السحر والتحذير من بعض ما يعرض في القنوات الفضائية
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.{ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }. أما بعد:-
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله:
إن من الأقوال والأفعال التي تناقض التوحيد وتخرج العبد عن دائرة الإسلام: ادِّعاءَ علم الغيب عن طريق قراءة الكف والفنجان أو عن طريق السحر والكهانة والعِرافة.
والمراد بالغيب : ما غاب عن الناس من الأمور المستقبلة والماضية وما لا يرونه، وقد اختص الله تعالى بعلمه، فقال تعالى: ( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ).
وقال الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ), فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وحده.
فمن ادّعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل؛ سواء ادّعى ذلك بواسطة قراءة الكف أو الفنجان، أو الكهانة أو السحر أو التنجيم، أو غير ذلك، وهذا الذي يحصل من بعض المشعوذين والدجالين؛ من الإخبار عن مكان الأشياء المفقودة والأشياء الغائبة، وعن أسباب بعض الأمراض ، أو ما يحصل بين الزوجين من خلافات, إنما هذا لاستخدام الجن والشياطين، ويظهرون للناس أن هذا يحصل لهم؛ عن طريق عمل هذه الأشياء من باب الخداع والتلبيس والكذب.
وقد يكون إخبارهم عن ذلك عن طريق التنجيم، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، كأوقات هُبوب الرياح ومجيء المطر، وتغير الأسعار، وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها، واجتماعها وافتراقها. ويقولون: من تزوج بنجم كذا وكذا، حصل له كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا، ومن وُلد بنجم كذا وكذا حصل له كذا؛ من السعود أو النحوس، كما يعلن في بعض المجلات الساقطة من الخزعبلات حول البروج؛ وما يجري فيها من الحظوظ. وقد يذهب بعضُ الجهال وضِعاف الإيمان إلى هؤلاء المنجمين، فيسألهم عن مستقبل حياته، وما يجري عليه فيه، وعن زواجه وغير ذلك. ومن ادَّعى علم الغيب أو صدَّق من يدَّعيه، فهو مشركٌ كافر؛ لأنه يدَّعي مشاركة الله فيما هو من خصائصه، والنجوم مسخَّرة مخلوقة، ليس لها من الأمر شيء، ولا تدل على نحوس، ولا سعود، ولا موت، ولا حياة، وإنما هذا كله من أعمال الشياطين الذين يسترقون السمع.
** وأخطر هذه الأعمال :
السحر الذي فشا وانتشر في المجتمعات الإسلامية.
والسحرُ عبارةٌ عما خفي ولَطُفَ سببُهُ, سُمِّي سِحْرُا؛ لأنه يحصل بأمور خفية، لا تدرك بالأبصار، وهو: عزائم ورقى، وكلام يتكلم به، وأدوية وتدخينات، وله حقيقة. ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيُمرض ويقتُل ويفرق بين المرء وزوجه، وتأثيره بإذن الله الكوني القَدَريّ، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها؛ ولهذا قرنهُ الشارع بالشرك، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبعَ الموبقات ) قالوا: وما هي؟ قال: ( الإشراكُ بالله والسحر..... الحديث ) رواه البخاري ومسلم.
** فهو داخل في الشرك من ناحيتين:
الناحية الأولى: ما فيه من استخدام الشياطين، والتعلق بهم والتقرب إليهم بما يحبونه؛ ليقوموا بخدمة الساحر، فالسِّحرُ من تعليم الشياطين، قال تعالى: ( وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ).
الثانية: ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في ذلك، وهذا كفر وضلال، قال تعالى: ( وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) ، أي: نصيبٌ. وإذا كان كذلك فلا شكَّ أنه كفر وشرك؛ يناقض العقيدة، ويجبُ قتل متعاطيه، كما قتله جماعة من أكابر الصحابة رضي الله عنهم. فاتقوا الله عباد الله واحذروا كل قول أو فعل يضر عقيدتكم وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
عباد الله:
لقد كَثُر التساهلُ في شأن الساحر والسِّحر، ورُبما عُدَّ ذلك فنًّا من الفنون؛ التي يفتخرون بها، ويمنحون أصحابها الجوائز والتشجيع، ويُقيمون النوادي والحفلات والمسابقات للسحرة، ويحضرها آلاف المتفرجين والمشجعين .
وأخطر من ذلك ما يُعقد من الحلقات في بعض القنوات الفضائية مع السحرة ومدعِي علم الغيب واستقبال الاتصالات من أنحاء العالم , وإن مما يؤسف له كثرة من يتصل على هذه القنوات وقت عرض الحلقات المتعلقة بالسحر والكهانة وسؤال السحرة والكهنة والعرافين وعرض المشاكل عليهم. ولا بد أن يعلم هؤلاء أنهم داخلون في قوله عليه الصلاة والسلام: ( من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين يوما ), وقوله عليه الصلاة والسلام: ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ). فالواجب علينا جميعاً الحذر والتحذير, وعلى من يضع جهاز الدش في بيته أن يتقي الله فيمن يعول وأن يطهر بيته من ذلك, وأن يعلم أنه مسؤول عن رعيته خصوصا ما يتعلق بالعقيدة, وأنه إن أخل بذلك وترك النصح فإنه غاش لرعيته ومستحق للعقوبة.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين .
|