خطبة جمعة عن التيسر على المصلين بالجمع بين الصلاتين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ........................................
أيها الإخوة المسلمون : من المسلمات لدى أهل الإسلام أن الله تعالى حبانا وأكرمنا بدين قويم مهيمن على الأديان كلها , متصف بصفة السماحة والتيسير على العباد في العبادات جلها , قال الله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ....) وقال سبحانه ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ....) جعل الدخول في الإسلام بمجرد النطق بالشهادتين , وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة " صل قائما , فإن لم تستطع فقاعدا , فإن لم تستطع فعلى جنب 0 وقصر الصلاة في السفر , وجمع وأمر بالجمع بيين الصلاتين لمن احتاج إلى ذلك 0 وفي الصوم رخص للمسافر والمريض ومن كان في حكمهما بالإفطار والقضاء من أيام أخر 0 وفي الحج قال سبحانه ( لمن استطاع إليه سبيلا ) وفي مجال الدعوة أوصى صلى الله عليه وسلم من كلفهم بالدعوة والبلاغ فقال " يسرا ولا تعسرا " وهكذا في كل صغيرة وكبيرة يتعبد المسلم بها لله رب العالمين 0 شعار هذا الدين اليسر والتيسير حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه "
من الأمور التي غفل كثير من الناس عن جانب اليسر والتيسير فيها : الجمع بين الصلاتين حال المطر أو البرد الشديد أو الحر الشديد , أو المرض , أو غير ذلك من الأسباب التي يباح للمسلم الجمع فيها . وإنك لترى البعض من الناس يأنف ويجد في نفسه شيء حينما يجمع إمام المسجد بين الصلاتين لعذر شرعي , بل من أئمة المساجد من يأخذه الحماس والعاطفة الدينية فلا يجمع بين الصلاتين فيشق على جماعة مسجده بحجة دافعها الخير والصلاح ولكنها مخالفة لهدي الإسلام وسماحته , فإذا قيل لأحدهم لماذا لا تجمع قال : نريد أن نربط الناس بالمساجد , وألا يفوتوا فضل الذهاب إلى المسجد , ونريد أن نعمر بيوت الله فلا نعطلها , وربما قال إن جماعة المسجد قادرون على الذهاب إلى المسجد فلا داعي إذا للجمع 0 وكل ما يحتج به من كان هذا حاله من أئمة المساجد نابع عن حب للخير ولكنه أيضا نابع عن جهل في أحكام الصلاة والمساجد وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك 0
ولهذا فإن الوصية لجميع أئمة المساجد الرجوع إلى الكتب المؤلفة في كل ما يتعلق بالصلاة والمساجد فإنا على يقين أنه سيتبين له من أمور التيسير ومسائل العلم ما لم يكن له على بال 0 وحسبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أفتان انت يا معاذ أيكم أم الناس فاليخفف ........"
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن منكم منفرين ....) والأحاديث في هذا الشأن كثيرة 0
أيها الإخوة : إن الجمع بين الصلاتين ثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر قيل لابن عباس وما أراد إلى ذلك ؟ قال أراد أن لا يحرج أمته " .
وعن ابن عباس " قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر " وعن معاذ رضي الله عنهما قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا " . في هذه الأيام – أيها الإخوة – تجتاح البلاد موجة من البرد قاسية فيشق على المسلمين الذهاب إلى المساجد في كل وقت فيحتاجون إلى الجمع بين الصلاتين ليدركوا بها فضل الجماعة , ويحصلوا على تطبيق السنن , ويسعدوا برخص الإسلام , فقد قال صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى عزائمه " ولذلك فإنه يتوجب على أئمة المساجد أن يراعوا أحوال جماعة المسجد من صغار السن وكبار السن والمحتاجين إلى الجمع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان ابن أبي العاص حينما طلب منه أن يجعله إمام قومه قال له " اقتد بأضعفهم ....... " سيما وأن الناس اليوم قد كثرت فيهم الأمراض التي معها لا يستطيع أحدهم أن يصلي الصلاتين بوضوء واحد كالسكري والسلس وغيرها 0 وحصول الصوارف والمغريات بالانصراف عن المسجد , وتأذي الكثير بالبرد حينما يخرج الشخص من الجو الدافئ في البيت إلى البار في الشارع إلى الدافئ في المسجد فيحصل عندهم بعض الأمراض بسبب ذلك 0 والإسلام جاء بتحقيق المصالح وجلبها , ودفع المضار وتقليلها 0
فاتقوا الله يا أئمة المساجد في جماعة مساجدكم واعملوا على تحقيق كل ما من شأنه تحبيب الناس للعبادات ولاتقدموا العواطف على أحكام الإسلام , واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه " بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم , أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين 0
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثير طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , وأصلي وأسلم على النبي المصطفى , وعلى آله وصحابته ومن لهديهم اقتفى .
أيها الإخوة المسلمون : تتعلق في الجمع بين الصلاتين عدة مسائل وأحكام لا بد للمسلم من معرفتها , فمنها : استحضار نية الجمع قبل الشروع في الأولى هو الأولى ولو لم ينوي الجمع إلا بعد الفراغ من الأولى جاز ذلك , ولا يشترط إخبار المأمومين بنية الجمع .
ومنها : أن السنن الرواتب يؤتى بها بعد الفراغ من الثانية .
ومنها : الأذكار الواردة , يمكن للجامع أن يأتي بعد الفراغ من الجمع بأذكار الصلاة الأولى ثم يأتي بأذكار الصلاة الثاني , وإن اكتفى بأذكار صلاة واحدة فلا حرج عليه .
ومنها أي من الأحكام : إذا كان الجمع بين صلاة المغرب والعشاء له أن يصلي الشفع والوتر بعض الانتهاء من الصلاة إذا كان الجمع جمع تقديم ولو لم يدخل وقت العشاء بعد 0
ومن الأحكام : انه لا يلزم الموالاة بين الصلاتين المجموعتين فلو تنفل بينهما أو صلى الراتبة ثم جمع فلا حرج في ذلك .
ومنها : أنه يشترط الترتيب بين الصلاتين , فلا يصلي العصر مثلا قبل الظهر , أو العشاء قبل المغرب .
ومنها : انه يكتفى بأذان واحد وإقامتين .
ومنها : أنه لا فرق بين بعيد الدار عن المسجد والقريب منه في الجمع فالكل سواء 0
وهناك أحكام أخرى لا يستغن المسلم عن معرفتها , فالنصيحة للجميع بتقوى الله وتعلم ومعرفة أحكام العبادات , والتزود من الطاعات , واجتناب المعاصي والمنكرات 0
ألا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة , والنعمة المسداة , محمد بن عبد الله , فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ............................ الخ |