عَرْضُ الأُمَمِ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم
وبيانُ جُهُودِ الدَّولَةِ في تَوفير لقاحِ كُرونا
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا اللهَ تعالى، واعلمُوا أنَّ
الإسْراءَ والمِعْراجَ، مِنَ الآياتِ العُظْمَى التي أَكْرمَ اللهُ بِها
نَبَّيَّهُ مُحمداً صلى اللهُ عليه وسلم، حَيْثُ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ الطاهِرِ،
ورُوحِهِ يَقَظَةً لا مَناماً، في لَيلَةٍ واحدةٍ، مِنْ المَسْجِدِ الحرامِ إلى
المَسْجِدِ الأقْصى، فَأَمَّ الأنبياءَ، وعُرِجَ بهِ إلى السماء، فَرَأَى مِنْ
آياتِ رَبِّهِ الكْبرَى.
وَمِمَّا رآهُ في تِلْكَ الليلة، ما
وَرَدَ في قَولِه: ( عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَم، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ وَمَعَهُ
الرَّهْطُ، والنبيَّ ومعهُ الرَّجُلُ والرَّجُلان، والنبيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أحد،
إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هذا
موسى وقَوْمُه، فَنَظَرْتُ فإذا سَوادٌ عظيم، فَقِيلَ لِي: هذِهِ أُمَّتُكَ
وَمَعَهُمْ سَبعونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الجنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ وَلا عذاب )
ثُمَّ قال: ( هُمُ الذين لا يَسْتَرْقُونَ ولا يَكْتَوُونَ ولا يَتَطَيَّرون وعلى
رَبِّهِم يَتَوكلون ).
فَيَا لَهُ مِنْ خَبَرٍ عَظِيم، فِيهِ مِنَ
المَواعِظِ والعِبِرِ الشَّيءُ الكثير، مِنْ أَهمِّها: عَلَمٌ مِنْ أعلامِ
نُبُوَّةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وذلكَ بِعَرْضِ الأُمَمِ عَلَيه في ليلةٍ
واحدة.
ومِنْها: أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ تُحْشَرُ مَعَ
نَبِيِّها.
ومِنها: فَضِيلَةُ موسى عليه السلامُ
وقَوْمِه، لِتَخْصِيصِهِم بِالذِّكْر، وَلِكَثْرَتِهِم مِنْ بَيْنِ أَتْباعِ
الرُّسُل.
ومنها: أَنَّ العِبْرَةَ في مَعْرِفَةِ الحقِّ
لَيْسَتْ بِكَثرة الأَتْباعِ، فَإنَّ مِنَ الأنبياءِ مَنْ يُحْشَرُ وَحْدَهُ, لَمْ
يَتْبَعْهُ أَحَد!!! خِلافاً لِمَن يَزْعُمُ أَنَّ الحَقَّ مَحْصُورٌ فِي كَثْرَةِ
الأَتْباع، كَما هُوَ حالُ كَثيرٍ مِنَ الناسِ، وحالُ كثيرٍ مِمَّن يَحْكُمونَ
عَلَى صِحَّةِ الشَّيْءِ وَصِحَّةِ الفِكْر أَوِ المَذْهَبِ بِكَثْرَةِ أَتْباعِهِ
وَكَثْرَةِ المُنْتَسبِينَ إِليه. خُصُوصاً مَنْ يُقَدِّسونَ الدِّيمُقراطيةَ
التي لَمْ يَجْنِ المسلمونَ مِنْها إلا الفَوْضَى والنَّكَدَ واضْطِرابَ الأَحوال.
وذلكَ حِينَما يُجْعَلُ مَرَدُّ الأُمُورِ إِلى الشُّعُوبِ، مِنْ خِلالِ تَقْدِيسِ
أَصْواتِهِم، والتي تُعْتَبَرُ لُبَّ العَمَلِيَّةِ الدِّيمُقراطية، لِأنَّ
الشَّعْبَ عِنْدَهُم هُوَ مَصْدَرُ السُّلْطَة، فَلا مَرْجِعَ لِلشرِيعَة، وَلَيسَ
عِنْدَهم حاكِمٌ وَمُحْكُومٌ بِالمَعنَى الشرعِيِّ الصحيح، وَلَيسَ هُناكَ
بَيْعَةٌ شَرْعيَّةٌ وَسَمْعٌ وَطاعةٌ بِالمَعْروف. لِأن الشَّعبَ عِندَهُم هُو
الإلهُ الذي يَأمُرُ وَيَنْهَى ويَخْتارُ ويُقَرِّرُ ويُعَدِّلُ وَيُبَدِّلُ. ثم
كيف يجعلون الشعبَ صاحبَ الاختيار ومصدرَ السلطةِ وقد قال الله تعالى: ( وَإِن
تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ). وكيف يجعلونَ
الشعبَ مصدرَ السلطةِ، وقد نهى اللهُ المسلمين أنْ يَرُدُّوا أُمورَ الأمنِ
والخوفِ والسياسةِ إلى الناسِ وإلى الرأيِ العام فقال: ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ
مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ
وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ). وكيف يجعلون الشعبَ مصدرَ السلطةِ وهم
يعلمونَ أن مطالبَ الناسِ يَسْتَحيلُ أَنْ تَنْتَهِي. وأن رضا الناسِ غايةٌ
يَسْتَحيلُ أَنْ تُدْرَك؟ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو كانَ
لابنِ آدمَ واديانِ مِنْ مالٍ، لابتَغَى ثالثا، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدمَ إلا
التراب ).
