التعامل بالحكمة دون العاطفة المجردة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ). أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: ما من عمل يعمله الإنسان في هذه الحياة إلا وله نتيجة وثمرة سواءً كانت سلبية أو إيجابية, فالنتائج تكون بحسب الأعمال, فمن عمل صالحا وجد صالحا, ومن عمل سيئا وجد سيئا, فإذا تقرر هذا – أيها الإخوة – علمنا حتما أنه يطلب من الإنسان التوازن في الأمور كلها لا إفراط ولا تفريط, لا وكس ولا شطط, لا غلو ولا جفاء, وهذا لا يتأتى إلا لمن رزقه الله الحكمة في الأمور كلها, وسعى في تحصيلها, واجتهد في تحقيقها, فالعلم بالتعلم, والحلم بالتحلم (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، أكثر ما يعاني منه الناس اليوم من المشاكل الأسرية والاجتماعية ونحوها تأتي من قبيل الإخلال بهذا المطلب العظيم وهو التعامل بالحكمة دون العواطف المجردة, والأمثلة على ذلك في المجتمع كثيرة وكثيرة جدا:
فمن الناس من يتعامل مع الأبناء والبنات بمجرد عاطفة الأبوة فلا يحاسب عند الخطأ, ولا يضرب عند تطلب الضرب, ولا يغضب عند الحالة التي توجب الغضب, ولا يلين في الحالة التي توجب اللين, ولا يسامح في الحالة التي توجب التسامح, فيخلط بين كل هذه الأمور, فلا تراه في تعامله مع أبنائه إلا متخبطا كثير اللجاج والصراخ دونما أدنى فائدة, والأشد من ذلك أن يقلب المطالب, فيغضب في حال الرضى, ويرضى في حال الغضب, ويعاقب ويضرب في حال اللين والتسامح, ويتسامح في حال الحزم والشدة وهكذا, والأدهى من ذلك كله أن تكون هذه التصرفات التخبطية العاطفية على حساب أناس آخرين من الأسرة كأن تكون على حساب بعض الأبناء, أو على حساب الزوجة, أو على حساب الوالدين ونحو ذلك.
ومن الأمثلة في هذا أيضا تعامل البعض مع والديه بمجرد العاطفة دون الحكمة والتعقل وبعد النظر ومعرفة المصالح والمفاسد، فهو يرى أن الوالد أو الوالدة مخلوق مقدس لا يمكن أن يرفض له طلب, ولا يمكن أن يناقش, ولا يمكن أن يطلب منه فعل أي شيء, بل قد يصل الأمر بالبعض إلى أن مناقشة الوالد في حل مشكلة ما يصل إلى حد التحريم, وكل هذا من السلبيات التي لها انعكاسات على الشخص نفسه, وعلى والديه, وربما صار هذا الانعكاس على حساب الزوجة والأبناء والنفس والمال, والأشد من ذلك والأدهى والأمر أن يكون على حساب الدين, ومقاصد الشريعة السمحة.
نعم – أيها الإخوة - حق الوالدين عظيم وهو من أوجب الواجبات على الإنسان, ولكن متى ما خرج ذلك التعامل عن حد الاعتدال والحكمة صارت النتائج حتما سلبية فالله جل وعلا يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فالعدل مطلوب مع كل أحد وفي أي قضية من القضايا حتى وإن كان في بعض أطرافها الوالدان أو الأبناء أو الزوجة أو الأقربين.
فالتعامل بالحكمة التي معناها: وضع الأشياء في مواضعها, وإنزال الناس منازلهم, متى ما سلك الإنسان سبيلها وتحرى تطبيقها فإن كل المشاكل ستتلاشى وتضمحل, بل سيحصل الخير والعدل, وسينعم الجميع في ظل التعامل بالحكمة وسيحمدون عواقب الأمور كلها, ولكن هذا يحتاج إلى صبر ومصابرة, ورؤية ثاقبة, مبنية على العلم والبصيرة, وحسن العمل والنية, وابتغاء وجه الله والدار والآخرة .
ومن نظر إلى مقاصد الشريعة وأوامر الدين, وعلم من حال السلف الصالح, وكيف تعاملهم مع من حولهم, وكيف أنهم اعتدلوا في الأمور كلها علم من ذلك أن هذا هو سر سعادتهم وألفتهم, وقلت مشاكلهم الأسرية والزوجية والاجتماعية, بل والأُمَمِيّة, وأنهم بهذا حكموا فسُمع لهم, ومَلكوا فعَدلوا, بل وجُعلوا قدوة يُحتذى سبيلهم, ويُقتفى أثرهم (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، ألا فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفي جميع أحوالكم لعلكم تفلحون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون: إن شأن الحكمة عظيم, فالحكماء هم سادة الناس وساسة العالم, وحسبكم بالحكمة شرفا أنها من صفات الله الدائمة الثابتة له سبحانه: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وأن القرآن قد وصفه الله بالذكر الحكيم قال تعالى: (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)، وكثيرًا ما يقترن في القرآن ذكر العزة مع الحكمة فالعزة هي القوة, والحكمة لازمة لها, فمتى ما اقترنت الحكمة والعلم بالعزة تحقق الهدف, فالله عزيز قويٌ قادر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, وهو حكيم يضع الأشياء في مواضعها, فمن رام حسن العواقب فليتحلى بالحكمة في كل ما يأتي وما يذر (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
اللهم أصلح أحوالنا وقلوبنا وأعمالنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الدين من الكفرة المجرمين والطغاة الملحدين الذين قتلوا العباد وسعوا في الأرض بالتخريب والتقتيل وأنواع الفساد اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم وأحبط سعيهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وجماعتنا بسوء فأشغله بنفسه ورُدّ كيده في نحره وافضح أمره واجعل عاقبته إلى وبال يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك ومدهم بعونك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك وحماة لشريعتك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |