من أسماء الله الولي والمولى
إن
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ،
صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً أما
بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى واعلموا أن الولِيّ والمَولَى
اسمان تكرَّر ورودهما في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الشورى: 9]، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ
الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ
الْحَمِيدُ) [الشورى: 28]، وقال تعالى: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى
بِاللَّهِ نَصِيرًا) [النساء: 45]، وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ
مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 78]، وقال تعالى:
(بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150]، وقال
تعالى: (وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [التحريم: 2]. ومعنى
الولي من أسماء الله: النصير والمعين والظهير لأوليائه على أعدائه, والولي أيضاً
المتولي للأمر القائم به وهو مالك التدبير جل في علاه.
أيها الناس
: اعلموا وفقكم الله أن ولاية الله تعالى وتولّيه لعباده نوعان:
ولاية
عامة: وهي تصريفه سبحانه وتدبيره لجميع الكائنات، وتقديره على العباد ما يريد من
خير وشر، ونفع وضر، وإثباتُ معاني الملك كله لله تعالى، وأن العباد كلهم طوع
تدبيره لا خروج لأحد منهم عن نفوذ مشيئته وشمول قدرته، وهذا أمر يشمل المؤمن
والكافر، والبر والفاجر، يدل لهذا قول الله تعالى: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ
مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)
[الأنعام: 62]، وقوله تعالى: (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ
وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ) [يونس: 30].
ومعنى كونه
سبحانه مولى الكافرين أي: أنه مالكهم، المتصرف فيهم بما شاء.
النوع
الثاني: الولاية الخاصة والتولي الخاص؛ وهذا أكثر ما يرد في القرآن الكريم وفي
السنة النبوية، وهي ولاية عظيمة وتولٍّ كريم، اختصّ الله به عباده المؤمنين، وحزبه
المطيعين، وأولياءه المتقين.
وهذا
التولِّي الخاص يقتضي عنايته ولطفه بعباده المؤمنين، وتوفيقهم بالتربية على
الإيمان والبعد عن سبل الضلال والخسران، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ
آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ
أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 257].
وتقتضي
غفران ذنوبهم ورحمتهم، قال تعالى: (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) [الأعراف: 155].وتقتضي التأييد
والنصر على الأعداء، قال تعالى: (أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ) [البقرة: 286]، وقال تعالى: (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ
خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150]، ولما قال أبو سفيان يوم غزوة أحد: لنا
العزّى ولا عزّى لكم، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للصحابة:
"أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: "الله مولانا ولا مولى
لكم". رواه البخاريُّ في "صحيحه". وهذا يفيد أيضا أنه بحسب متابعة
النبي صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة.
وتقتضي
كذلك منَّهُ عليهم يوم القيامة بدخول الجنان والنجاة من النيران، قال تعالى:
(لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 127].وقد بيَّن الله سبحانه في القرآن الكريم الأسباب التي
نال بها هؤلاء ولاية الله لهم، وتولّيه إياهم بتوفيقه وتسديده وعونه وتأييده، قال
تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62- 64]، فلا تنال ولاية الله إلا
بالإيمان الصادق وتقوى الله في السر والعلانية، والاجتهاد في التقرب إليه بفرائض
الإسلام ورغائب الدين.
روى
البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب وما تقرب
إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه".
وأفضل
أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون، وأفضل المرسلين هم أولو
العزم، وأفضل أولي العزم نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتمُ النبيين، وإمامُ
المرسلين، وسيدُ ولد آدم أجمعين، وقد جعله الله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه،
فلا يكون ولياً لله إلا مَنْ آمن به وبما جاء به، واتبعه ظاهراً وباطناً، ومن
ادّعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من
أعداء الله وأولياء الشيطان، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران: 31]، فبيَّن فيها أنَّ من اتبع
الرسول صلى الله عليه وسلم فإنَّ الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول
صلى الله عليه وسلم فليس من أولياء الله.
وكثيرٌ في
الناس مَنْ يظنُّ في نفسه أو في غيره أنه من أولياء الله، وهو في حقيقة الأمر ليس
من أوليائه، فاليهود والنصارى يدّعون أنهم أولياء الله وأحباؤه، وأنه لن يدخل
الجنة إلا من كان منهم، ومشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم
البيت (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا
أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) [الأنفال: 34].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني
وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ،
وأَشْهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهَ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحمَّداً
عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وسلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا. أما بعد
:
عباد الله:
ومن الآثار المترتبة على معرفة اسم الله الولي والمولى :
أولاً: أن
الله جل جلاله ولي الذين آمنوا أي نصيرهم ومعينهم .
ثانياً: الله
ولي المؤمنين بإنعامه عليهم وإحسانه إليهم وتوليه سائر مصالحهم فهو ولي نعمتهم.
ثالثاً: أن
الله هو المحب لأوليائه من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
رابعاً: يصح
إطلاق هذين الاسمين على العباد نطق به القرآن (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء
بعض)
خامساً: أولياء
الله هم محبوه وناصرو دينه ومن صفة الولي من عباد الله : أنه يحب الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم ويُبغض مَنْ يُبغضه الله ورسوله.
سادساً: لا
تنال الوَلاية إلا بالإيمان الصادق والعلم الراسخ والعمل الصالح المتواصل الثابت.
وجماع أسباب الوصول إليها قوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا
تتبع أهواء الذين لا يعلمون) .
جعلنا
الله وإياكم من عباده المفلحين وأوليائه المتقين .
اللهم
أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت بها علينا، اللهم أوزعنا أن نشكر نعمك التي أنعمت
بها علينا. اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن
عبادتك، يا ذا الجلال والإكرام.
=
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب
علينا ، و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم احفظنا بالإسلام
قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء و لا
حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك
.
=
اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد صفوفهم وارزقهم
العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
=
اللهم انتصر لعبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم احقن دمائهم وصن أعراضهم وتولّ
أمرهم وسدد رميهم وعجّل بنصرهم وفرّج كربهم وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم
عليك بأعداء الدين من الكفرة المجرمين والطغاة الملحدين الذين قتلوا العباد وسعوا
في الأرض بالتخريب والتقتيل وأنواع الفساد اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب
العالمين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك
الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا
وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا : http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|