عَرْضُ الأُمَمِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أنَّ الإسْراءَ والمِعْراجَ, مِنَ الآياتِ العُظْمَى التي أَكْرمَ اللهُ بِها نَبِّيَّهُ مُحمداً صلى اللهُ عليه وسلم, حَيْثُ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ الطاهِرِ, ورُوحِهِ يَقَظَةً لا مَناماً, في لَيلَةٍ واحدةٍ, مِنْ المَسْجِدِ الحرامِ إلى المَسْجِدِ الأقْصى, فَأَمَّ الأنبياءَ, وعُرِجَ بهِ إلى السماء, فَرَأَى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الكْبرَى.
وَمِمَّا رآهُ رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّم في تِلْكَ الليلة, قَولُهُ:
( عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَم، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ، والنبيَّ ومعهُ الرَّجُلُ والرَّجُلان، والنبيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أحد، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هذا موسى وقَوْمُه، فَنَظَرْتُ فإذا سَوادٌ عظيم، فَقِيلَ لِي: هذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبعونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الجنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ وَلا عذاب ) ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنزِلَه. فَخَاضَ الناسُ في أولئِك، فقال بَعضُهم: فَلَعلَّهُمُ الذين صَحِبُوا رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وقالَ بَعضُهم: فَلَعلَّهمُ الذين وُلِدُوا في الإسلامِ فَلَمْ يُشْرِكوا بِاللهِ شيئاً. وَذَكَرُوا أشياءَ. فَخَرَجَ عليهِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرُوه، فقال: ( هُمُ الذين لا يَسْتَرْقُونَ ولا يَكْتَوُونَ ولا يَتَطَيَّرون وعلى رَبِّهِم يَتَوكلون ). رواه البُخارِيُّ ومُسلم.
فَيَا لَهُ مِنْ خَبَرٍ عَظِيم, فِيهِ مِنَ المَواعِظِ والعِبِرِ الشَّيءُ الكثير:
مِنْ أَهمِّها: عَلَمٌ مِنْ أعلامِ نُبُوَّةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم, وذلكَ بِعَرْضِ الأُمَمِ عَلَيه في ليلةٍ واحدة.
ومِنْها: أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ تُحْشَرُ مَعَ نَبِيِّها.
ومِنها: فَضِيلَةُ موسى عليه السلامُ وقَوْمُه, لِتَخْصِيصِهِم بِالذِّكْر, وَلِكَثْرَتِهِم مِنْ بَيْنِ أَتْباعِ الرُّسُل.
ومنها: أَنَّ العِبْرَةَ في مَعْرِفَةِ الحقِّ لَيْسَتْ بِكَثرة الأَتْباعِ, فَإنَّ مِنَ الأنبياءِ مَنْ يُحْشَرُ وَحْدَهُ, لَمْ يَتْبَعْهُ أَحَد!!! خِلافاً لِمَن يَزْعُمُ أَنَّ الحَقَّ مُحْصُورٌ فِي كَثْرَةِ الأَتْباع, كَما هُوَ حالُ كَثيرٍ مِنَ الناسِ, وحالُ كثيرٍ مِمَّن يَحْكُمونَ عَلَى صِحَّةِ الشَّيْءِ وَصِحَّةِ الفِكْر أَوِ المَذْهَبِ بِكَثْرَةِ أَتْباعِهِ وَكَثْرَةِ المُنْتَسبِينَ إِليه. خُصُوصاً مَنْ يُقَدِّسونَ الدِّيمُقراطية التي لَمْ يَجْنِ العالَمُ مِنْها إلا الفَوْضَى واضْطِرابَ الأَحوال. وذلكَ حِينَما يُجْعَلُ مُرَدُّ الأُمُورِ إِلى الشُّعُوبِ, مِنْ خِلالِ تَقْدِيسِ أَصْواتِهِم, والتي تُعْتَبَرُ لُبَّ العَمَلِيَّةِ الدِّيمُقراطية, لِأنَّ الشَّعْبَ عِنْدَهُم هُوَ مَصْدَرُ السُّلْطَة, فَلا مَرْجِعَ لِلشرِيعَة, وَلَيسَ عِنْدَهم حاكِمٌ وَمُحْكُومٌ بِالمَعنَى الشرعِيِّ الصحيح, وَلَيسَ هُناكَ بَيْعَةٌ شَرْعيَّةٌ وَسَمْعٌ وَطاعةٌ بِالمَعْروف. لِأن الشَّعبَ عِندَهُم هُو الإلهُ الذي يَأمُرُ وَيَنْهَى ويَخْتارُ ويُقَرِّرُ ويُعَدِّلُ وَيُبَدِّلُ. ثم كيف يجعلون الشعبَ صاحبَ الإختيار ومصدرَ السلطةِ وقد قال الله تعالى: ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ). وكيف يجعلونَ الشعبَ مصدرَ السلطة, وقد قال تعالى: ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ). وكيف يجعلون الشعبَ مصدرَ السلطةِ وهم يعلمونَ أن مطالبَ الناسِ لا تَنْتَهِي. وأن رضا الناسِ غايةٌ لا تدرك؟, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو كانَ لابنِ آدمَ واديانِ مِنْ مالٍ, لابتَغَى ثالثا, ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدمَ إلا التراب, ويتوبُ اللهُ على مًنْ تاب ).
وفي هذا الحَديثِ مِنَ الفَوائِدِ والعِبَر: تَسْلِيَةٌ لِلدَّاعِيةِ إلى اللهِ عَلى المَنْهجِ الصحيحِ الذي عَلَيهِ مُحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه, حِينَما يَرَى صُدُودَ الناسِ وتَفَرُّقَهُم, وقِلَّةَ الأَتْباع, وذلكَ عِنْدَما يَتَذَكَّرُ أَن مِنَ الأنبياءِ مَنْ يأتي يَومَ القيامةِ وليس مَعَه أَحَد.
وفي الحديثِ من الفوائد: فَضيلَةُ هذِه الأُمَّةِ, فَهِيَ أَفْضَلُ الأُمَم, كما أن نَبيَّها أفضلُ الرُّسُل, وَهًم أكثرُ أهلِ الجنة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأرجو أن تَكُونوا شَطْرَ أهلِ الجنة ). وقال أيضا: ( أهلُ الجنةِ عشرونَ ومائةُ صَفّ, ثَمانون مِنها مِن هذه الأمة, وأربعون مِنْ سائرِ الأُمَم ). ومِمَّا يَدُلُّ على فَضْلِ هذه الأُمَّة: ذِكْرُ السَّبعينَ ألفاً, الذين يَدْخلونَ الجنة بغير حِساب ولا عذاب. بَل هُناك زِيادَةٌ في الحديث رواها الترمذي, وَلَفْظُها: ( مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبعونَ ألفاً وثَلاثُ حَثَياتٍ مِنْ حَثَياتِ رَبِّي ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: وَمِن فوائدِ هذا الحديث: عِظَمُ شأنِ التوّكُّل, وأَنَّه إذا كَمُلَ صارَ سَبَباً لِدُخُولِ الجنةِ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عَذاب. لِأنّ سَبَبَ تَرْكِ الأشياءَ المَذْكورَةِ في الحديث, هو التوكلُ على الله. وهي - طَلَبُ الرُّقْيَةِ, والكَيِّ, والتَطَيُّر -. فأَمَّا التَّطَيُّرُ, وهو التشاؤُمُ, فَمُحَرَّمٌ وهُو مِنَ الشِّرْك. وَأمَّا طَلَبُ الرُّقْيَةِ مِنَ الغَيْرِ فَجائِزٌ إذا كانت خالِيَةً مِنَ الشرك, وَلكِن الأَكْمَلُ هو تَرْكُها, وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذلك: رُقْيَةُ الإنسانِ لِنَفْسِه, أو كذلكَ إذا رَقاهُ شَخْصٌ آخرُ بَغَيْرِ طَلَبٍ مِنْه. وهكذا الكَيُّ فإنه جائِز, لكن الأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِمَن أرادَ الفَوْزَ بالفَضيلَةِ المَذْكورَةِ في الحديث. وسَبَبُ تَخْصيصِ الرُّقْيَةِ والكَيِّ دُونَ سائِرِ الأَدْوِيَةِ والعَقاقِيرِ الُمباحَة, هو أَنَّهُ يَقَعُ فِي قَلْبِ المُتَداوِي بِهِما شَيءٌ مِنِ الضَّعْفِ والإعتمادِ عَلَيهِما. وَأمَّا التَّداوِي عِنْدَ الأَطباءِ وعَنْ طريقِ العقاقيرِ والأَدْوِيَةِ المُباحةِ فَجائِزٌ ولا عَلاقَةَ لَهُ بالحَديث, إذا كان المُتَداوِي مُتَوَكِّلاً على الله.
اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا، وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا من أهل التوحيد الخالص، اللهم ارزقنا اتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم أعذهم من شر الفتنة والفرقة والاختلاف يا حي يا قيوم، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في سوريّا، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع الظلم والطغيان عنهم، اللهم اكشف كربتهم، اللهم اجعلهم من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية، اللهم اكسهم وأطعمهم، اللهم ارحم موتاهم واشف مرضاهم، وفك أسراهم وردهم إلى وطنهم رداً جميلاً يا أرحم الراحمين، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم وخالف بين كلمتهم وشتت شملهم وفرق جمعهم ومكّن المؤمنين منهم وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم اجعلنا بلادنا آمنة وسائر بلاد المسلمين، واحفظ علينا ديننا وأمننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نُزُلَهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html |