وفي هذا الحَديثِ مِنَ الفَوائِدِ والعِبَر:
تَسْلِيَةٌ لِلدَّاعِيةِ إلى اللهِ عَلى المَنْهجِ الصحيحِ الذي عَلَيهِ مُحمدٌ
صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كَي لا يَسْتَوحِشَ الطريقَ، حِينَما يَرَى صُدُودَ
الناسِ وتَفَرُّقَهُم، وقِلَّةَ الأَتْباع، وذلكَ عِنْدَما يَتَذَكَّرُ أَن مِنَ
الأنبياءِ مَنْ يأتي يَومَ القيامةِ وليس مَعَه أَحَد.
وفي الحديثِ من الفوائد: فَضيلَةُ هذِه
الأُمَّةِ، فَهِيَ أَفْضَلُ الأُمَم، كما أن نَبيَّها أفضلُ الرُّسُل، وَهًم أكثرُ
أهلِ الجنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأرجو أن تَكُونوا
شَطْرَ أهلِ الجنة ).
ومِمَّا يَدُلُّ على فَضْلِ هذه الأُمَّة:
ذِكْرُ السَّبعينَ ألفاً، الذين يَدْخلونَ الجنة بغير حِساب ولا عذاب. بَل هُناك
زِيادَةٌ في حَدِيثٍ آخَرَ، وَلَفْظُها: (مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبعونَ ألفاً وثَلاثُ
حَثَياتٍ مِنْ حَثَياتِ رَبِّي).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: وَمِن فوائدِ هذا الحديثِ: عِظَمُ
شأنِ التوّكُّل، وأَنَّه إذا كَمُلَ صارَ سَبَباً لِدُخُولِ الجنةِ بِغَيرِ حِسابٍ
ولا عَذاب. لِأنّ سَبَبَ تَرْكِ الأشياءِ المَذْكورَةِ في الحديث، هو التوكلُ على
الله. وهي – طَلَبُ الرُّقْيَةِ، والكَيِّ، والتَطَيُّر -.
فأَمَّا
التَّطَيُّرُ، وهو التشاؤُمُ، فَمُحَرَّمٌ وهُو مِنَ الشِّرْك. وَأمَّا طَلَبُ
الرُّقْيَةِ مِنَ الغَيْرِ فَجائِزٌ إذا كانت خالِيَةً مِنَ الشرك، وَلكِن
الأَكْمَلَ تَرْكُها، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذلك: رُقْيَةُ الإنسانِ نَفْسَه، أو
كذلكَ إذا رَقاهُ شَخْصٌ آخرُ بَغَيْرِ طَلَبٍ مِنْه. وهكذا الكَيُّ فإنه جائِزٌ،
لكن الأَفْضَلَ تَرْكُهُ لِمَن أرادَ الفَوْزَ بالفَضيلَةِ المَذْكورَةِ. وسَبَبُ
تَخْصيصِ الرُّقْيَةِ والكَيِّ دُونَ سائِرِ الأَدْوِيَةِ والعَقاقِيرِ الُمباحَة،
هو أَنَّهُ يَقَعُ فِي قَلْبِ المُتَداوِي بِهِما شَيءٌ مِنِ الضَّعْفِ والاعتمادِ
عَلَيهِما. وَأمَّا التَّداوِي عِنْدَ الأَطباءِ وعَنْ طريقِ العقاقيرِ
والأَدْوِيَةِ المُباحةِ فَجائِزٌ ولا عَلاقَةَ لَهُ بالحَديث، إذا كان
المُتَداوِي مُتَوَكِّلاً على الله.
ومِمَّا لا يُنافي التوكُّلَ أيضًا: أَخْذُ الِّلقاحِ ضِدَّ المَرَضِ، مِن بابِ الوِقايَةِ.
ولا يزالُ العالَمُ اليومَ يَعِيشُ مَعَ الوباءِ العالَمِيِّ المُنْتَشِرِ كُرُونا،
وقَدْ قامَتْ الدَّوْلَةُ حِفِظَها اللهُ ورَعاها وحَماها، بِتَوفيرِ لِقاحٍ لِهذا
المَرَضِ، مِن بابِ أَخْذِ الأسبابِ في حِمايَةِ وسلامَةِ المُجْتَمَع، وكانَ
ذلك مُتَمَثِّلاً في أَمْرين: الأولُ: سلامَةُ
الِّلقاحِ ومأْمُونِيَّتُه وهذا هو الأهَمُّ. والثاني: تَوْفِيرُه لِلمُجْتَمَعِ بالمَجَّانِ. فأخْذُ هذا
الِّلقاحِ مِنْ بابِ أخْذِ الأسبابِ، ولا يُنافي التَوَكُّلَ، إذا كان العَبْدُ
مُعْتَمِدًا عَلى اللهِ.
اللهم
علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
خلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين، واجعلنا في
الآخرة من الصالحين، اللهم إنا نعوذ بك من الجنون والبرص والجذام وسيء الأسقام، اللهم
إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا
نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم ارفع عنا
الوباء والبلاء يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها أقوى
مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح أهلها
وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا
عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|