خطبة جمعة حسب ما جاء فيها من تعميم
التحذير من النعرات الجاهلية
بسم الله الرحم الرحيم
الحمد لله المتفضل بالنعم دافع الشرور والنقم ، خلق الإنسان من ماء مهين ، وعلمه البيان المبين ، وجعل التفاضل بينهم بالتقوى ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لابيض على اسود ولا لغني على فقير إلا بما يقرب للمولى . واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى . واشهد ان محمدا عبده ورسوله الهادي إلى الطريق الأمثل والأقوى . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
اما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فمن اتقاه وقاه وجعل له من كل ضيق مخرجا ــــ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظما .
عباد الله : لما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وبزغ فجر نور الإسلام وقد كان الناس قبل ذلك في جاهلية جهلاء وضلالة عميا ، فلم تكن لهم مرجعيات سليمة صحيحة بل تحكمهم التقاليد والعادات ، ولم يكن هناك حق إلا عند بقايا من أهل الكتاب ، فلما جاء الإسلام أبقى على العادات الحميدة كحسن الجوار والوفاء بالعهد الشجاعة والكرم ...وغيرها ، وهذب البعض وألغى ما لا يصلح .
وقد كان من أبشع ما كانوا ينتحلون وبها يتمسكون نعرات جاهلية يعتزون بها ويفتخرون بها حتى توارثها الناس إلى يومنا هذا ، ولذلك اخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها وأنها ستبقى في أمته فقال عليه الصلاة والسلام : ثلاثة في أمتي لا تزال فيهم من أمر الجاهلية ( الطعن في الأنساب والفخر في الاحساب والنياحة على الميت ) ففي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه الصفات كانت موجودة في أمته وان الناس لا يزالون متمسكين بها . حتى كانت تقوم الحروب الطاحنة بين القبائل : قتل ،ونهب ،وسلب ،وغدر، وخيانة، من اجل كلمة أو قصيدة شعرية ، ومن آخر ما كان في هذا لشأن يوم بعاث الذي كان بين الأوس الخزرج في يثرب قبل الإسلام ، وقد كان ذلك اليوم توطئة لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد دارة رحى الحرب بينهم نحوا من مائة عام وفي ذلك اليوم يوم بعاث قتل صناديد القبيلتين . وأخبار العرب في ذلك كثيرة وكثيرة جدا .
ايها الاخوة : لقد جاء الإسلام بكل ما يعود على الناس بالخير والنفع العاجل والآجل ، وأرسى وأسس مقومات هذا الدين ، وجعل أخوة الإسلام والإيمان بين الناس هي أقوى الروابط بينهم لتبني أقوى جسور مقومات بناء اللحمة بين أبناء الأمة الإسلامية
و لتذوب وتضمحل كل الفوارق إلا فارق التقوى ، وجاءت نصوص الكتاب والسنة في ذلك وايضاحة والأمر به والدعوة إليه فقال تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) وقال تعالى ( والمؤمنون المؤمنات بعضهم من بعض ) وقال سبحانه نافيا الأخوة الإيمانية في حق من كان اقرب الناس إلى المسلم إن كان غير مسلم ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ................... الآية ) ، وقد جمع الإسلام بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر وبلال وصهيب وسلمان الفارسي ، وفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وأبي طالب وأبي جهل وهم من اقرب الناس إليه وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول ( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ).
ولأهمية الأخوة الإيمانية ، ولما لها من دعم لمسيرة العمل الإسلامي، والدعوة إلى الله ،فقد كان من أول ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم حال قدومه المدينة النبوية مها جرا أن آخى بين المهاجرين والأنصار ، فكان لهذه الأخوة الأثر البالغ في أزالت جميع الفوارق إلا فارق التقوى ، وزالت بذلك آثار الجاهلية المقيتة .
أيها الإخوة : بقية من بقايا تلك الجهالات والنعرات مسايرة لوسائل العصر الحديث ، هي دعوة للفخر بالا حساب والطعن في الأنساب والترفع على عباد الله والتكبر والخيلاء ، تؤدي إلى الفرقة والشتات ، والتشاحن والاختلاف والاعتزاء بالجاهلية المقيتة وقد انتشرت في المنطقة بشكل ملفت للنظر ما جعل ولى الأمر وفقه الله يأمر بتوعية الناس على الأضرار المترتبة على هذه الظاهرة ، وهي إن بعض الشباب هداهم الله يقوم بكتابة رموز تدل على قبائل معينة يعرفونها بينهم مضيفين إلى ذلك أرقام الجولات على السيارات ، والدوافع من وراء هذه الأعمال المشينة لا يخفى على الكثير ، وهؤلاء الشباب البعض منهم يدرك الهدف جيدا والبعض منهم إنما هو التقليد الأعمى ليس إلا ،
أيها الإخوة : قد يوجد من بيننا الآن من الشباب من يفعل ذلك ، والكثير منا من يرى ذلك بعينه بل ويعرفهم بأعيانهم وقد يكونوا من أقربائه وجيرانه .
ويحسن توجيه الخطاب إلى النوعين كل على حده فيقال للنوع الأول ممن هذا شانه ياعبد الله : استمع لهذه النصوص الشرعية إن كنت ممن إذا سمع الله يقول ......قال سمعنا واطعنا.. قال الله تعالى ممتنا على المؤمنين بنعمت الألفة بعد الفرقة والأخوة بعد العداوة ( ياءيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) وقال صلى الله عليه وسلم بعد قسمه لغنائم حنين : الم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي . ولما حصل في احدى غزواته صلى الله عليه وسلم شجار بين رجل من المهاجرين وآخر من الأنصار صاح الأنصاري يا للأنصار وصاح المهاجري ياللمهاجرين قال عليه الصلاة والسلام : أبدعوا الجاهلية وأنا بين أظهركم ، دعوها فإنها منتنة .
وقال عليه الصلاة والسلام : من دعا بدعوى الجاهلية فاعضوه بهني أبيه . والأحاديث بهذا الشأن كثيرة جدا .
ونقول لمن عافاه الله من جهالات الجهال : إن لكم دورا كبير في السعي في الإصلاح تجاه هذه الظاهرة ، فليقم كل منا بدوره قدر استطاعته ، فمن تلك الوسائل : مخاطبة هؤلاء مشافهتا وبيان خطر ما يأتون من ذلك ، ويكون أيضا بنشر الوعي بين الناس في المجالس العامة والخاصة ، ويكون أيضا بالسعي لجلب الدعاة والمصلحين للمدارس وأماكن تجمع الشباب متى كان الزمان والمكان مناسبا للتذكير ، ويكون الدور أيضا بالاتصال باهليهم وذويهم وأهل الحل والعقد من تلك القبائل ............
ووسائل الإصلاح والتحذير من هذه الظاهرة كثيرة ، ويمكن استشارة أهل الخبرة والعلم . فلا يحقرن ــ أيها الإخوة ــ احدنا شيء من المعروف في سبيل الإصلاح ، فرب كلمة جعل الله فيها خيرا كثيرا .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( ياءيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....................................
الخطبة التالية لسابقتها
الحمد لله المنان بالإحسان على الإنسان ، خلقه من نطفة أمشاج فجعله نسبا وصهرا ، واشهد إن لااله إلا الله وحده لاشريك له رفيع الدرجات قدرا وقهرا ، واشهد إن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحابته وعلى من سار على نهجهم قولا وعملا ن ، وسلم تسليما كثيرا .
أيها الإخوة المسلمون : اتقوا الله حق تقواه ، واستمسكوا من دينكم الإسلام بعروته الوثقى ومنتهاه الا وهي لااله إلا الله .
عباد الله : إن النعرات الجاهلية التي تبنا على الفخر بالا حساب والطعن في الأنساب لها ولاشك آثارا سلبية ، ومفاسد عظيمة ،على الفرد والمجتمع فمن هذه الآثار التي ينبغي التنبيه عليها :
اولا: مخالفة أومر الله وأومر رسوله صلى الله عليه وسلم التي تأمر بالأخذ بأسباب الأخوة والألفة بين المسلمين ، وتأمر بالبعد عن كل ما من شأنه إحداث العداوة الفرقة والشحنا والبغضاء.
ومنها انشغال الشباب وانصرافهم عما خلقوا من اجله وهو عبادة الله وحده لاشريك له ، وكذلك انشغالهم بسفا سف الأمور وسقطات الأخلاق عما يؤمل فيهم من النهوض بالأمة إلى معالي الأمور .
ومنها : تربية الناشئة على العداوات فيما بينهم فلا تجد احدهم إلا شيطانا يبحث عن الهيشات ويسعى لها ليؤجج نارها غير عابئ بعواقب الأمور .
ومنها تكثير الجرائم في المجتمع ما يؤدي إلى فقد الأمن وحفظ حقوق الناس .
ومنها : إشغال الجهات المعنية عن أمور نحن بحاجة ماسة إلى تظافر الجهود في إصلاحها .
ومنها إهدار للأموال الطائلة في هذا الشأن .
ومنها : نزع حجاب الحياء عند هذا النوع من الأشرار وعدم احترامهم لمشاعر الناس .
ومنها : الجرأة على تعدي ضوابط الأعراف الحسنة والتقاليد الجميلة .
ومنها : حدوث الانتقامات والضغائن والتشفي من الغير بمجرد انه من القبيلة الفلانية.
كل هذه المفاسد وغيرها كثير تحصل إذا لم يقض على هذه الظاهرة الخبيثة ، ولا يتم ذلك إلا بتعاون الجميع والإسهام بالإصلاح كل حسب قدرته واستطاعته .
الا فاتقوا الله عباد الله واعلموا ان خير الكلام كلام الله .................إلى آخر الدعاء |