التناكر بين الناس
16 / 4/ 1441
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من
يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً
عَظِيماً) أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أما بعد. فاتقوا الله عباد الله.
أيها
الأخوة المسلمون: إن معالجة المنكر تقتضي وصف الواقع المعيوش أولا, وحينما ننظر الى
واقعنا اليوم نجد فيه الكثير والكثير مما لم يكن معروفا عند الأسلاف, فمما هو ملاحظ
اليوم ظاهرا بينا حصول منكر التناكر بين الناس, بين أهل بلد واحد, بين الجيران, بين
الارحام, بل بين أهل البيت الواحد, ولا يستطيع
عاقل أن ينكر ظهور هذا الأمر وجلائه, بل وفشوه وانتشاره, ناهيك عن نتائجه وسلبياته.
تلتقي شخصا تعرفه ويعرفك جيدا تلتقيه يوما
متهللا مبتسما ترتسم على محياه علامات الخير والبراءة, ثم تفترقان على أحسن حال, فتمر
الايام ثم تلتقيه وإذا به عابس الوجه, مقطب الجبين, وربما أعرض عنك لا يلقي عليك السلام
أو ربما سلمت أنت فيصد عنك لا يرد عليك السلام, تتساءل والحالة هذه ما الذي حصل؟ وماذا
جرى؟ ترجع بالذاكرة الى الوراء قليلا لعلك تجد ما يبرر له ذلك, فلا تجد لصنيع صاحبك
أي مبرر, فتضطر أنت في موقف آخر حينما تلتقيه للتعامل معه كما تعامل معك في السابق
عملا بقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ)
وربما قوة الاستغراب وشناعة الموقف من هذا الشخص غيّب عن بالك العمل بتكملة الآية وهي
قوله تعالى: (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ) ومن هنا حصل في نفوس
الناس اليوم تجاه بعضهم البعض ذلك التناكر
المرير الذي بدوره قضى على معاني التعايش, وليته وقف عند هذا الحد, ولكنه ارتقى بدوره
بل انحدر إلى حصول التقاطع بين الأرحام, وسبب
الهيشات والمشاجرات, وما كان ينبغي أن يكون ما كان ولكنه التناكر.
وصدق
المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن الساعة كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي
الله عنه، فقال: "(عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ
هُوَ)، وَلَكِنْ أخبرك بِمَشَارِطِهَا، وَمَا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهَا، إِنَّ بَيْنَ
يَدَيْهَا فِتْنَةً، وَهَرْجًا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْفِتْنَةُ قَدْ
عَرَفْنَاهَا فَما الْهَرْجُ؟ قَالَ: "بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ"،
قَالَ: "وَيُلْقَى بَيْنَ النَّاسِ التَّنَاكُرُ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ أَنْ يَعْرِفَ
أَحَدًا".
وقد حصل التناكر بين الناس حينما بنيت العلاقات
على المصالح الدنيوية البحتة التي تبقى العلاقة ببقائها قوتا وضعفا, فإذا هي زالت زالت العلاقة, ويحصل التناكر
حينما تستولي المادة على النفوس, وتستحكم على العقول, ويعمل كل إنسان لحظ نفسه, غير
مكترث بشؤون الآخرين, وغير مبال بالنتائج, أو مفكر بالعواقب, فتبتعد القلوب عن بعض,
وبدورها تبعد الأجساد وهذا هو الحاصل اليوم, فقد وجد من الأقارب فضلا عن غيرهم من لا
يعرف قريبه فضلا عن أن تنشأ بينهم علاقة حب ومودة, والسبب في ذلك إضافة الى ما سبق
ذكره: انعدام القيم الأخلاقية والمعاني السامية بين الناس, وكذلك غياب الأخوة الإيمانية
والإحساس بالمسؤولية الجماعية بين المسلمين التي حث عليها الإسلام فقد قال صلى الله
عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ
مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ
وَالْحُمَّى" فحينما نقف عند ألفاظ هذا الحديث ونطبقها على الواقع, هل التواد
الحقيقي بين المسلمين موجود؟ بمعنى التواصل المستمر المبني على النية الخالصة والعمل
الصالح المجرد من حظوظ النفس الدنيوية, فيكون الحب في الله, والزيارة في الله, والوصل
لله, وكل شيء لله وفي الله, هل بذلت أسباب فشو المحبة والحفاظ على الالفة التي أشار
اليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا
وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ
تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ"، وننظر الى التراحم هل هو شائع
وموجد, أم الموجود ضده وهو التقاطع والتباغض والتحاسد!! وننظر إلى التعاطف هل هو شائع
أيضا يعطف الكبير على الصغير, والقوي على الضعيف أم الموجود هو: التسلط والاعتداء واكل
الحقوق والظلم!!.
كل عاقل – أيها الاخوة – يدرك هذه المعاني جيدا,
والأعجب من ذلك كله والأغرب: أن مريد الخير والساعي إلى تحقيقه لا يجد له على الخير
أعوانا الا من رحم الله مولانا, وربما وقف له بالمرصاد أقرب الناس اليه نسبا وصهرا
.
فلنتق الله في أنفسنا ولنحافظ على وحدتنا ببذل
كل أسباب الخير والبعد عن أسباب الشر ولنصبر ولنحتسب فإن الله لا يضيع أجر من أحسن
عملا.
أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا
الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا
مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بهدي سيد المرسلين وألزمنا
منهج الصحابة والتابعين وجمعنا بالسلف الصالح الطيبين, والحمد لله رب العالمين وصلى
اللهم وسلم على نبينا محمد وعى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وأشهد أن لا
إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله,
صلى الله عليه وعلى اله وصحابته وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله
.
أيها الإخوة المسلمون: كيف يقضى على أسباب التناكر
بين الناس؟ ويحل محله الود والمحبة والتراحم والتعاطف وكل معاني الأخوة الإيمانية؟
لا يكون ذلك أبدا والناس يجهلون تعاليم الإسلام, ويجهلون ما لهم وما عليهم, ويجهلون
عواقب الأمور ونتائجها, ويتنصل كل مسئول عن مسؤوليته من الدعوة والتوجيه والإرشاد والقوامة,
ولا يكون ذلك وأمر الأسر والبيوت بيد النساء والصبيان, ولا يكون ذلك والكبار يتحدثون
أمام الصغار في مشاكل الأسرة في مالا يعني الصغار دون تحفظ على بعض الأسرار, ولا يكون
ذلك في غياب التربية السليمة الصحيحة المبنية على الاحترام المتبادل, ولا يكون ذلك
في ظل الأنانية وعدم حب الخير للغير, ولا يكون ذلك في ظل السكوت على المنكرات والرضا
منها بالسلامة, بل لابد من السعي في إزالتها وتطهير المجتمع منها, ولا يكون ذلك في
وجود المفسدين بين الناس وبين الأرحام الحاسدين الحاقدين الساعين بالغيبة والنميمة
أعداء النجاح والناجحين, المخذلين المثبطين, أصحاب النفوس الدنيئة, والمقاصد السيئة,
ولا يكون ذلك في وجود من استحكمت الشكوك على عقله وقلبه فصارت نظرته سوداوية للمجتمع
لا يرى الا الشر ولا يتعامل مع الناس الا بالشر .
فلنتق الله- أيها الاخوة – وليسع كل منا في وئد
كل ما من شأنه إحداث التناكر بين الناس, ولنعلم أنه بحصول التناكر تكون الخسارة مشتركة,
والجحيم عام يصطلي بناره الفرد والأسرة والمجتمع بل والامة بأسرها. فلا خير يرتجى
والنفوس متناكرة, والقلوب منكِرة, والأجساد متفرقة (و اللَّهُ خَيْرٌ
حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
اللهم أصلح أحوالنا ورنا اليك ردا جميلا, اللهم صلّ على محمد وعلى آل
محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد, واللهم ارض
عن آل نبيك وأصحاب نبيك وأتباع الاصحاب ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وعنّا معهم
يا أرحم الراحمين, واللهم وأبرم لأمة الاسلام أمر رشد يُعز فيه أهل الايمان والتقى
والصلاح والاصلاح, ويُهدى فيه أهل العصيان والجهل, ويُذل فيه أهل الفساد والإفساد والبغي
والعدوان, ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر, اللهم وأصلح أحوال المسلمين الحكام
والمحكومين, اللهم وأصلح احوالنا وأرخص أسعارنا وولّ علينا خيارنا واكفنا اشرارنا,
وأعذنا من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ ). فاذكروا الله على كل أحوالكم يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم،
ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |