الحسين بن علي رضي الله عنه
فوائد من سيرته واستشهاده
14/ 1/ 1441هـ
إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً
سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد: فإن خير
الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل
بدعة ضلالة أما بعد.
فيا
أيها الاخوة المسلمون: مضى على يوم عاشوراء هذا العام أيام قليلة ولم تزل الالسنة رطبة
في الحديث عن ذلك اليوم, والقلوب الطاهرة تتلذذ بذكر الاحداث فتأخذ من الايجابيات زادا
ومزادا يحدوها للمزيد من الخير, وتأخذ من السلبيات عبرا ودروسا تحذرها من الشر.
وإن ذا صلة بالأمر تجعلنا نقتنص الفرصة حيث التفريط
فيها إضاعة، فدعونا –أيها الاخوة– في هذا
الموقف نتعرف على شيء من سيرة ذلك الصحابي الجليل فارس موقف عظيم كتب موقفه بدمه ليبقى
منقوشا في الذكرى ابد الآباد: إنه الحسين بن على بن أبي طالب، وابن فاطمة بنت نبي الله
محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين, ووالله إن الشعور بالحياء والخجل والتقصير
وعدم الانصاف في حق هذا الفارس الصحابي الجليل
ليعتلي من يريد ان يختزل سيرته في دقائق معدودة, ولكن ما يسلي النفس أن المتحدث وفي
هذا الوقت القصير يمكن أن يلملم اطراف الموضوع ويوصل للمستمع الخيوط الاولى التي تبعث
في نفسه الحماس للتطلع الى معرفة المزيد والمزيد, ولعل ما نحن في صدده الان من هذا
القبيل, وحتى نكسب الوقت – ايها الاخوة- ندلف الان الى المبتغى فنقول: الحسين بن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه,
ليس ثمت مسلم على وجه الارض الا وطرق اذنه هذا الاسم, وجل الناس بل وكلهم الا القليل
منهم من يعرف تفاصيل سيرة هذا الصحابي الجليل, فهو أحد ابناء علي بن أبي طالب من فاطمة
بنت نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم, وهو أصغر من أخيه الحسين بعام واحد تقريبا,
ولد في المدينة في شعبان من السنة الرابعة للهجرة, ترعرع في بيت النبوة ونشأ فيه وهذا
كاف مغن عن التفاصيل الأخرى فحسبه أن جده سيد الخلق أجمعين, وهو وأخوه الحسن ريحانتا
رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهما سيدا شباب اهل الجنة, وله أخوة من أبيه غير الحسن,
وكان عمر الحسين حينما توفي النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من ست او سبع سنين, وتوفيت
أمه فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر, وقد اوصى النبي
صلى الله عليه وسلم عليا بالحسن والحسين خيرا, انتقل الحسين مع ابيه من المدينة الى
العراق وعايش الاحداث التي وقعت لوالده علي رضي الله عنه كمعركة صفين والجمل, ومرت
الايام وعاد الى المدينة النبوية بعد أن تنازل اخوه الحسن بالحكم لمعاوية رضي الله
عنهم اجمعين, واستقر هناك الى أن بويع بالحكم ليزيد بن معاوية فلم يرض تلك البيعة ولم
يبايع ليزيد, وبعد أمور حصلت انتقل بأهله الى مكة, ومرت الايام وحصل من يزيد ما حصل
من تجاوزات ومخالفات لم يرضها الكثير والكثير من الناس حتى انه لم يعد لدى الكثير صبر
على تلك الامور المخالفة للشرع والانتهاكات العظيمة وكان من بين الناس الذين لم يرضوا
ما يأت يزيد: اهل العراق , فما كان منهم الا كتبوا الى الحسين بن علي بأنهم سيبايعونه
على الحكم وإصلاح احوال الناس وتطهير الارض من حكام الظلم والطغيان والاستبداد والفساد
والافساد, وسيق الحسين رضي الله عنه الى قدر معلوم قد مضى في حكم الله ( والله يحكم
لا معقب لحكمه ) فرحل الحسين رضي الله عنه بأهله ومن كان معه ومن أطاعه الى حيث ما
وعده عليه أهل العراق ولكن لم يحصل شيء مما كاتبوا به الحسين، بل إنهم انكروا ذلك وخلوا
بينه وبين جيش يزيد حتى وقع الاقتتال وقتل الحسين ومن معه عن بكرة أبيهم شر قتلة، وكانوا
نحوا من الثمانين ولم ينج منهم الا نفر قليل حتى انه لم ينج من الرجال سوى على بن الحسين
المسمى بالسجاد فإنه كان مريضا لم يشهد القتال وهو الذي حفظ الله به نسل الحسين فيما
بعد.
