الستر على النفس وعلى المسلمين
9/ 4/ 1441
الحمد لله المتفضل بالستر على من عصاه, القائل يوم القيامة
لعبده كثير الذنوب: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم, وأشهد أنه
لا إله إلا إياه, ولا معبود بحق سواه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, وصفيه وخليله ,
المبعوث ليتمم مكارم الاخلاق, صلى الله عليه وعلى آل بيته, وصحابته واتباعه
ومن تبعهم على الحق وسار على منهجهم في التلقي وسلم تسليما كثيرا.
(يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون )
أما
بعد : فإن خير الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي رسول الله , وشر الامور محدثاتها,
وكل محدثة بدعة , وكل بدعة في النار .
أيها الاخوة المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: تعاليم
الاسلام وآدابه, تعاليمٌ عظيمة تسعى لتحقيق كل خير ودفع كل شر, تقدم المصالح
العامة على الخاصة في أغلب مجالات الحياة مع عدم إهمال المصالح الخاصة, ولذى فإنها
أعطت كل ذي حق حقه, ومن أعظم تلك الآداب وهو حق للمسلم على نفسه وعلى
كل مسلم, ذلكم الادب الرفيع الذي بغيابه تحصل المفاسد وما لاتحمد عواقبه,
وبحصوله وإحلاله, وتطبيقه وانتشاره تحفظ الحقوق, ويأمن الناس على ضرورياتهم
الخمس: الدين, والنفس, والمال, والعرض, والدم, ويُصلحوا أخطائهم, ويُصححوا أو
ضاعهم بكل يسر وسهوله لان الدائرة ضيقة ويمكن احتوائها, ذلك الادب هو: أدب الستر
على العورات الحسية والمعنوية, سواءً كانت في حق المرء نفسه او لدى غيره, فالإنسان
وكل الانسان هو محل النسيان والخطأ, والتقصير والعيب, والضعف والعجز, والجهل
والظلم, كما وصفه الله تعالى بقوله: ( إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض
والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا ) وكما هو
حال ابينا آدم عليه السلام كما قال تعالى: ( ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم
نحد له عزما ) ومع هذا فإن الانسان إذا ارتكب شيء من الأخطاء فإنه يحرص كل الحرص
على عدم علم الناس فيه لعله يصلح أمره ويعود الى صوابه ورشده, وكثير ما يقع
أناس في بعض الاخطاء ولم ينتشر أمرهم ولم يفتضحوا فيعودوا ويصلحوا أحوالهم,
وأما من افتضح وشاع أمره فإن عودته الى الحق غالبا ما تكون أبعد وأصعب, وهذا معلوم
ومجرب, ولذا فقد حذّر الله تعالى المسلمين من إشاعة الفاحشة ونشرها ورتب على ذلك
الوعيد الاكيد قال تعالى: ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم
عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون )
وإن
لإشاعة الفاحشة اليوم ونشرها بين الناس طرق ووسائل عديدة تنوعت بتنوع وسائل
النشر الحديثة المعلومة, ومع الاسف اللامحدود أنه أصبح اليوم في المجتمع
أناس ليس لهم هم إلا تتبع العورات والاخطاء والهفوات ونشرها بين الناس عبر وسائل
الاتصال المعروفة, من جوالات وغيرها, ويتجنى بعضهم ويزيد في الامر ويحرص
على إيصاله لأكبر عدد ممكن, بل ويتبجح بذلك على أنه هو مصدر النشر والشر, وربما عد
ذلك ذكاءً ودهاءً وتميزاً, وما علم هذا وامثاله أنه ( ما يلفظ من قول
إلا لديه رقيب عتيد ) كل كلمة محصاه وكل فعل مرقوم, والمحاسب هو الله,
والجزاء من جنس العمل, فأين المفر, ولات ساعة مفر.
فالستر – أيها الاخوة – مطلوب في حدود المشروع، قال صلى الله عليه وسلم : "لايستر
عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة "
ولتعلموا أن
الستر على الناس على نوعين: ستر محمود وهو الستر على إنسان لم يجرب عليه خطأ ولم
يجرِ منه فاحشة وهو مستور الحال, فهذا لابد من الستر عليه ونصحه وبيان الحق له,
وخصوصا إذا كان ذا مكانة في المجتمع كما قال صلى الله عليه وسلم: "أقيلوا ذوي
الهيئآت عثراتهم".
والنوع الثاني من الستر ستر مذموم, مثاله: شخص مستهتر متهاون في أمور الدين والاخلاق
والشرف والعفة, متمادٍ في الغي والطغيان له تأثير على البعض فيما
يأتي من الشرور فهذا لايستر عليه أبدا, ولست له غيبة, بل يجب أن يبين أمره ويحذّر الناس
من شره, ويرفع شأنه إلى الجهات المعنية ليردع ويكون عبرة لغيره .
