الغفلة
الأسباب , والعلاج
18 / 3 / 1441هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر
الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أما بعد. فاتقوا الله عباد الله.
ايها الاخوة المسلمون: ها هي الأعوام تجري,
والايام تمضي , والساعات تتابع, وعجلة الحياة لاتقف, وسيرها حثيثا الى
الامام في عجلة, لاعودة الى الوراء البتة, ولو لدقيقة واحدة, ألا وإن من أسوأ
أو أسوأ ما يكون به الانسان في هذه الحياة هو: (الغفلة ) وعن أي شيء؟
عن كل ما امر الانسان الا يغفل عنه, ولكن هذه
حال الكثير من الناس كما بين الله تعالى ذلك بقوله: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) فالغفلة درجات, بل هي دركات,
فاسفل دركات الغفلات هي الغفلة عن رب البريات, وقد ذم الله تعالى ذلك وحذر
منه في كثير من الآيات فقال سبحانه محذرا نبيه من الغفلة: ( وَدُونَ الْجَهْرِ
مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ) وقال
تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ
مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ) .
كما نهى الله نبيه عن الاتصاف بهذه الصفة
القبيحة فقال سبحانه: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وكان امره فرطا )، وشبه الله الذين يغفلون عنه سبحانه بالبهائم
فقال تعالى: ( أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ
الْغَافِلُونَ ).
وبيّن سبحانه أن من اسباب دفع الهلاك عن الناس
عدم غفلتهم عن الله فقال سبحانه: (ذَٰلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ
الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) وقال سبحانه: ( فَأَغْرَقْنَاهُمْ
فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
فكان سبب إغراقهم هو غفلتهم عن آيات الله.
فالناس –ايها الاخوة- ينقسمون في غفلاتهم إلى أقسام:
أناس غافلون عن كل شيء، غافلون عن الخير وغافلون عن الشر, ليس
لهم هدف في هذه الحياة الا كأهداف البهائم تأكل وتشرب وتتناكح, ولا شك ان هذا
الصنف أو القسم مذموم وملوم ومحاسب ومعاقب.
وأناس غافلون عن بعض الخير فطنون
لبعض الشر, وهذا القسم أو الصنف يزداد اتصافهم على حسب قربهم وبعدهم من
الخير او الشر.
وأناس غافلون عن الخير كله فطنون
في الشر كله, فهؤلاء اسوء الانواع, وهم اعظمهم ذنبا وجرما وظلما, وهم في
الدرك الاسفل من دركات الغفلة.
فإذا رجعنا إلى أنفسنا –
ايها الاخوة - وعرضناها على هذه الانواع ولزاما علينا ذلك , فمن أي تلك الاصناف
نكون ؟ إنها والله المحزنة, والعرضة الكاشفة ,,,,,, غافلون نعم غافلون, وإنّا
لنال الفطنة والقلوب قاسية, والذنوب رانية, والمشاغل كثيرة, والآمال عريضة, والتسويف
هو السمة, والواعظ فاتر, والتكبر عن سماع الحق حاصل, نخوض ونلعب,
ونسرح ونمرح, ونعمل وكأننا معمرون, ولا كأننا لما نعمل ملاقون, غفلنا عن قوله
تعالى: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).
حقاً إن الغفلة قد استحكمت فينا, فصارت داء
عضالا, قد استعصى علاجه على الكثير منا إن لم يكن كلنا, فكيف حال غفلتنا عن
القرآن, أم كيف حال غفلتنا عن الاذكار الزمانية والمكانية, أم كيف حال غفلتنا
عن السنن والنوافل والمستحبات, أم كيف حال غفلتنا عن طلب العلم وتعليمه
والدعوة الى الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر, بل كيف حال غفلتنا عما
فرض الله علينا واوجب من اركان الاسلام والايمان والاحسان, وكيف حال
غفلتنا عن كل خير, ويا ليتنا نغفل عن ارتكاب الذنوب والمعاصي من غيبة
ونميمة وسب وغيرها بقدر ما نغفل عن ذكر الله من تسبيح وتهليل وتحميد ونحو ذلك.
ايها الاخوة: إن الناظر في حال
الغافلين عن الله وعن شرع الله يعلم ان هناك اسباب واسباب كثيرة وكثيرة لغفلتهم لو
يسلمون منها لسلموا من شر كثير, فمن تلك الاسباب: الجهل بعواقب الغفلة وان
الساعة التي تمر على المسلم في هذه الدنيا لم يذكر الله فيها ستكون عليه حسرة
وندامة يوم القيامة.
ومنها: الاهتمام المفرط بما حقه عدم الاهتمام
اصلا, وهذا ظاهر فقد اهتم الكثير منا بالكماليات والترف والترفيه واللهو وغير
ذلك اكثر من اهتمامهم بما فرض الله عليهم.
ومنها: قلة المعين على سلوك السبيل, ومجالسة
الغافلين اللاعبين الخائضين والبعد عن مجالسة الناس الصالحين.
ومنها: توفر الملهيات والمشغلات في هذا الزمان,
بل والمنهيات والمحرمات وسهولة الحصول عليها.
