أهمية مقدمات ومؤخرات الصلوات المفروضة
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة قلوب الأخيار، وهي طريق السعادة في دار القرار، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ حقٌّ في البر والجو والبحار، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، بادر إلى الصلاة بسكينة ووقار، ووقف بين يدي الله بمحبة وخضوع وانكسار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار أما بعد:-
أيها الإخوة المسلمون: كل شيء ذا أهمية في هذا الكون جعل الله له مقدمات تسبق وقوعه وتحققه, وهي بمثابة الوسائل لها أحكام الغايات, فإن كان المراد حصوله خيرا كانت المقدمات خيرا, وإن كانت غير ذلك لحكمة أرادها الله كانت المقدمات في الحكم كحال المقاصد ولله الحكمة البالغة فمن أمثلة ما حُرم وحُرّمت مقدماته: الزنا أعذنا الله وإياكم منه، فمقدماته: النظر المحرم, والسماع المحرم, ونحو ذلك, ولذلك نجد أن الله تعالى يقول: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) فالنهي هنا عن مقدمات الوقوع في الزنا فهي بريده حتى لا يقع في أصله فتطبق في حقه الحدود الشرعية المعروف, هذا مثال لما هو محرم.
ومثال آخر لما هو مراد كوناً مقدمات المطر هي: تراكم السحاب وهبوب الرياح ونحوها.
مثال آخر لما هو مطلوب شرعا: مقدمات الصلوات المفروضة, وهذا هو الذي سيكون حديثنا اليوم عنه بشيء من البيان والإفادة, فارعوا أسماعكم واحضروا قلوبكم علّ الله ينفعنا بما نقول ونسمع.
لو سألت –أخي المسلم- كل مسلمٍ على وجه الأرض ماذا يفعل حين يريد أن يصلي الفرض فجراً كان أو ظهراً أو عصراً أو مغرب أو عشاء لقال: أتحرى دخول الوقت ثم أتوضأ وأتوخى مكان طاهرا واستقبل القبلة وأدخل في الصلات بتكبيرة الإحرام, فبهذا يقول كل مسلم من المسلمين, وقد لا يعرف دليلا واحدا على فعله هذا ولكنه عرفه بالتناقل بين المسلمين خلفا عن سلف, وهنا –أيها الإخوة – لا يمكن لمسلم أن يؤدي صلاة فرضٍ بدون هذه المقدمات, فيتعين علينا حينئذ معرفة أهمية هذه المقدمات, وكذلك المؤخرات خلف هذه الصلوات من الأذكار والصلوات النوافل .
ولكي نحقق كمال الصلاة المفروضة حتى إذا انصرفنا منها تكون قد رفعتنا درجات, ومحت عنا السيئات, ونهتنا عن الفواحش والمنكرات, وصارت لنا نورا يوم القيامة وحجة وبرهان ونجاة, لابد وأن نأتي بها كاملة بشروطها وأركانها ووجباتها وسننها ومستحباتها ومقدماتها ومؤخراتها, وأن نزيل كل العوائق التي تمنعنا من إتمام صلاتنا, وما شرعت تلك المقدمات إلا لتهيئة العبد نفسه لحصول كمال صلاته, وما شرعت المؤخرات إلا لإكمال الناقص من الفرائض, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
فأول هذه المقدمات أن نعلم أن الصلاة فرضت جماعة وفي المساجد وما ذاك إلا ليتحقق قوله عليه الصلاة والسلام: (إن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار) وليتحقق للمسلم وصف الرجولة في قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ.....) الآية, وتضاعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا أو سبعا وعشرين ضعفا, وأمر بمتابعة المؤذن ورتب عليه الأجر العظيم ليرتبط المسلم بالصلاة من أول الإذن بدخولها وليُحضر ذهنه مستشعرا أهميتها, وإذا توضأ المسلم وضوءا صحيحا خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء, وتتهيأ نفسه للدخول في الصلاة براحة وشوق, فيلبس أحسن الثياب عملا بقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فيخرج من بيته إلى المسجد يقول دعاء الخروج إلى المسجد, وشرع له الذهاب إلى المسجد مبكرا, يقدم رجله اليمنى في الدخول مسلماً على النبي صلى الله عليه وسلم, وأمر بالحرص على الصف الأول والدنو من الإمام, وإذا دخل المسجد أمر بما شرع له من تحية المسجد, ويؤدي بعدها السنن الرواتب القبلية, ثم يقرأ شيء من القرآن, كل هذه المقدمات – أيها الإخوة – لم تشرع عبثا, ولكنها شرعت استعدادا للدخول في هذه العبادة العظيمة التي هي أول أركان الإسلام العملية, إنها الصلاة المفروضة, فإذا أدّاها المسلم حسب ما تقدم شرع له بعد التسليم منها مباشرةً الإتيان بمؤخراتها، وأول تلك: الاستغفار ثلاثا, ذلك أن المسلم مهما عمل وحرص فعمله محل الخطأ والنسيان والتقصير فيستغفر عن التقصير والإخلال, ويكسر ما يكون في نفسه من زهوٍّ يجعله يمنُّ على الله بعبادته.
