كثرة اللعن بين الناس
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ). أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: الظواهر السيئة بين الناس كثيرة, وما كان منها اشد ضررا وجب التنبيه عليه والتحذير منه أوجب من غيره, ألا وإن مما هو ظاهر بين الناس ومشاهد ومحسوس لا ينكر ما يحصل من الكثير من الناس من كثرة اللعن الممنوع والمذموم والدعاء بهذا على الغير وعلى المال والولد وربما كان ذلك على النفس أيضا, ويكون ذلك ويحصل لأسباب لا تستدعي الأمر بل قد يكون هذا لأتفه الأسباب, وهذا يلاحظ انه مندرج وبكثرة على ألسنة الشباب والنساء والجهال أكثر منه في غيرهم .
فلعلنا اليوم – أيها الإخوة – نقف مع هذه الظاهرة السيئة من عدة زوايا: تعريف اللعن, أسباب اللعن, عواقب اللعن, كيفية التخلص من اللعن.
فأما تعريف اللعن فقد قال أهل العلم فيه: اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله, فإن اللاعن إذا لعن أحدا فإنه يدعو عليه بأن يبعده الله ويطرده من رحمته, وهذا إن استجاب الله له فهو من أعظم الحرمان والشقاء على الملعون والعياذ بالله, فلا يناله خيرا أبداً.
وأما أسباب اللعن المؤدية إليه فهي على قسمين:
أسباب مشروعة, وأسباب ممنوعة وهي محور حديثنا اليوم, فالأسباب المشروعة ضابطها ما كان فيها نص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهذه الأسباب توقيفية لا يجوز لأحد أن يتعداها أو يتجاوزها, كقوله تعالى عن الشيطان: (لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة بالوصف من غير تعيين , ولعن جماعة بالتعيين, فأمثلة اللعن بالوصف كثيرة جاءت في عدت أحاديث منها: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه, والمصورين, ومن غير منار الأرض، ولعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها والدال عليها.
وأما أمثلة لعن المعين فمنهم ما تضمنه قوله صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ، وَرِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ".
وأما أسباب اللعن الممنوعة فضابطها: عدم استحقاق الملعون للعن, وهذا كثير وكثير جدا كالذي يلعن والديه بأن يلعن والدي إنسان آخر بغير حق فيرد عليه الآخر باللعن فيكن قد تسبب في لعن والديه، أو كمن يلعن أولاده فلا يناديهم إلا باللعن تعال يا ملعون اذهب يا ملعون، أو كمن يلعن ماله وما يملك من سيارة أو دابة أو مسكن, أو خادم و نحو ذلك, أو كالذي إذا ذُكر عنده أحد قال: ذاك الملعون , أو لعنه الله ... ونحو هذا، أو كمن إذا رأى أحدا عبر التلفاز أو غيره فلا يعجبه فتجده يلعنه وهو لا يستحق ذلك.
ومن أعظم ما يأتي اللعّانون به: لعنهم لأمر يتعلق بالدين كمن يلعن الكتب الدينية وكتب العلم أو يلعن معاقل العلم والتعليم كالمدارس , والمساجد ونحوها, أو يلعن شعيرة من شعائر الدين كاللحية, وقصر الثياب ونحوها, وهذا النوع من اللعن يكثر بين الشباب, حتى إنه يصل بالبعض أن تكون تحيّتهم اللعن وهذه علامة من علامات الساعة, وأما اللعن في النساء فحدّث ولا حرج فهو فيهن كثير وهو سبب من أسباب دخولهن النار, كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أُريتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النارِ. فقُلْن: وبم يا رسولَ اللهِ؟ قال: تُكثِرنَ اللَّعنَ، وتَكفُرنَ العَشيرَ".
وأما عواقب اللعن – أيها الإخوة – فهي سوء ووبال على الفرد والمجتمع على اللاعن والملعون، فاللعن من الكبائر ففي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأيناه أنه قد أتى بابا من الكبائر"، وروى أبو داوود "إنَّ العبدَ إذا لَعَنَ شيْئًا صَعِدَتْ اللَعنةَ إلى السَّماءِ، فتُغْلَقُ أبوابُ السماءِ دُونَها، ثُم تَهبطُ إلى الأرضِ، فتُغلقُ أبوابُها دُونَها، ثُم تَأخذُ يَمينًا وشِمالًا، فإذا لم تَجِدْ مَساغًا رَجَعَتْ إلى الذي لَعنَ فإنْ كان لِذلِكَ أهْلًا، وإِلَّا رَجَعتْ إلى قائِلِها"، وروى مسلم: "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"، وقال عليه الصلاة والسلام: "لعنُ المسلمِ كقتله" أي في الإثم.
ويترب على اللعن وكثرته أن يكون المسلم لعانا طعانا فاحشا بذيئاً, وكل ذلك قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه, وحرص على البعد عن اللعن وعن مصاحبة اللعانين والملعونين فقد جاء في الحديث: أن النبي كان في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خذ ما عليها ودعوها فإنها ملعونة".
فالحذر كل الحذر – أيها الإخوة من اللعن والسباب أياً كان والدوافع الأسباب.
اللهم أعذنا من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، وجنبنا أسباب سخطك وموجبات عقوبتك واغفر لنا ولوالدينا للمسلمين أجمعين إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد: أيها الإخوة المسلمون: يأتي السؤال المهم هنا, كيف نتخلص من اللعن ونحمي أنفسنا مما نحن واقعون فيه؟
فيمكن أن يقال في الجواب: أدرك أيها اللاعن أنك وقعت في كبيرة من كبائر الذنوب ليس لها كفارة سوى التوبة وقد قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِر مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ)، ثم إن على من تعود لسانه على اللعن وبذاءة القول أن يدرك جيدا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"، كما أن على من عود لسانه على اللعن أن يسعى جاهدا على أن يعود لسانه على الدعاء بالخير بدلا من الشر, وأن يعلم أن أبناءه وأهل بيته يأخذون منه ما يقول ويفعل ويقلدونه فيما يأتي ويذر، ولذا فإنا نجد رب الأسرة كثير اللعن، أهل بيته وأولاده على شاكلته يكثرون اللعن ولا يتخاطبون إلا به والعياذ ب الله.
وإن من أعظم الأسباب لمنع اللعن: أن يسال المسلم ربه بأن يجنبه السيئ من الأقوال والأعمال وبذاءة اللسان.
ثم إن على المسلم أن يعلم أنه متى ما لعن أحدا من أهل بيته أبناءه أو نحوهم أنه هو الخاسر الأول جراء حصول العقوق وقطيعة الرحم والمشاكل والشرور كلها, ولذا فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ, وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ, وَلا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ الله تبارك وتعالى سَاعَةَ نَيْلٍ فيهَا عَطَاءُ فَيَسْجِيبُ لَكُمْ"، يجمع ذلك كله – أيها الإخوة – تقوى الله في كل شيء فقد قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) ، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، ونعوذ بك من سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم إنا نعوذ بك من شر ألسنتنا، وطهرها من الكذب واللعن وبذيء الكلام يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الدين من الكفرة المجرمين والطغاة الملحدين الذين قتلوا العباد وسعوا في الأرض بالتخريب والتقتيل وأنواع الفساد اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم وأحبط سعيهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وجماعتنا بسوء فأشغله بنفسه ورُدّ كيده في نحره وافضح أمره واجعل عاقبته إلى وبال يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك ومدهم بعونك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك وحماة لشريعتك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.