لماذا كثير من الناس لا يستفيدون من خطبة الجمعة ؟
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي
محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أما بعد. فاتقوا الله
عباد الله
ايها
الاخوة المسلمون: جئتم وحضرتم الى هذا الجامع
لسماع الخطبة ولأداء صلاة الجمعة, لا احد اجبركم ولا اكرهكم ولا اخذ العصا عليكم, بل جئتم بطوعكم واختياركم , لبيتم داعي الله: حيا على الصلاة, واجبتم نداء الله ( فاسعوا الى
ذكر الله ) ترجون رحمة الله التي قال فيها ( ورحمتي وسعت كل شي ) وتخافون عذاب الله
الذي قال فيه ( ... إن عذابي لشديد ) ليس لمجيئكم تأويل ظاهر سوى الايمان بالله ربا
وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا, والسرائر الى الله تعالى
( إذا بعثر ما في القبور*وحصل ما في الصدور*إن ربهم بهم يومئذ لخبير )
ما اجمل الحياة إذا غذيت الارواح بتعاليم الاسلام
, وانقادت الجوارح لما تمليه العقائد الحقة الاعلام , والعبادات العظام , والمعاملات
ذات اتقن نظام, وأنّا لشخص يجد هذا بغير شرع الله الملك العلام .
ايها
الاخوة: خطبة الجمعة يستفيد منها الكثير, وهي موعظة الاسبوع, في الوقت الذي نجزم انه لا يستفيد منها الكثير. وهنا نتسائل لماذا الكثير من الناس لا يستفيدون
من خطبة الجمعة ؟ وما السبيل الى الاستفادة
من خطبة الجمعة ؟ حقا إنها مشكلة وسلبية,
وربما تكون ظاهرة تحتاج منا ان نتعرف على كل ما يتعلق فيها , فنتعرف على الاسباب ,
ونعالج الامر, ونصحح المسار, فارعوا اسماعكم واحضروا قلوبكم واستعينوا بربكم عل الله ينفعنا بما نقول ونسمع
!
ايها الاخوة: الجمعة تقوم على ثلاثة يمكن ان نسميها ركائز او
اركان,
الاول : هو الخطيب , والثاني: هو عنوان او موضوع الخطبة, والثالث: هم الحظور
أي المستمعين المصلين, فإنه لايتصور خطيب بلا خطبة, او خطيب وخطبة بلا جماعة, او
خطبة وجماعة بلا خطيب, بل لابد من تكامل هذه الاركان او الركائز كلها .
وحتى نكون اكثر دقة, لنحصل على اكثر فائدة, فإن
الامر يتطلب منا ان نقف مع كل ركن من هذه الاركان
على حدة , فأول الاركان وهو: الخطيب, فخطيب الجمعة يجب أن يكون مؤهلا لهذا المقام الذي
حباه الله فيه, وقام مقام النبي صلى الله عليه وسلم حيث انه ما أمر الناس بالاستماع
الى احد من الناس امر ايجاب كما امروا ان يستمعوا الى خطيب الجمعة, بل إنه من انشغل
بشيئ عن سماع كلام الخطيب اثناء الخطبة كمس الحصى والعبث بالفرش والملابس ونحوها, او تكلم والامام يخطب, حتى من
قال لصاحبه: انصت فقد لغى ومن لغى فلا جمعة
له , فعلى الخطيب ان يدرك عظم هذه المسؤولية, فيعمل على كل شيئ من شانه إبراء ذمته
ونفع الناس, فيكون قدوة بنفسه مقتديا بنبيه
صلى الله عليه وسلم في كل شيئ, ملما بالعلوم الشرعية, فقيها بالاحكام, عاقلا حكيما
حليما بعيد النظر لا تؤثر فيه الحوادث والاحداث
سلبا فتخرجه عن الحد المشروع , متابعا لما يحدث
في الواقع مما يهم الناس امره حتى لا
يجهل او يتكلم بما لايعني, حسن المظهر, حسن السيرة, ذا سنة ومنهج سلفي , يعرف كل ما
يدور في محيطه ولا يتحدث الا فيما فيه الخير والصلاح, حائزا على كل شرف رفيع , مترفعا
عن كل ما يشينه او يمقت عليه, فإذا كان الخطيب
بهذه المثابة والاهلية, وواجب عليه ان يكون كذلك
فقد تحقق المراد من الركن او الركيزة الاولى.
والاخلال
بذلك كله او بعضه له اثر سلبي على الخطيب نفسه وعلى من يستمع اليه.
وأما الركن الثاني وهو: موضوع الخطبة فهو الامر
الذي يجب ان يحوز على كل اهتمام الخطيب ويوليه عناية فائقة تتمثل : بمراعات المناسبة, وحال الحضور, والوقت , واختيار الكلمات والعبارات والالفاظ المحققة للهدف, وعلى
الخطيب ان يركز على المواضيع ذات القواسم المشتركة بين الناس والتي لايستغني عنها أي احد, بل يحاجها , بل تلزم كل مسلم كأمر التوحيد
والعقيدة, وتجلية الامور المشتبهة , وترسيخ قواعد هذا الدين واصوله, وإيجاد الحصانات
المسبّقة للفتن والتحذير منها, فإن الوقاية
خير من العلاج.
هناك مواضيع يسميها البعض : زائدة الحساسية, من لم يحسن الحديث عنها ربما يجيئ بما لايصلح وبما
لاتحمد عقباه , وهي الاحاديث عما يدور في واقع الناس اليوم وبعد اختلاط الحابل وبالنابل وانفتاح وسائل الاعلام والتواصل على الجميع وإتاحة الفرصة لكل من اراد ان يهرف بما يعرف وبما
لايعرف فهذه المواضيع ربما لايكفي فيها التلميح
والحديث بالعمومات بل يلزم الامر ان توضع النقاط على الحروف وتسمى الاشياء بمسمياتها
, وليس في الحديث عنها باس إذا احسن الخطيب عرضها بقالب مقبول , فالكثير من هذه المواضيع
مشاكل عامة او خاصة ولايكفي في المشكلة عرضها وتشخيصها دون إيجاد لحلولها فإنه امر سيئ, والاسوء منه ان البعض من الخطباء
يجيّر تلك الاحداث والمشاكل لتحقيق اهداف له
مشينة فيستغل حدوثها لاحقاق باطل او ابطال
حق وهذا ما يعمل عليه اصحاب البدع والمناهج المخالفة لمنهج اهل السنة والجماعة, ومن
هنا فإنه يلزم الخطيب الا يكون إمعة إن احسن الناس احسن وإن اساؤوا اساء, ولا يكون خطيب عامة يخاطب رغبات العوام والجهال
وغوغائية الناس, ولايكون خطيب دولة يدور مع رغبات السلطان ولو كانت مخالفة للشرع, بل
يجب عليه ان يكون خطيب ملة حاكمه الدليل وقائده
الرسول, يعرف الحق ويعرف كيف يوصل الحق , لايطلب
رضى الناس بسخط الله, بل طالبا رضى الله ولو
سخط الناس , متمثلا قول الله تعالى ( ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرت اعين واجعلنا
للمتقين إماما )
بارك الله لي ولكم بكل نافع
ومفيد, ووفقنا للزوم المنهج والتوحيد، أقول
ما سمعتم, والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
الخطبة
الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , واصلي واسلم على من ختمت به رسالات السماء, صلى الله
عليه وعلى آله الطيبين, وصحابته والتابعين,
ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين، اما بعد فاتقوا
الله عباد الله .
