إنما الأعمال بالنيات
2 -4 - 1441
إن الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن
يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد: فإن خير
الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل
بدعة ضلالة أما بعد. فاتقوا الله عباد الله.
أيها الإخوة المسلمون: إن الله سبحانه وتعالى
أقام الحجة على خلقه بإرسال الرسل وإنزال الكتب
( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقد آتى الله نبيه محمدا صلى الله عليه
وسلم وحيين : القرآن والسنة كما قال صلى الله عليه وسلم: ألا وإني أوتيت القرآن ومثله
معه.
وبين أيدينا اليوم – أيها الإخوة – حديث
من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يعد ركيزة أساسية من ركائز هذا الدين, وهو الحديث
الذي ربما يحفظه كل مسلم على وجه الأرض , إنه حديث أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب
رضي الله عنه الذي قال فيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى
الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجـر إليه".
فهذا الحديث يبين أن كل إنسان يقول قولاً أو يفعل فعلاً لابد وأن تكون له فيه
نية إما صالحة وإما غير صالحة, ولو كُلف الناس
بقولٍ أو فعلٍ بدون نية لكان من تكليف ما لا يطاق, فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث يبين هذا, فهو أيضاً يحث على إصلاح النية وإخلاصها لله في جميع الأعمال,
ويحذر مما يضاد ذلك كالرياء والنفاق ونحو ذلك , فعلى المسلم أن لا يقدم على شيء إلا
وله فيه نية صالحة .
يظن البعض -أيها الإخوة - أن إخلاص النية وحده كاف في قبول الأعمال وكذلك الإعذار
إلى الله, وهذا من الخطأ فإن إخلاص النية لابد أن يُضمَ إليه إخلاص المتابعة قال تعالى
: (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً )) ـ هذا إخلاص المتابعة للدليل الشرعي
من الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة ـ (( ولا يشرك بعبادة ربه أحداً )) ـ هذا هو إخلاص
النية والقصد لله رب العالمين .
والنية الصالحة معناها: انعقاد القلب
وإجماعه على فعل الخير والبعد عن الشر ، ومن لم يكن كذلك فيما يأتي وما يذر فعليه مراجعة
نفسه وتصحيح أمره قبل فوات الأوان ، فالله تعالى يقول: (( .... يوم لا ينفع مال ولا
بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )) . ويقول سبحانه : (( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين
لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين )) . واستحضار النية الصالحة في فعل الخير مطلب بحد
ذاته , فان وفّق العبد لفعل ما نوى من الخير فقد حصل له أجر النية وأجر العمل معا
, وان لم ينشط لفعل العمل الذي نواه , أو حال دون تحقيقه حائل ليس له في دفعه قدرة
فانه يكتب له أجر النية , وقد جاء في الأثر : نية المؤمن أبلغ من عمله.
ومن هنا فإنه يُحذر ويرهب من عواقب سوء القصد , فعلى المسلم ان يتذكر دائما
قوله تعالى (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى)) طالت الأيام أو قصرت،
كما انه يحذر من تغيير النية الصالحة إلى ما هو ضدها أو أقل منها.
كما على المسلم ان يميز بين النية بين
العبادات إذا كانت من جنس واحد كالصلاة مثلا فيميز بين الفرض والنفل , وكذلك
عليه تمييز النية بين العبادات من العادات من المعاملات.
وهذا الحديث -أيها الإخوة- يبين أن المقبول من الهجرة ما كان لله ولرسوله , وأن الهجرة لها أحكام : فتجب
إذا تعذر على المسلم إظهار دينه ولا يجد من يعينه على الخير , وتستحب إذا كان يستطيع أن يظهر دينه ولا يمنعه
أحد من ذلك , وتكون سنة في حالات , وتحرم في حالات , وتكره في حالات.
فالحرص كل الحرص على تصحيح النية في كل عمل يقدم المسلم على فعله لتكون أعمال العبد كلها لله وحده لا شريك له, خصوصا
ما يتعبد المسلم به لله تعالى , فإن الله سبحانه وتعالى يوم القيامة حينما يجمع الاولين
والآخرين يقول: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك
، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم , وكفى بهذا الحديث زاجرا ورادعا ومخوفا من أن يصرف المسلم شيئا من أعماله لغير الله .
