خطبة عن المرور .. والسرعة ... والحوادث ........ إلى آخره , حسب التعميم رقم 25/1/73س
الحمد لله شرع لنا دينا مهيمنا على الأديان , صالحا لكل زمان ومكان , وأشهد
أن لا له إلا الله الواحد الديان , وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله أرسله إلى الإنس والجان , صلى الله عليه وعلى آله وصحابته حاملي الحق وناشري البيان 0
أما بعد فاتقوا الله عباد الله 0
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أيها الإخوة المسلمون : إن الله تعالى جعل هذا الكون يسير بنظام دقيق , وإحكام متين , وإذا أذن الله سبحانه بزوال هذا العالم هيأ أسباب ذلك فأخل بنظامه , ولله الأمر من قبل ومن بعد , يفعل ما يشاء كيف شاء متى شاء , وفي الحياة أهداف ومقاصد متى بُذلت أسبابها تحققت , ومهما ابتغي تحقيقها بغير أسبابها تعذرت , والله جل وعلا لم يكلف عباده من الأعمال مالا يطيقون , ولكنه الابتلاء ( ليميز الله الخبيث من الطيب ) وقد جاء شرع الله كتابا وسنة بكل ما يعود على الخلق بالنفع العاجل والآجل , قال سبحانه في كتابه عن كتابه ( ما فرطنا في الكتاب من شيئ )
وأخرج الطبراني : عن أبي ذر قال تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علم. قال: فقال صلى الله عليه وسلم: «ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم».
ولما كان الأمر كذلك وهو كذلك فقد قامت حجة الله على خلقه ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) فكل شيء في هذه الحياة عليه دليل إما صريح لا يحتمل التأويل , وإما استنباط من نص صحيح , يعلم ذلك العلماء الذين أمر الله برد ما يشكل علينا من المسائل إليهم إن لم نجد لها في كتاب الله ولاسنة رسوله دليل قاطع , قال سبحانه : (فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) 0 وقال سبحانه (ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين سيستنبطونه منهم ...) 0
في الحياة مستجدات من الأمور لا تستقيم أحوال الناس إلا بوضع ترتيب معين لها , وقد كثر اليوم ما لم يكن معروفا في قديم الزمان , ومن ذلك ما هو حاصل في هذا الزمان من وسائل النقل على اختلاف أنواعها , نشاهد في هذا الزمان هذه السيارات التي أصبحت في كل الأحوال إلا ما ندر من ضروريات الحياة ليس بإمكان احد الاستغناء عنها , وقد جُعل لها نظام معين في السير والاستقرار , متى أخل الناس فيه حصل من الأضرار والمصائب والفتن ومما لا يصلح مالا سعة ولا قدرة لإحصائه وعده , لقد حوّل كثير من الناس نعمة السيارات إلى نقمة فجنوا من وراء ذلك ما هو مشاهد ومعروف , وصدق الله (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا صنفان من الناس : من عرفها حق معرفتها فقيدها بشكرها , ومن فقدها فقد عرف قدرها 0 ومعالجة مثل هذه القضية – أيها الإخوة – تكمن أولا بتشخيص الداء , فإننا إذا نظرنا إلى حال الناس اليوم وجدنا ورأينا العجب العجاب , استخفاف بأنظمة المرور , وسرعة جنونية في غير ما حاجة , بل واستخفاف بأرواح البشر , وإهلاك للأنفس والأموال , وأكثر الضحايا هم رأس مال الأمة { شبابها } معاناة نتفاجأ بها كل يوم , كم في المجتمع من الأيتام جراء الحوادث المرورية , وكم فيه ممن فقدوا أطرافهم كلها أو بعضها أو ذاكرته أو أصيب بشلل موضعي أو نصفي أو كلي جعلهم رهائن الأسرّة البيضاء وعبرة لكل معتبر قبل أن كانوا أعضاء فاعلين في المجتمع يستفاد منهم , وكم فيه ممن تحمل الديات حتى دعته إلى التسول وإذهاب ماء الوجه وكانت على حساب دينه ووقته وضروريات حياته وحياة أسرته 0أما المقابر فاكبر نسب الموت تحتضنه بين جنباتها جراء حوادث المرور , وإنكم إن تسالوا الثرى يتكلم , كل ذلك وغيره - أيها الإخوة - حصيلة الإخلال بأنظمة المرور , سواء كان الشخص هو المخالف بنفسه , أو قد ابتلي بمخالف جنا عليه ما صيره إلى أمر الله 0
أيها الإخوة العقلاء : إن كثرة ما نشاهده من حوادث السيارات ليحتم علينا اتخاذ الخطوات الجادة والعملية لوقف نزيف الدماء والأموال , فالأمر ليس بالأمر الهين فهو يحتاج إلى تضافر الجهود , بنشر الوعي , والأخذ على يد السفيه , وإيصاد أبواب التهور , وعدم تمكين الأغرار من القيادة , ومراقبة الأبناء , والحيلولة دون وصول الأشرار إليهم 0
أيها الإخوة : هناك سببان رئيسيان لكثرة الحوادث في صفوف الشباب خصوصا يحتم علينا أزمة الموقف ذكرهما : الأول : استعمال المخدرات والمسكرات وخصوصا الحبوب النشطة والمسهرة 0 أما الثاني : وأستبيحكم عذرا بذكره فهو: سكر الهوى , أي نعم والله !! انه الهوى والغرام وعشق المردان , فما يقوم به ذلك المجنون اللوطي من اللعب بسيرته بكثرة الملصقات وأدوات الزينة , ومن التفحيط , وما يسمى بالتطعيس , والسرعة الجنونية , ومخالفة أنظمة المرور إلا من أجل إرضاء معشوقه من المردان , لاستدراجه إلى وحل اللواط وساحة العار والشنار والرذائل بأنواعها, هذه حقيقة لا تنكر, وإن غالط فيها من غالط0
ألا فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أنظمة المرور أنظمة ولي الأمر والله تعالى أمرنا بطاعته في غير معصية فقال سبحانه ( ياءيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ....) الآية