فهذا الحدث والمقتل الرهيب الذي لم يبعد عما جرى
لعمر بن الخطاب وعثمان وأبيه علي رضي الله عنهم قد هز الامة الاسلامية بأسرها, وآثاره
باقية الى اليوم كلما مر يوم عاشوراء على الامة الاسلامية من كل عام وإذا بهذه المأساة
تتجدد في قلب كل مسلم صادق غيور على دين الله وعلى آل بيت رسول الله وهي تعكر صفو الفرحة
بنصر الله لموسى على فرعون ( ولله الامر من قبل ومن بعد ) فكيف توافقت هذه الحادثة
العصيبة المحزنة المخزية لمن أقدم عليها حتى صارت وصمت عار في جبين الدهر محسوبة على
الامة الاسلامية, كيف توافقت في هذا اليوم الذي هو محل فرح وسرور لكل مسلم؟ إنه القدر
المقدر, وليس في هذا الكون مصادفات ليست في علم الله ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) وليس في هذا الكون عبث
( أفحسبتم انما خلقناكم عبثا ....) إنما هي مشيئة الله واردته التي لا تخرج عن الارادة الكونية او الارادة الشرعية
( وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين ).
سبحانك ما قدرناك حق قدرك
, ولا عظمناك حق تعظيمك , ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن , أقول قولي هذا , والحمد
لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , والصلاة
والسلام على النبي والمجتبى وعلى آله وصحابته النجباء, وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فاتقوا الله عباد
الله حق تقواه واستمسكوا من دينكم الاسلام بعروته الوثقى ومنتهاه , واعلموا ان العروة
الوثقى هي لا إله الا الله.
أيها الأخوة المسلمون: استشهاد الحسين بن علي رضي
الله عنه على ارض كربلاء في العراق في اليوم العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة,
يمكن أن نأخذ من هذه الحادثة العصيبة ما يكون لنا رافدا عظيما نميز فيه بين الامور المختلطة فنفرز غثها من صافيها, وسمينها من ضعيفها, فنتعبد لله فيما نات وما نذر على علم وبصيرة .
فمما نأخذه منها: أن نعلم ان النفوس السماوية
العالية التي تدور مع شرع الله عملا وقولا، أنها تأبى الظلم والقهر والفساد والافساد
وتسعى في الاصلاح ولو كلفها ذلك الفداء بالأهل والمال والنفس وهذا ما فعله الحسين رضي
الله عنه حينما لم يرض بولاية يزيد ابن معاوية ولم ينزل على حكم الظلمة حتى لقي الله
متمسكا بالحق وحتى صار مثالا عالميا تحتذى خطاه في الاصلاح والتغيير المشروع, عملا
بقول جده صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده......." الحديث.
ومنها: أن الغدر والخيانة والكذب ونقض العهود هو
السلاح الذي يتسلح به من لا ذمة له ولا عهد حينما تصير الامور على المحك ويحصحص الحق, وهذا يؤخذ من خيانة أهل العراق للحسين وتخليهم عنه, ولكن إذا أراد الله شيئا أتمه,
والله يحكم لا معقب لحكمه .
ومنها: أن مما عاب عليه أهل السنة والجماعة ونقموا
بل وأبغضوا يزيد بن معاوية هذه الفعلة الشنيعة من جنوده على انه لم يأمرهم بقتل الحسين
أبدا بل أمرهم بحمله على البيعة بالقوة إن هو أبى, وقد اختلف الناس في يزيد على اقوال
أو آراء ثلاثة: وسط وطرفي نقيض مفرط ومفرط, ومن اعتدل هم اهل السنة والجماعة فقالوا
في يزيد أنه: لا يسب ولا يحب .
ومنها: وعلى القاعدة التي تقول: يسع الفرد مالا
يسع الجماعة , فإن الحسين رضي الله عنه لم يبايع ليزيد بن معاوية لما رأى منه من عدم
أهليته للولاية, وبمخالفته للعهد الذي عاهد عليه أخوه الحسن لمعاوية حينما تنازل له
عن الحكم وقد شرط عليه أن لا يكون الحكم توريث وأن يكون شورى بين الناس, ولمّا لم يحصل
ذلك لم يلتزم الحسين رضي الله عنه مبايعة يزيد, ولا يأت أحد ليسوغ لنفسه الخروج على
الحاكم العادل بحجة أن الحسين لم يبايع ليزيد فليس هذا من ذاك, وإنما الامر اذا استقر
لحاكم عادل وجبت البيعة وحرم الخروج .
ومنها: ان استعداء الناس وفعل الامور التي تثير
غضبهم انها تورث الانتقام والتشفي ولو بعد
حين, يؤخذ هذا من استمرارية الناس لبغض يزيد وأفعاله ودولته وعدم رضاهم عنه حتى ادى هذا البغض في نهاية المطاف
الى سقوط الدولة الاموية .
وهناك أشياء اخرى كثيرة تؤخذ من هذه الحادثة يمكن
لمن يريد معرفتها البحث عنها , ولعل ما ذكر هنا هو من أبرزها .
فاللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه،
وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه، اللهم إنا نشهدك بأن نحب الله ونحب رسوله ونحب
آل بيته وجميع صحابته، فاللهم اجمعنا بهم في جناتك جنات النعيم يا أرحم الراحمين.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام،
إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن
له كفواً أحد : أن تحفظ بلادنا من كل شر ومكروه، اللهم احفظ بلادنا من كيد الفجار وشر
الأشرار ، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وجماعتنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا
يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء
منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه
على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |