أهمية النزاهة وحفظ المال العام
25 / 3 / 1441
إن الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً
عَظِيماً) أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أما بعد. فاتقوا الله عباد الله.
ايها الاخوة المسلمون:
أصدر فرع وزارة الشؤون الاسلامية بالمنطقة تعميما على الخطباء يأمرهم فيه بتخصيص الحديث
في خطبة الجمعة لهذا اليوم عن النزاهة والحفاظ على المال العام, وعدم الاعتداء عليه
بالتبديد او التفريط أو غير ذلك من صور التعدي, وتأدية الواجبات الوظيفية, وغرس قيم
الجد في العمل, وحفظ الوقت، والتحلي بالأمانة والصدق والاخلاص, ومنع استغلال الوظيفة العامة أو الخاصة لغير ما خصصت له، وبيان الواجب الديني والوطني في الابلاغ عن أي تجاوزات مالية أو ادارية.
وما ذاك إلا اهتماما
منهم وفقهم بما يعود على الجميع بالنفع العاجل والآجل، وإنّ تناول مثل هذه الامور في
الخطب والدروس والمحاضرات والندوات لهو امر تدعوا اليه الشريعة, إذ أننا بحاجة ماسة
إن لم تكن ضرورة لان نعرف حكم الشرع في كل شيء نقدم عليه, أو نحجم عنه, فلوا أخذنا
كل جزئية من أجزاء ما جاء في هذا التعميم لوجدنا انفسنا نحتاج الى الوقت الطويل والطويل
في تفصيل ذلك, فلو تكلمنا عن النزاهة لوحدها لوجدنا أن النزاهة تعني سمو الأَخلاقِ
والاستقامة على الحق, وَالبعد عن السوء وترك المحرمات والشبهات, فمن كان كذلك فقد نزه
نفسه وسما بها عن سفاسف الامور, والعكس بالعكس, وهذ الخلق او الصفة أي النزاهة هي صفة
انبياء الله ورسله وأتباعهم على منهاجهم فمن
ند وشذ فليس منهم وليسوا منه.
وأمر النزاهة من أسهل الامور على من يسره الله عليه,
كما انه من أصعب الامور على من لم يوفق لها, فالنزاهة من عدمها تكون بالأقوال, وتكون
بالأفعال, فمن نزه لسانه عن كل قبيح فقد حفظه ومن حفظ لسانه ضمن له النبي صلى الله
عليه وسلم الجنة كما قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ
لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ".
فاللسان يقول به صاحبه
كلمة يدخل بها في الاسلام, ويقول به المسلم كلمة يخرج بها عن الاسلام, وهذا أعظم ما
يجنيه اللسان على صاحبه سلبا او ايجابا, ويأت بعد ذلك ما هو دون هذا القول من المقالات
السلبية والخطأ فمنها ما هو: كفر أصغر, ومنه بدعة, ومنه كبيرة من كبائر الذنوب, ومنه
المحرم , ومنه المكروه.
ويأت منه المقالات الايجابية
والطيبة الحسنة ما يرفع الله جل وعلا بها صاحبها إلى أعلى الدرجات, ومَنْ تذكر قول
الله تعالى (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) حتما أنه لا
يقول بلسانه الا حقا, وسيلجم لسانه عن كل ما هو محسوب عليه .
ومما جاء في هذا التعميم: التنبيه على الحفاظ على
المال العام, وعدم الاعتداء عليه بالتبديد أو التفريط أو غير ذلك من صور التعدي, وهذا
الامر – أيها الاخوة – لطالما عانا الناس والمجتمع منه وتضرروا, وهذا يصدر أي (عدم
الحفاظ على المال العام ) ممن لم يدرك مقاصد الشريعة التي تقدم الحق العام على الخاص,
وتسد ذرائع الضرر, وكذلك لا يصدر هذا الا ممن لم ولا يتحلى بروح التعاون الجماعي الذي
دل عليه قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لاَ يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" فالأنانية والجشع
وحب الذات تجعل من صاحبها إنسانا نفعيا بحتا, الحلال عنده هو ما حل في يده, والحرام
عنده هو ما نازعه عليه غيره, ولديه الاستعداد بان يضحي بكل ما من شانه الحيلولة دون
مشتهياته ورغباته المحرمة والممنوعة والمحذورة, حتى ولو كان في أقرب الناس اليه, ولاشك
أن هذا تعدِ وإساءة, ومذمة وندامة, فالحذر كل الحذر من هذا المسلك السيئ الخطير متعدي
الضرر, فإنه ظلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليملي للظالم حتى
إذا اخذه لم يفلته "
ومما جاء أيضا في هذا التعميم حث الناس على غرس
قيم الجد في العمل, وحفظ الوقت, والتحلي بالأمانة والصدق والاخلاص, فقيم الجد في العمل
هي قوامه واساسه وهي مطلب من مطالب الشريعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إِنّ
اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ" فالجد
في العمل يرفع درجة صاحبه عند الله وعند عباد الله, وقد جُبلت النفوس على احترام الجادين
في اعمالهم وإن كانوا كفّارا, والجد في العمل شعيرة من شعائر دين الاسلام فقد قال صلى
الله عليه وسلم: " واستعن بالله ولا تعجز ".
