( بعث الأمل في النفوس , والبشرى بما عند الله , والحث على التوبة)
الحمد لله ذي المن والكرم والعطا , خزائنه وافرة ملئ , ويده سحاء الليل والنهار, لا تغيظيها نفقة على مر الدهور والاعتصار , واشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى حسن المآل , صلى الله عليه وعلى آله وصحابته والآل , والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا 0
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله
( يائيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
أيها الإخوة المؤمنون : ابشروا بفضل الله , ففضله عليكم واسع , ورحمته وسعت كل شيء , من عليكم بالإسلام فوهبكم أياه قبل أن تسألوه , فأخرجكم من بطون أمهاتكم على فطرته التي فطر الناس عليها , ووفقكم لأبوين لم يهوداكم , ولم ينصراكم , ولم يمجساكم , وقد أمركم ربكم بشكره وشكر والديكم فقال سبحانه (..... أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) 0 أبشروا يا عباد الله , فقد آمنتم إذ كفر الناس , ووحدتم الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته إذ أشرك الناس , وتمسكتم بسنة نبيكم إذ ابتدع الناس , وسرتم على نهج السلف الصالح إذ انحراف الناس , وامتثلتم نداء الله إذ أعرض الناس 0 عمدتم إلي المساجد فصليتم , والى كتاب ربكم فتليتم , والى صلة الرحم فوصلتم , والى بر الوالدين فبررتم , والى كل باب خير فمنه بسهم ضربتم 0
إنكم في بيت من بيوت الله تنتظرون فريضة من فرائضه , لم تأووا إلى المسجد تحت ضغط أحد من الناس , ولكنه باعث الإيمان بالله ووازع الخير , والطمع والرجاء في موعود الله القدير , والرهب والحذر من وعد الله ومن كل شر 0 إن متم على ما أنتم عليه فقد ربحتم الربح كله , ثبتكم الله أحوج ما تكونون إليه ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .....) 0 تجتازون امتحان القبر بالإجابة على أسألته وامتحانه : ربكم الله , ودينكم الإسلام , ونبيكم محمد صلى الله عليه وسالم 0 في الموقف العظيم يظلكم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله , لأنكم ممن عُـلق قلبه في المساجد 0 تجتازون الظلمة دون الجسر, جزاء ما اقتبستم من نور الله في الدنيا , تمرون على الصراط على قدر أعمالكم , وقد اتيتم أفضل وأعظم ما طلب منكم ومن الخلق , وهو عبادة الله وحده لا شريك له , وقد وعد الله بمغفرة جميع الذنوب إن مات الإنسان لا يشرك بالله شيئا قال سبحانه ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) تنتظركم جنة عرضها السماوات والأرض , فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت , وخطر على قلب بشر , يُحل الله فيها رضوانه على أهلها فلا يسخط عليهم أبدا , ولديه مزيد 0 وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أمة الإتباع ببشائر الخير , فعن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة , وأربعون من سائر الأمم قال أبو عيسى الترمذي هذا حديث حسن 0 وعن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة نحوا من أربعين فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قالوا نعم . قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ قالوا نعم. قال أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة ؟ إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة . ما أنتم في الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود , أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح 0 وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه 0 وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا .
أيها الإخوة : ان الله طلب منكم القليل , ووعدكم بالخير الكثير والجليل , فأبشروا وأبشروا , واستعينوا بالله على مرضات الله , واعلموا أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته فألله ألله يا عباد الله بما يرضي الله . ( وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدة للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس الله يحب المحسنين ) . بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة , ورزقنا حسن الإتباع للملة . أقول ما قد سمعتم , واستغفر الله لي ولكم 0
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى , وأشهد أن محمد عبده ورسوله المصطفى , صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا 0 أيها الإخوة المسلمون : أحبوا الله من كل قلوبكم , وابعثوا الأمل في نفوسكم , ولا تيأسوا من روح ورحمة ربكم , فان الله لا مكره لكم , فهو القائل سبحانه ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما ...) قال ابن سعدي رحمه الله : .... وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه , فإذا أنبتم إليه , فأي شيء يفعل بعذابكم ؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم , ولا ينتفع بعقابكم , بل العاصي لا يضر إلا نفسه , كما أم عمل المطيع لنفسه . أهـ 0 لقد أسرف أناس على أنفسهم فارتكبوا أنواعا من الذنوب والمعاصي حتى أثقلت كواهلهم فبعثت الإحباط لديهم , ولكن في قلوبهم صوت الملامة مرتفع , وواعظ الخير لم ينقطع , يحدثون أنفسهم ويمنونها , هل لنا من توبة ورجوع إلى الله ؟ ما السبيل إلى ذلك وكيف الطريق ؟ هاهي قد جاءتكم يا من هذا حالكم ( وكلنا كذلك – إلا من رحم الله ) فاقبلوها وأبشروا , ألا فابشروا , ناداكم الله بأحب الألقاب إليه وأشرف مقامات الإنسانية لديه, النداء باسم العبودية , فقال ربنا جل في علاه ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له .....) للآية سبب نزول وهو: ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا و أكثروا، و زنوا و أكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه و سلم فقالوا:إن الذي تقول و تدعوا إليه لحسن , لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل ( و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون) و نزل ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) 0 ففي هذه الآية إثبات سعة رحمة الله على عباده , وفيها : أن القنوط من رحمة الله من أكبر الذنوب , حيث نهى الله عنه , وفيها : عاجل البشرى لمن أسرف على نفسه بالذنوب ما دام أنه في زمن الإمهال فان الله يغفرها , بل إن الله يقلبها حسنات كما قال سبحانه ( فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) فيتوجب المبادرة إلى التوبة ( قبل أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين* أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ) 0
اللهم من علينا بتوبة نصوح قبل الموت , وتوفنا وأنت راضٍ عنا ........
..... إلى لآخر الدعاء 0
|