من العبادة شيئًا، والذي يستحق لها هو الله الحي الذي لا يموت، قال الله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ( اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلِّني، فأنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) رواه البخاري ومسلم.
واسمه تبارك وتعالى القيوم فيه إثبات القيومية صفةً لله، وهي كونه سبحانه قائمٌ بنفسه، مقيمٌ لخلقه، فهو اسم دالٌ على أمرين:
الأول: كمال غنى الرب سبحانه، فهو قائم بنفسه، الغني عن خلقه، كما قال عزَّ وجل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: ( إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضُرِّي فتضروني) وغناه - جلَّ وعلا - عن خلقه غنىً ذاتي، لا يحتاج إليهم في شيء، غني عنهم من كل وجه.
الثاني: كمال قدرته وتدبيره لهذه المخلوقات، فهو المقيم لها بقدرته سبحانه، وجميع المخلوقات فقيرة إليه لا غنى لها عنه طرفة عين، فالعرش، والكرسي، والسموات، والأرض، والجبال، والأشجار، والناس، والحيوان كلها فقيرة إلى الله -عزَّ وجل-، قال الله تعالى: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ}
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
وقال تعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ }، والآيات في هذا المعنى كثيرة، فهو سبحانه وتعالى المتصرِّف في جميع المخلوقات، المدبِّر لكل الكائنات.
وبما تقدَّم يُعْلَم أن هذين الاسمين: الحي القيوم، هما الجامعان لمعاني الأسماء الحسنى، إذ جميع صفات الباري -سبحانه- راجعة إلى هذين الاسمين، فعليهما مدار الأسماء الحسنى، وإليهما ترجع معانيها جميعها، فالحي الجامع لصفات الذات، والقيوم الجامع لصفات الأفعال.
فالصفات الذاتية، كالسمع، والبصر، واليد، والعين، ونحوها راجعة إلى اسمه الحيّ، وصفات الله الفعلية، كالخلق، والرَّزق، والإنعام، والإحياء، والإماتة، ونحوها راجعة إلى اسمه القيوم؛ لأن من دلالاته أنه المقيم لخلقه خلقًا، ورَزقًا، وإحياء، وإماتة، وتدبيرًا، فرجعت الأسماء الحسنى كلها إلى هذين الاسمين.
ولذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنهما اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، وقد ورد هذان الاسمان في أكثر الأحاديث التي فيها إشارة إلى اسم الله الأعظم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:-
الحمد لله على إحسانه؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: آية الكرسي، وفاتحة آل عمران؛ لاشتمالهما على صفة الحياة المصححة لجميع الصفات، وصفة القيومية المتضمنة لجميع الأفعال.
وقد تحدَّث ابن القيم -رحمه الله- عن عظيم أثر الدعاء بهذيْن الاسمين، ولا سيّما في دفع ما ينتاب الإنسان من كرب أو هم أو شدة، فقال -رحمه الله- في تأثير قوله تعالى: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث: "في دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى هو اسم: الحي القيوم، والمقصود أن لاسم الحي القيوم تأثيرًا خاصًا في إجابة الدعوات وكشف الكربات، وفي السنن مرفوعًا: ( اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: { وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } ، وفاتحة آل عمران:{الم * اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} )، قال الترمذي:"حديث صحيح".
وفي السنن أيضًا من حديث أنس، أن رجلًا دعا فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنَّان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سئل به أعطى ).
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدعاء قال: (يا حي يا قيوم)" انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وكل ذلك يدل أعظم دلالة على عظم شأن هذين الاسمين وجلالة قدرهما وما يقتضيانه من الذلِّ والخضوع لله -عزَّ وجل-، والله –تعالى: { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}، طه:111 .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين وأهلك الزنادقة والكافرين، اللهم مَنْ أرادنا وأراد أمننا وإيماننا وعلماءنا وشبابنا ونساءنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين، واجعل اللهم ولايتنا فيمَنْ خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك رداً جميلاً، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب الدعوات، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، اللهم اسقنا وأغثنا اللهم إنّا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلك، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك وانشر رحمتك، اللهم إنّا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً، نستغفرك اللهم ونتوب إليك ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين .
|