وأما حفظ الوقت فهذا الذي قطّع قلوب الصالحين حتى
أفقدهم نومهم وأكلهم وشربهم وراحتهم كل ذلك لعلمهم أن الوقت هو ساعات ولحظات بقاء الانسان
في هذه الحياة, ما ذهب منه لن يعود, فإن لم يشغل بالطاعة شغل بضدها, ولعظم الوقت قد
أقسم الله تعالى فيه بقوله (والعصر) وأقسم ببعض اجزائه فقال سبحانه: ( والضحى * والليل
اذا سجى)، وأما حالنا مع أوقاتنا فحال عبثية, تبعث على الاسى, فإنّا أحرص ما نكون على إضاعة الوقت, حتى أننا نصرح بها كثيرا بألسنتنا فنقول: جلسنا, أو ذهبنا, أو هيا نجلس او نذهب نضيع الوقت,
بعكس حال السلف الصالح فقد عرفوا للوقت أهميته فلم يرضوا ان يفوتوا منه لحظة واحدة
بغير طاعة أو فائدة, فقد قسموا أوقاتهم بين العلم والتعليم والعبادة والدعوة وأمور
الدنيا التي لابد منها من طلب للمعيشة ونحوها, حتى قال قائلهم: أما أنا فاحتسب على
الله نومتي كما احتسب قومتي .
فاللهم
الطف بنا وردنا اليك ردا حميدا يارب العالمين
. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد
لله الذي أحل لنا الحلال وما ينفعنا, وحرم علينا الحرام وما يضرنا , احمده سبحانه وأشكره
وأتوب اليه وأستغفره, وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله,
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد : فاتقوا الله عباد الله.
أيها الاخوة المسلمون: ومما جاء في هذا التعميم:
التنبيه على عدم ومنع استغلال الوظيفة العامة او الخاصة لغير ما خصصت له, وبيان الواجب
الديني والوطني في الابلاغ عن أي تجاوزات مالية أو ادارية. فنقول حول هذا الامر: كل
إنسان على وجه الارض مكانته وقدره عند الاخرين تكمن فيما يحمل من علم, وفيما يقوم به
من عمل, فتجدون أقل الناس حضوة وحفاوة عند الناس: أقلهم علما, وادنأهم وأوضعهم وأقلهم عملا أو مهنة, فالناس في هذه الحياة عمّال منهم: من يعمل لنفسه فقط وعمله للآخرين
يدخل ضمنا, ومنهم من يعمل لنفسه وللآخرين, ومنهم من يعمل لغيره فقط وعمله لنفسه يدخل
ضمنا, وأكثر الناس على وجه الارض هم: ممن يعمل لنفسه ولغيره, وهم الموظفون الذين يتقاضون
على أعمالهم اجور مالية, وهم يختلفون في رتبهم ورواتبهم حسب مناصبهم وتكاليفهم, فمن
هؤلاء أناس مسؤولون بأيديهم تصريف كثير من الأمور قد خوّلوا ممن هم فوقهم حتى راس الهرم
الوظيفي, وهؤلاء منهم نزهاء أشراف متقون مخلصون حريصون على إبراء ذممهم مؤدون للأمانة
التي أنيطت في أعناقهم وهم كثر -زاد الله كثرتهم وشكر الله سعيهم-, وهناك أناس قلة
مستغلون لما هم فيه من وظيفة ولما مكّنوا منه من مال أو جاه أو منفعة, مستغلون لذلك
استغلالا سلبيا سيئا من تقصير في الاداء أو اخذِ لرشوة, أو الاضرار بالغير فإن كانت
الاساءة في المال فهي داخلة بالغلول ولو كان ما يأخذه من الناس هداية, فقد قال صلى
الله عليه وسلم: "هدايا العمال غلول" وروى الامام مسلم في صحيحه عن أبي حميد
الساعدي قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللتبية
قال عمرو وابن أبي عمر: على الصدقة, فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي أهدي لي قال: فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: "ما بَالُ
عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ
أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ
القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ،
أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ،
ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ".
ففي هذا الحديث أمر
مرعب مروع مخيف, رادع لكل من تسول له نفسه الاقدام على الغلول والرشوة والاختلاس والنهب والسرقة.
ويبقى – ايها الاخوة
– تكليف واجب على الناس إن هم رأوا أو علموا أحدا هذا شأنه فعليهم الإبلاغ عنه بعد
مناصحته وتحذيره وتخويفه بالله, لكي يُقطع الشر من أصله وتستقيم أحوال الناس وقد قال
سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ)، وقد روى الامام احمد وغيره عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضوانُ اللهِ
عليه أنَّه قال: "أيُّها النَّاسُ إنَّكم تقرؤُون هذه الآيةَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
) وإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: "إنَّ النَّاسَ إذا
رأَوْا ظالمًا فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ".
فاتقوا الله –عباد الله– وأصلحوا شأنكم مع الله
يصلح لكم احوالكم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا
بِأَنْفُسِهِمْ).
اللهم
أصلح أحوالنا وشاننا كله يا رب العالمين. اللهم أعز الاسلام والمسلمين, وبصّر المسلمين
في دينهم وردنا جميعا الى التوحيد الخالص والعمل الصالح يا ذا الجلال والاكرام, اللهم
اصلح احوال المسلين الحكام والمحكومين, اللهم وابرم لامة الاسلام أمر رشد يعز فيه أهل
الايمان والطاعة, ويهدى فيه أهل الجهل والمعصية, ويذل فيه أهل الكفر والبدعة, ويؤمر
فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء, اللهم وفق ولاة أمورنا في بلادنا
وقرب اليهم بطانة الخير وابعد عنهم بطانة الشر يارب العالمين, اللهم اغفر وارحم آبائنا
وامهاتنا، وأصلح نياتنا واعمالنا وذرياتنا وأزواجنا, اللهم من أراد بلادنا وأمننا وشبابنا
ونسائنا ومجتمعنا وارزاقنا واستقرارنا بسوء فاشغله بنفسه ورد كيده عليه واجعل تدبيره
تدميره يارب العالمين, اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا نصرا مؤزرا, اللهم وفقنا
لكل خير وجنبنا كل شر يارب العالمين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|