ومنها تزاحم الاعمال وكثرتها حتى أصبح الكثير منا
لا يدري بأي شيءٍ يبدأ يومه.
ومنها: كثرة المعاصي التي رانت على القلوب فحجبة
نور الفطنة والتبصرة عنها.
ومن ذلك وهذا من أهم اسباب الغفلة في
زماننا هذا: الانخراط الكلي والتام في وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام, وإعطاء
هذا الجانب الحيز الاكبر من الوقت بل عند بعضنا كل الوقت, فإذا قام من نومه مباشرة
بدا بهذه الاجهزة ولا ينكف عنها الا عند نومه, فكيف يجد هذا وقتا لذكر الله ويقضة
قلبه ؟
أسباب وأسباب أخرى كثيرة، وكثيرة
في حصول الغفلة لا يتسع المقام لذكرها كلها فالتمسوها وتعلموها واحذروها واتوا
بما يضادها وبعكسها فإنها اسباب علاج الغفلة.
ولا تكونوا ممن عناهم الله بقوله: (
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ
يَعْلَمُونَ).
بارك الله لي ولكم بالعلم والعمل , وجنبنا مزالق
السوء والزلل. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي نفى عن نفسه الغفلة فقال سبحانه:
( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون )، وقال: ( وما ربك بغافل عما تعملون )،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً
عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
ايها الاخوة المسلمون: بقي ان نعرف علاج الغفلة
واسباب التخلص منها بعد أن عرفنا شيئا من امرها واسباب حصولها.
فالغفلة داء ووباء خطير، وقد
قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء الا وانزل له دواء علمه من
علمه وجهله من جهله".
فهاكم – ايها الاخوة- اسبابا كفيلة بانّ من
علمها وعمل بها متوكلا على الله فيها, طامعا راجيا نتائجها وثمراتها
فإنه لن يخيب بإذن الله ابدا
فأول الاسباب: تحقيق التوحيد فبقدر ما
يفقد الواحد منا من التوحيد تكون نسبة الغفلة فيه, فاكثر الناس غفلة ابعدهم عن
الله, وابعد القلوب من الله القلب الغافل القاسي.
ومنها: العلم التام والمعرفة بالحكمة التي من أجلها
خلق الله الانس والجن وهي ما ذكره الله بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
ومنها: الالتجاء الى الله والتضرع
بين يديه بالإكثار من دعائه الا يجعله من الغافلين, وان يجعله من الذاكرين الله
كثيرا , فمن أكثر ذكر الله حيي قلبه, ومن حيي قلبه فطن لكل خير وحرص عليه, حتى يصل
الى ما قال الله في الحديث القدسي: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي".
ومنها: أطر النفس وإجبارها على تلاوة كتاب ربها
باستمرار, ولو ان يقرا المسلم مما يحفظ ولو من قصار السور يردد ذلك
كثيرا في حله وترحاله وذهابه وإيابه، فإنه لن يتقرب احد الى الله بأحب مما
تكلم به وذلك هو كتابه الذي تولى حفظه بنفسه فقال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
ومن ذلك: استعداد المسلم الدائم للنقلة من
هذه الدنيا الى الدار الآخرة, فواجب على كل أحد أن يكون هذا دائما نصب عينية وفيما
بين جنبه, ولا سيما من بلغ من السن عتيا, قد جاوز الخمسين أو الستين أو ما هو فوق
ذلك, واجب عليه أن يلملم متاعه وان يستعد لرحيله, مترقبا فجأة الأجل, فإن الموت لا
يستأذن الا الانبياء (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)
(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"أكثروا ذكر هادم اللذات" يعني الموت.
فاللهم ايقظنا من رقدتنا, وافقنا من غفلتنا,
واعمر قلوبنا بتذكرك , واشغل ألستنا بذكرك, واستعمل جوارحنا بطاعتك, ياذا الجلال
والاكرام.
عباد الله: امر الله المؤمنين من
الجن والانس اجمعين, أن يصلوا ويسلموا على سيد الاولين والاخرين, فامتثلوا الامر
واحتسبوا الاجر, وصلوا وسلموا على محمد ابن عبد الله تفوزوا بالشفاعة وتزدادا بها
رفعة .... اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم
انك حميد مجيد, اللهم وارض عن ال البيت الطاهرين, وعن سائر الصحابة اجمعين,
والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وكرمك يا اكرم
الاكرمين, اللهم اغفر لآبائنا وامهاتنا, اللهم اصلح احوال المسلمين في كل مكان,
اللهم احقن دمائهم وول عليهم خيارهم, وردهم الى الحق والتوحيد المبين, وأعذهم من
شرور الخلق يارب العالمين, اللهم وفق ولاة امورنا في بلادنا, واجعلهم فاعلين للخير
داعين اليه آمرين به, منتهين عن الشر محذرين منه ما نعين له, اللهم وابرم لامة الاسلام
أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية ويذل فيه أهل الكفر والفسق
والبدعة, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله : إن الله يأمر
بالعدل والاحسان وإتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم
تذكرون, فاذكروا الله على كل احوالكم يذكركم, ولا تكونوا ممن نسوا الله فأنساهم
انفسهم, وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله
يعلم ما تصنعون, وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|