ايها الاخوة المسلمون: بقي الكلام على الركيزة
او الركن الثالث وهم الحضور والمصلون وانتم معنيون بذلك, فحتى نستفيد من خطبة الجمعة
ونخرج بقلب واعمال وعلم وعمل وحال افضل مما كنا فيها من قبل سماعنا للخطبة فلا بد ان
نراعي امورا كثيرة فمن اهمها ما يلي:
اولا: علينا الاستعداد ليوم الجمعة من ليلة الجمعة وذلك بكثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه
وسلم في ليلة الجمعة, وقراءة سورة الكهف,
وحضور صلاة الفجر في المسجد, والاستماع لسورة السجدة والانسان بتركيز وحضور قلب والتي
يسن للامام ان يقرأ بهما في صلاة الفجر ليوم
الجمعة, والغدو الى المسجد مبكرين, مع الاغتسال ولبس احسن الثياب والطيب والسواك , والدنو من الامام, وندرك ان كل هذه المقدمات ما شرعت الا للاستعداد
لاهم شيئ في يوم الجمعة وهو استماع الذكر إذ ان النفوس إذا هيئة لشيئ حققت مرادها منه
والعكس بالعكس. والفرق ملاحظ بين من كان هذا
حاله وبين من لم يحضر الا بعد فوات الخطبة وربما فاتته الصلاة عياذا بالله من حال السوء .
ثانيا : لا بد ان نستشعر اننا في عبادة حال سماعنا
للخطبة وهذه العبادة شعيرة من شعائر الله وقد قال الله سبحانه ( ومن يعظم شعائر الله
فإنها من تقوى القلوب) وقد نهينا عن الانشغال بغير السماع نهي تحريم , وسواء كان الموضوع
يعنينا في الوقت الحاضر او لا يعنينا, فقد
نكون في يوم من الايام او في حال من الاحوال معنيين بهذا الموضوع, وحسبنا انه علم وسماع
العلم مطلب شرعي, والتفريط فيه إضاعة ومذمة.
ثالثا: علينا الابتعاد عن كل قصد ونية سيئة كما
يحصل هذا عند البعض من تركيزه على النقد وتتبع العثرات والزلات والنواقص كي يتصدر المجالس
بعد الجمعة ويطلق العنان للسانه يفري بالخطباء,
ولا تجدون هذا الا في اناس لديهم من التقصير في الدين الشيئ الكثير فهم كما قيل: يرى
القذاة في عين اخيه ولا يرى الجذع في عينه.
رابعا:
علينا ان نتذكر قول الله تعالى ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) فمن لم ينتفع بالذكرى
في خطبة الجمعة حيث شرف الزمان والمكان والمناسبة فعليهان يراجع إيمانه, فإن الله
وصف المنتفعين بالذكرى بالمؤمنين, ومفهوم المخالفة انه: من لم ينتفع بالخطبة فليس
بمؤمن.
خامسا: علينا ان ندرك جيدا ان كل واحد منا لديه
امر او مشكلة او قضية يعاني منها سواء كانت
صحية او اسرية او مالية او غير ذلك, ويوم ان يكون الكلام دائما عنها في كل خطبة لا
عن غيرها, ولذلك يتبرم وربما ينزعج الكثير
حينما يسمع الخطيب يتكلم في موضوع يرى انه لايعنيه ولا يعالج مشكلته, وقد يكون الموضوع يعالج مشكلة
عامة تهم المسلمين كلهم فهي اولى واحرى واهم , والخطيب ليس بوسعه الحديث عن مشكلة كل واحد على حدة .
وهناك
اشياء اخرى تهمنا في تهيئة انفسنا للاستفادة من خطبة الجمعة ابحثوا عنها والتمسوها وطبقوها فكل منا اعلم بحال نفسه وبما يصلحها من غيره ( بل الانسان على نفسه بصيرة )
.
الا وصلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه
( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
) اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين
إنك حميد مجيد
اللهم اصلح احوالنا وردنا
اليك ردا جميلا, اللهم وفقنا فيما نات وما نذر
وجنبنا شرور انفسنا وشرور البشر, والهمنا رشدنا وأجرنا من عذاب الاخرة وفتنة الدنيا, اللهم اصلح احوال المسلمين الحكام
والمحكومين, واللهم ولّ على المسلمين الاخيار واكفهم اللهم شر الاشرار وكيد الفجار
والكفار, اللهم وفق ولا امورنا في بلادنا وقرب اليهم بطانة الخير, اللهم وفق جنودنا
المرابطين على حدودنا وانصرهم نصرا مؤزرا,
اللهم احقن دما المسلمين في كل مكان يارحيم يا رحمن , ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الاخرة حسنة وقنا عذاب النار 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا: http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|