نسأل الله أن يصلح نياتنا
وأعمالنا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( قل إن صلاة ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة , ونفعنا
بما نقول ونسمع والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا كما أمر وقد تأذن بالزيادة لمن شكر واصلي واسلم على خير البشر نبينا محمد وعلى اله وصحابته والتابعين ومن تبعهم
من صالحي البشر إلى يوم المحشر. أما بعد : فاتقوا الله عباد الله.
أيها الإخوة المسلمون : لو أدرك كل مسلم حقيقة الإخلاص لله سبحانه لارتفع بذلك ارتفاعا عظيما ينقله هذا من العالم السفلي إلى العالم العلوي , ويعلم
علم اليقين أن المستحق للعبادة هو الله وحده لا شريك له دونما سواه فيحقق بذلك أعلى مطلوب وأسنى مرغوب (وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )
أيها الإخوة : كل مسلم يعتريه شيء من نواقض الإخلاص كالرياء والسمعة , وحب المدح
والثناء وغير ذلك, وهذا الشيء الذي يجده المسلم لا يخلوا من ثلاث حالات:
الحالة الأولى : أن يكون ذلك قبل فعل العمل
, الحالة الثانية : أن يكون ذلك أثناء وداخل
العمل , الحالة الثالثة : أن يكون ذلك بعد انتهاء العمل
فأما الحالة الأولى وهي أن ينوي الإنسان ان يؤدي عبادة من العبادات كالصلاة
أو نحوها لا يريد بها وجه الله أصلا إنما يؤديها
لكي يراه الناس يصلي, أو خوفا من احد ...او غير ذلك من مقاصد الدنيا الدنية فهذا العمل
بهذه النية والقصد هو الشرك بعينه الذي إن
مات صاحبه على هذه الحال فهو في النار خالدا فيها كما قال تعالى ( إن الله لا يغفر
أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )
وأما الحالة الثانية : وهي أن يؤدي المسلم العمل أصلا لله ثم يطرأ عليه الرياء
أو السمعة أو غيرها أثناء العمل فهذا لابد
أن يجتهد في دفعه عنه اشد المجاهدة وإلا افسد
عليه عمله .
وأما الحالة الثالثة , وهي أن يفكر المسلم بذلك بعد انتهاء العمل فهذا لا يضره إلا إذا صاحب ذلك إعجاب فإنه قد يحبط
العمل .
هناك أسباب تعين المسلم على إصلاح النية من أهمها: أن يُعمِل المسلم فكره في
كل ما يراه في هذا الكون ويقرن ذلك بقدرة الله وعلمه وإحاطته وتصرفه
ففي كل شيء له آية تدل على انه واحد.
ومن ذلك تدبر آيات القرآن الكريم تدبرا عميقا يثمر عنده الإيمان بكل ما جاء
في كتاب الله من ترغيب وترهيب وأحكام وحكم
وقصص.
فتعلموا – عباد الله - واعملوا وأحسنوا
وابشروا .
وصلوا على النبي كما أمركم
بذلك الله الولي فقال سبحانه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا
صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كا صليت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد , اللهم وارض عن ال البيت الطاهرين وسائر أصحاب
نبيك أجمعين والتابعين وأتباع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , اللهم اعز
الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين, اللهم وابرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية والجهالة,
ويذل فيه أهل الكفر والبدعة, وينصر فيه الإسلام وأهله, ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه
عن المنكر,اللهم من أرادنا وأراد أمننا وإيماننا وعقيدتنا وعبادتنا واستقرارنا وارزاقنا
وشبابنا ونسائنا وعلمائنا وولاتنا بسوء فاكفناه بما شئت, واجعل تدبيره تدميه يارب العاملين , اللهم وولى على المسلمين الأخيار واكفهم اللهم شر الأشرار , اللهم وأصلح ووفق ولاة
أمورنا في بلادنا وقرب إليهم بطانة الخير وابعد
عنهم بطانة الشر واجعلهم فاعلين للخير آمرين به , منتهين عن الشر ناهين عنه يارب العالمين , اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا
واهدنا واهد لنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين يارب العالمين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون , وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|