بارك الله للجميع بالقول والعمل, ورزقنا حسن الإصغاء والبعد عن الزلل0
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , واشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين 0
ايها الاخوة المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى 0
عباد الله : في هذا المقام اسوق توجيهات لمن هم في هذه القضايا ضالعون وهم الأولياء , والأبناء , والمسئولون , أما المسئولون فقد رسموا أنظمة السير واحكموها ايما إحكام بعد الدراسات والبحوث المستفيضة , وأقاموا البرامج التوعوية واصدروا التقارير الموثقة المخيفة التي تتحدث بلغة الارقام وسعوا في تقليل الحوادث بكل ما اوتوا من قوة وحزم , ولا ينكر ذلك إلا جاهل او مكابر , ولكننا نطمع منهم بالمزيد من الحزم واتخاذ القرارات الصارمة في حق المستخفين بالدماء والأرواح والأنظمة المرورية فإن العائد الايجابي يبقى للفرد والمجتمع0
أيها الاولياء : العبء الاكبر من القضية يبقى على كواهلكم , ويتحمل القسط الأوفر منه المفرّطون والمتساهلون مع الأبناء الموفرون لهم هذه السيارات في غير ما حاجة , التاركون لهم الحبل على الغارب دون تذكير لهم بأهمية هذه النعمة , ودون بيان لهم بعواقب الحوادث الخيمة , فيوفرون لهم هذه السيارات على انها للتسلية والترفيه وربما كانت جوائز مقابل نجاح دراسي أو نحوه , أو تكون مسايرة لبني جنسه . وما علما أنهم مسئولون عنهم يوم القيامة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : كلكم راع ومسئول عن رعيته 0 وربما جار الأب في القسمة بين أبنائه فوفر لأحدهم السيارة دون الباقين فعاشوا في دوامة من الخلاف نتج جرائها التفكك الأسري , فاتقوا الله أيها الآباء في أبنائكم , وتوخوا سبل نجاتهم وما يعود عليهم بالنفع العاجل والآجل , ولا تقدموا عاطفة الأبوة على المصلحة الشرعية , فإنكم متى فعلتم ذلك وقعتم في غش الابناء , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : من مات حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة 0
أيها الابناء : اعلموا أن السيارات وسائل وليست غايات , وانها نعمة من الله والنعم متى شكرت زادة وقرت , ومتى كفرت نقصت وفرت , واسمعوا قول الله تعالى واصفا حال قوم كانوا يرفلون بالنعم فكفروها فصار حالهم أسوء حال قال الله تعالى عنهم : (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ * قال ابن كثير رحمه الله : كانت سبأ ملوكَ اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس - صاحبة سليمان- منهم ، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم، وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم . وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله ثم أعرضوا عما أمروا به ، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ، شذر مَذرَ 0
وقوله تعالى : ( فَأَعْرَضُوا ) أي: عن توحيد الله وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس، كما قال هدهد سليمان: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ 0 وقال محمد بن إسحاق، عن وهب بن مُنَبّه: بعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا. وقال قتادة وغيره: الجُرَذ: هو الخَلْد، نقبت أسافله حتى إذا ضَعف ووَهَى، وجاءت أيام السيول، صَدمَ الماءُ البناءَ فسقط، فانساب الماء في أسفل الوادي، وخرّبَ ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك، ونضب الماء عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال، فيبست وتحطمت، وتبدلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة، كما قال الله وتعالى: ( وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ ) . وقوله : ( وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ) : لما كان أجودَ هذه الأشجار المبدل بها هو السّدْر قال: ( وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ) ، فهذا الذي صار أمر تَيْنك الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة، والظلال العميقة والأنهار الجارية، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسّدْر ذي الشوك الكثير والثمر القليل. وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل؛ ولهذا قال: ( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ ) أي: عاقبناهم بكفرهم. وقال الحسن البصري: صدق الله العظيم. لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور. وذكر ابن أبي حاتم ، عن ابن خيرة - وكان من أصحاب علي، رضي الله عنه-قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة. قيل: وما التعسر في اللذة؟ قال: لا يصادف لذة حلال إلا جاءه مَنْ يُنَغِّصه إياها.
ألا فاتقوا الله أيها الأبناء فإنكم في رغد من العيش وأمن في الأوطان , ولا تكون كأشق القبيلة التي عذبت بسببه كما بين الله تعالى ذلك بقوله (إذ انبعث أشقاها )
اللهم أصلح أحوالنا .......................................... إلى آخر الدعاء 0 |