فالستر يتبع
المصالح, فإذا كانت المصلحة تقتضي الستر فالستر أولى, وإن كانت
المصلحة في الكشف وعدم الستر فهو أولى , وإن تردد الامر بين هذا
وهذا فالستر أولى . والله تعالى ستيّرٌ يحب الستر.
والنبي صلى الله عليه وسلم حث المسلم على الستر وإن وقع في شيء من الذنوب والمعاصي ولم
يعلم به أحد فليستر على نفسه, وليتب الى ربه " قال صلى الله عليه وسلم: "من
ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عليه" وصدّ عليه الصلاة
والسلام من أول مرة عن اعتراف ماعز الاسلمي, والغامدية حينما أتيا ليعترفا
بالزنا .
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا زنت الامة فتبين زناها فليجلدها الحد , ولا يثرب
عليها, ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها, ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو
بحبل من شعر" كل ذلك منه صلى الله عليه وسلم حفاظا على الأعراض
وحرصا على الستر بين الناس, فاستر المشروع كله خير, وعواقبه خير, والفضيحة شر
وهلاك, ولايهلك على الله الا الهالك.
اللهم
استر عوراتنا وآمن روعاتنا, وجنبنا مزالق السوء والفتن, والشرور والبلايا
يارب العالمين، بارك الله لي ولكم بما نقول من الحق ونسمع والحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
الخطبة
الثانية
الحمد لله ساتر العيب وغافر الذنب, محصي أعمال خلقه في السر
والغيب, القائل سبحانه: ( عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ
ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا
أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) وأشهد أن لا إله إلا الله إله
الأولين والآخرين, وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الأمين, صلى الله عليه وعلى
اله الطيبين, وصحابته الغر الميامين , والتابعين ومن تبعهم على الحق وسلم تسليما
كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد : فاتقوا الله عباد الله.
أيها الاخوة المسلمون: من أشنع الأمور وسفاهة العقول أن يكون
الشخص هو الذي يفضح نفسه بنفسه, ويكشف ستر الله عليه, فيعمد الى فعل ذنب كان
بينه وبين الله, أو فعل شيء مما لا يصلح لم يعلم به أحد من الخلق, ثم يقوم
بنشره -على جواله أو في بعض الاجهزة, أو في المجالس- وإعلام الناس
فيه وقد ستره الله ولو تاب فيما بينه وبين ربه لكان خيرا له, ولكنه الخذلان
والعياذ بالله, ومن كشف ستر الله عليه فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه
وسلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرون, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل
بالليل عملا , ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت
البارحة كذا وكذا , وقد بات يستره ربه, ويصبح يكشف ستر الله عليه " متفق عليه .
وإن من
الناس والعياذ بالله من يجاهر بالمعاصي ويدعوا إليها حتى يدخل في قوله تعالى: (
وجعلناهم أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لاينصرون ) ويدخل في قوله صلى
الله عليه وسلم " من سن في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى
يوم القيامة "
إن علينا – أيها الاخوة– أن نزن الامور بميزان الشرع والعقل, ونتجنب الذنوب والمعاصي,
ونبتعد عن كل ما يشيننا, وإذا وقعنا في شيء من هذه الذنوب فلنستر على أنفسنا
بستر الله ونتوب اليه, وإذا رأينا غيرنا كان الستر هو ديدننا , والنصح
والاصلاح منهجنا, نضيق دائرة كشف الأسرار إلى أقصى حد, ونعمل على إشاعة المحاسن
ونشرها, ونبعث الآمال, ونرجو حسن الستر والمآل, ونقرب أنفسنا والناس إلى الله
سبحانه, علّ الله أن يصلح أحوالنا ويستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا.
أيها الاخوة: أمر الله المؤمنين بالصلاة والسلام على
النبي الامين, فقال سبحانه وقد بدأ بنفسه وثنى في ملائكته وثلّث بكم ( إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
فامتثلوا الامر واحتسبوا الاجر, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على
ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد, وارض اللهم عن آل البيت الطاهرين, وسائر
الصحابة اجمعين, والتابعين, ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.
اللهم أعز المسلمين بالإسلام, وأعز الاسلام بالمسلمين, اللهم وأبرم لامة الاسلام أمر
رشد يعز وينصر فيه أهل الايمان والتوحيد والطاعة , ويذل فيه أهل الكفر والبدعة ,
ويهدى فيه أهل العصيان والجهالة, ويبعد ويكبت فيه أهل الفسق ودعاة الفساد
والرذيلة, ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر, اللهم وأصلح أحوال المسلمين
الحكام والمحكومين, اللهم من أرادنا أو أراد ديننا وأمننا وبلادنا وعلماءنا
وولاتنا وارزاقنا وشبابنا ونسائنا بسوء وفتنة, وكيد ونقمة , فاشغله
بنفسه ورد كيده في نحره يا قوي ياعزيز, اللهم أنت الغني ونحن الفقراء أنزل
علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، اللهم
عاملنا بما أنت أهله فانت أهل الجود والكرم ولا تعاملنا بما نحن أهله فنحن أهل
الذنب والتقصير, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار, وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا: http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|