وشُرع له بعد الاستغفار الإتيان بالأذكار المعروفة عقب كل صلاة مفروضة, وبعدها شرع له الإتيان بالسنن الراتب البعدية.
بعد هذا كله – أيها الإخوة – هل يمكن أن يقال بأن شخصا فرط في هذه المقدمات والمؤخرات ولم يأت إلى الصلاة إلا عند الإقامة أو حتى في آخرها وربما صلاها في بيته نقرا سريعا خالية من الإحسان والخشوع والتدبر, هل يمكن أن يقال أن هذا مثل من أتى بالصلاة على نحو ما ذكرنا آنفا, حتما ليس هذا كذاك, فأثر الصلاة على من تحرى الكمال فيها, ليس كأثرها على من فرط فيها, وقد قال تعالى في النوع الأول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، وقال في النوع الثاني: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).
ألا فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا عباداتكم وأجملوا في الطلب وتوكلوا على الله, واعلموا أن من سعى حصل, ومن فرط وأهمل ندم وخسر (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وخير المصلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد:-
أيها الإخوة المسلمون: يحرص الكثير من المصلين على أداء صلاتهم على الوجه الأكمل بأداء الشروط والأركان والواجبات والسنن والمستحبات والمقدمات والمؤخرات, ولكن ما إن يأتوا إلى المسجد إلا ويبتلون بأناس يؤذونهم بأنواع الأذى إما بوضع أحذيتهم على أبواب المسجد رميا هكذا دون ترتيب حتى إن المار لا يستطيع أن يمر من بين الأحذية إلا بصعوبة, وإذا كان الداخل من ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة الجسدية فليس له طريق أصلا في المرور, وإما أن يبتلوا بأناس لا يحسنون الجلوس في المسجد والاستماع , ولا يعرفون آداب المساجد, أو يبتلون بذوي روائح البصل والثوم والكراث والروائح التي تنبعث من الجسد بسبب عدم الاغتسال والتنظف, أو بروائح الدخان الذي علق بالجسد والثياب جراء شربه.
ومن أنواع الأذى الحديثة التي لا يكاد يسلم منها ألا القليل أو اقل من القليل من المصلين أصوات أجراس الهاتف الجوال في المساجد التي بعضها مقاطع موسيقية وغنائية تؤذي المصلين وتنقص من الخشوع في صلاتهم وربما أفسدت على البعض صلاته, وليحذر الذين يؤذون المصلين من وعيد الله الذي قال عنه في محكم تنزيله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وأن المساجد بنيت للصلاة والذكر والعبادة, ولم تبن لشيء سوى ذلك, ومن تعظيم الله تعظيم شعائره وحرماته (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
اللهم أصلح أحوالنا وقلوبنا وأعمالنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الدين من الكفرة المجرمين والطغاة الملحدين الذين قتلوا العباد وسعوا في الأرض بالتخريب والتقتيل وأنواع الفساد اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم وأحبط سعيهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وجماعتنا بسوء فأشغله بنفسه ورُدّ كيده في نحره وافضح أمره واجعل عاقبته إلى وبال يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك ومدهم بعونك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك وحماة لشريعتك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |