فضل الأذان والإمامة
11 / 3 / 1441هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا
هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً،
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد: فإن خير الكلام كلام
الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
أما بعد. فاتقوا الله عباد الله.
أيها الاخوة المسلمون: شرائع
الاسلام كثيرة, ومتعددة ومتنوعة, منها ما هو اركان, ومنها ما هو شروط, ومنها
ما هو واجبات, ومنها ما هو سنن ومستحبات, ولله في تعددها وتنوعها حكم كثيرة وعظيمة,
من تلك الحكم أن المسلم يستطيع فعل اشياء ويعجز عن فعل اشياء, فجعل الله له الخيار
فيما دون الفرائض للتزود من الطاعات والقربات, حتى جعل من كل فريضة سنة يكمل
بها ما ينقص من الفريضة ورحمة الله واسعة ( يريد الله بكم اليسر ولا يرد بكم العسر
)
ألا وإن مما شرعه الله
ورسوله للصلاة: الامامة والاذان, وقد جاء في فضل الامامة والاذان نصوص كثيرة.
فمما جاء في
الامامة أنهم داخلون في عموم قول الله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ وقوله سبحانه ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾ ولشرف
الامامة وعظيم امرها تولاها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه فكان عليه الصلاة
والسلام إضافة الى انه إمام المسلمين في كل شيء فهو إمامهم في الصلاة حتى
توفاه الله, ولأهمية الامامة اختار لها من بعد موته افضل الناس وهو ابو
بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال صلى الله عليه وسلم وهو في مرض موته "مروا
ابا بكر فليصل بالناس" ومما جاء فيها قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم: "يؤم
القوم أقرأهم لكتاب الله..."الحديث، رواه الامام مسلم عن ابي مسعود.
ومن الاحاديث ايضا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
للائمة كما في الحديث الذي رواه ابو داوود قال صلى الله عليه وسلم: "الإمام
ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".
ولا شك – ايها الاخوة– ان هذا
المنصب كما انه منة من الله تعالى على من تولاه متجردا من حظوظ النفس, مخلصا فيما
تولى, فإنه في الوقت نفسه مسؤولية عظيمة, وتكليف شرعي يجب على من تولاه الاجتهاد فيه وتحري الحق والصبر على الطاعة واحتساب الاجر من الله، وحاله
حال المؤذن، فإن الأذان شعيرة اسلامية عظيمة ولعظمها واهميتها فقد كان
من هديه صلى الله عليه وسلم "أنه اذا غزى قوم تريث وانتظر فإن سمع الاذان
عندهم كف عنهم وإلا اغار عليهم", وجاء في فضل الاذان نصوص كثيرة من
الكتاب والسنة, مما يدل على انها فرض كفاية فمن تلك النصوص قول الله تعالى: ﴿
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾ ، وقوله - سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
واما من أحاديث النبي صلى الله
عليه وسلم فما رواه البخاري ومسلم من قوله - صلى الله عليه وسلم - في
حديث مالك بن الحويرث: "فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم". فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وأمره هنا يدل على انه فرض كفاية اذا
قام به من يكفي سقط الاثم عن الباقين.
ومما جاء ايضا في فضل الاذان قول الله
تعالى ( ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا ...) ومن الاحاديث
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو
يعلمُ الناسُ ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا،
ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما
ولو حبوًا" متفق عليه.
ومنها حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي
الله عنه - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: المؤذنون أطول الناس
أعناقًا يوم القيامة" رواه الامام مسلم.
وقد اختلف العلماء في ايهما افضل الامامة ام
الاذان؟ على قولين مشهورين, فمنهم من فضّل الامامة ومنهم من فضّل الاذان, وعلى كل
حال ففي الامامة اجر عظيم وفي الاذان اجر عظيم, لما فيهما من التحمل والمشقة
والالتزام والارتباط, واجر المؤمن على قدر نصبه وتعبه وتحمله,
فعلى كل من تولى إمامة المسجد للصلاة بالناس, او تولى امر الاذان الحرص على
اداء ما تولى على الوجه الاكمل قدر المستطاع فقد قال صلى الله عليه وسلم "إذا
امرتكم بشيء فاتوا منه ماستطعتم, وإذا نهيتكم عن شيئ فانتهوا "
اللهم أعنا على ما تولينا, فلولا
فضلك وإحسانك ما اهتدينا, فلك الحمد والشكر فرضا علينا, والحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى اصحابه ومن وآله.
الخطبة الثانية
الحمد لله المتفضل
بالطاعة على من أطاعه، القائل سبحانه: من أتاني يمشي أتيته هرولة, واشهد ان لا
اله الا هو تعظيما لشانه، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله
واصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم لقائه. اما بعد : فاتقوا الله عباد الله.
ايها الاخوة المسلمون: لقد
كان المسلمون في الرعيل الاول والقرون المفضلة والى وقت ليس ببعيد يتولى منهم
اناس الامامة والاذان في الصلاة دون مقابل مالي, او عطاء من بيت المال, بل هو
الاحتساب المجرد, والطمع فيما عند الله, وإقامة لشعائر الله وتعظيما لها التي
قال الله عنها: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ)
ولما حصل ان فرض للائمة والمؤذنين عطاء ما ليا من بيت المال, كان المفروض ان يكون
ذلك على درجة اقل من احتساب الاجر في إقامة هذه الشعيرة, ولايكون ذلك المال الا
عونا على الطاعة, ولا يكون هو الهدف الاول والاخير بل يجب ان يكون رافدا
ومعينا ليس الا.
وهنا فإنه يتوجب على من يرى
في نفسه الاهلية والتحمل وحب الخير والافادة والنفع له وللناس تولي الامامة او
الاذان, ومن يرى في نفسه عدم القدرة والأهلية فليدرك جيدا أن هذا المنصب
ليس هو من مجالات التكسب المادي البحت بل هو تعبدي بحت, وخطر من طلب الدنيا بالدين
ظاهر وواضح حتى قال بعض السلف: "لأن أطلب الدنيا بالمزمار خير لي من اطلبها
بالدين"، كيف وقد قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْـحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَـهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ
يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَـهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
وقال سبحانه: ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا
نَشَاءُ لِـمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا
مَّدْحُورًا ) وقال سبحانه: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ
لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا
لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعلم
علمًا مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمُهُ إلا ليُصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد
عَرْف الجنة يوم القيامة"، يعني ريحها.
وقد تَكَفَّل الله بالسعادة
لمن عمل لله، فعن أنس يرفعه: من كانت الآخرة همّهُ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له
شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه،
وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له.
ولكن – ايها الاخوة – ليكن من تولى منا أمرا
من أمور الدين كالإمامة أو الاذان أو الدعوة أو غير ذلك وهو يعطى على ذلك مقابل
مادي ليكن حاله كحال أم موسى "ترضع ولدها وتأخذ عليه أجرا"، وذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء ..
فاللهم انا نسالك من فضلك العظيم , وخيرك العميم
يارحمن ياكريم.
الا وصلوا وسلموا وبركوا على من
امركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا
ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) وقد امرنا النبي المصطفى بأن نكثر
عليه من الصلاة والسلام في يوم الجمعة وليلة الجمعة, فامتثلوا الامر واحتسبوا
الاجر, اللهم صلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين
وجميع المسلمين الى يوم الدين, اللهم وفقنا لكل خير وجنبنا كل شر, اللهم وابرم
لامة الاسلام امر رشد يعز فيه اهل الطاعة ويذل فيه اهل الكفر والبدعة, ويهدى فيه اهل
المعصية, ويامر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر, اللهم واصلح احوال المسلمين الحكام
والمحكومين, اللهم ولّ على المسلمين الاخيار واكفهم اللهم شر الاشرار, اللهم واصلح
ووفق وارشد ولات امورنا في بلادنا واجعلهم فاعلين للخير آمرين به, منتهين عن
الشر ناهين عنه, اللهم واصلح لهم البطانة واعنهم على الامانة, اللهم من ارادنا
واراد بلادنا وشبابنا ونسائنا وأمننا ومقدراتنا بسوء فاشغله بما
يقطع شره ويعمي بصيرته بصره, فلا يحقق غايته ومراده ياقوي
ياعزيز, اللهم احيينا مؤمنين وتوفنا مؤمنين وابعثنا مؤمنين وارفع
درجاتنا في عليين, اللهم اغفر وارحم وسامح والدينا كما ربونا صغارا
يارحيم يارحمن .. اللهم انا نسالك بانك انت الله الذي لا اله الا انت ، أنت
الغني ونحن الفقراء انزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم
اغثنا اللهم اغثنا اللهم اغثنا , وعاملنا بما انت اهله ولا
تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا يارحيم ياودود,,,, ربنا آدنا في الدنيا حسنة وفي
الاخرة حسنه وقنا عذاب النار, وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |