مخالفة أنظمة الإقامة والعمل إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور
محدثاتها وكل بدعة ضلالة . أيها
الإخوة المسلمون: اتقوا الله حق التقوى. عباد
الله: الحياة السعيدة والسليمة والخالية من المنغصات والمكدرات هي الحياة التي تبنى
على السير وفق سنن الله الكونية القدرية, وسنن الله الكونية الشرعية, فأيُّ أمرٍ يفتقد
أحد هاتين السنتيْن فسيفتقد أهم مقومات أهم شيء في هذه الحياة, وقد أوضح الله تعالى
شان هاتين السنتيْن أتم الوضوح, ودعا إلى سلوكهما والحرص عليهما, ولو اجتهد أحدنا ليعرف
كل السنن الكونية والشرعية فلن يصل إلى ذلك, فالعمر يفنى والوقت ينفد في معرفة شيء
مما مضى فكيف بما هو مستقبل, وحتى لا نبعد بعيدا فبين أيدينا اليوم –أيها الإخوة- أمراً
ذا أهمية بالغة, مطالب كل أحد منا بالعلم به والعمل فيه ألا وهو: أوامر الحاكم على
المحكوم, فإذا نظرنا إلى سنة الله الكونية وسنة الله الشرعية في هذا الأمر وجدنا: أن
الله تعالى أمرنا بالنظر والتفكر في هذا الكون وما جرى ويجري فيه, وكيف أن سنة الله
الكونية نافذة ماضية متحققة, قد جعل الله على كل مجموعة من البشر من يحكمهم ويسوس أمرهم
ويرعى شؤونهم, فكل الأنبياء والرسل كانوا تحت قيادات غيرهم حتى مكنهم الله من قيادة
الناس الذين أرسلوا وبعثوا فيهم, فعلموا من سنن الله الكونية ما علموا إما بوحي أو
بخبرة حياة ومعالجة قضايا, فلما أوحى الله إليهم بشرعه حكموا الناس وساسوهم وقادوهم
وفق السنتين: الكونية والشرعية, ونتج من هذا وظهر وتحقق نجاحهم بالحكم والقيادة, ومن
استعرض ذلك ودرسه وسبر أغواره وبحث عنه فسيجده واضحا جليا. الحكام الذين يحكمون الناس اليوم لهم أوامر على
محكوميهم وهي لا تخرج عن ثلاثة أوامر: إما أن يأمروا بأمر قد أمر الله ورسوله فيه فهذا
تجب طاعتهم فيه, وإما أن يأمروا بأمر قد نهى الله ورسوله عنه فهذا لا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق فلا سمع ولا طاعة, وإما أن يأمروا بأمر هو من باب الأخذ بسنن الله الكونية
كالأوامر التنظيمية والترتيبية التي تخدم الناس وتكفل لهم حفظ حقوقهم فهنا تجب طاعتهم،
وتحرم مخالفتهم, وإن لدينا الآن –أيها الإخوة- أمراً من الأمور التنظيمية التي تبنتها
الدولة في بلادنا وهو موضوع مخالفي أنظمة الإقامة والعمل، الذي سبق وان طرح على الجميع
عبر المنابر ووسائل الإعلام والتواصل المختلفة, ولقرب موعد بدء الحملة الميدانية والمقرر
في تاريخ 26/2/ 1439هـ، فإن الواجب الالتزام أولاً ثم التعاون مع الجهات المعنية في
كل ما من شأنه تحقيق المصالح ودفع المفاسد, وقد علم الجميع أن في مخالفة أنظمة الإقامة
والعمل مفاسد كثيرة ومتنوعة, مفاسد أمنية, واجتماعية واقتصادية, وغير ذلك كثير وكثير,
ولا ينكر تلك المفاسد إلا جاهل أو مكابر, وما يضير الكفيل لو التزم هو ومكفولة بالأنظمة
المحددة ووفق العقود والعهود التي أبرموها فيما بينهم ومع غيرهم, فإن أول ما يجنون
من الثمار هو البركة في الرزق والسلامة من المضار, وراحة القلب وطمأنينة النفس, ولو
لم يحصلوا إلا على الأجر في استجابتهم لأمر الله في طاعة ولي الأمر الوارد في قوله
تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) لكان هذا كافيها كافلا للخير والبركة والسلامة من تبعة
المخالفة , ثم إن الوفاء بالعقد والالتزام بذلك هو مما جاءت به الشريعة قال تعالى"
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، وحث النبي صلى الله عليه
وسلم العامل على إتقان وإحسان عمله وتأديته على الوجه الذي طلب منه، ففي مسند أبي يعلى
من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله
يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم إعطاء
الأجير حقه دونما سبب, فروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة إنا خصمهم يوم القيامة، -وذكر منهم- ورجلٌ
استأجرَ أجيراً فاستوفى منه ولم يُعطْهِ حقه"، فعلينا جميعا – أيها الإخوة– تقوى
الله تعالى فيما نأتِ وما نذر, والحفاظ على المصالح الخاصة والعامة, والتعاون على كل
خير, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ) . بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم. الحمد
لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا
ويرضى , واشهد أن اله إلا الله وحده لاشريك له في الآخرة والأولى, واشهد أن محمدا عبده
ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيراً، أما بعد:- عباد الله:
المشاكل التي حصلت وتحصل اليوم من العمالة الوافدة إلى بلادنا تكمن في ثلاثة أمور أو قضايا وهي: أولاً:
تشغيل العمال في غير ما استقدموا من اجله, سوءا
كان ذلك عند الكفيل أو عند غير الكفيل. الأمر
الثاني: تسييب العمال طلقاء يعملون هنا وهناك كيف يشاءون دون علم الكفيل ويتنقلون من
بلد إلى آخر. الثالث:
تستر البعض على العمال الهاربين من كفلائهم والمخالفين لأنظمة الإقامة والعمل. وهذه كلها وغيرها جرّت بدورها إلى مفاسد عظيمة
على بلادنا وأهلها, فقد ارتكب بعض ضعاف النفوس من المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل
جرائم أمنية, وأخلاقية وجنائية, وكذلك عمد بعضهم إلى الدعوة إلى نشر أفكار إرهابية
ومتطرفة ومنحرفة وتغريرية بأبناء هذه البلاد, وعدائية لأهلها ولعقيدتها ومنهجها, بل
وثبت على بعضهم أنهم يعملون لحساب جهات خارجية تحارب هذه البلاد المباركة وأهلها, مما
يهدد أمن المجتمع وينشر الشر والفساد فيه. ومن المفاسد التي حصلت وتحصل من هذه العمالة السائبة
الغير منضبطة أنها تزاحم أهل البلد المستحقين للعمل فتحرمهم حقهم من التكسب في بلادهم وعلى أراضيهم,
حيث أن بعضها تزاول بعض النشاطات التجارية والزراعية والصناعية بطريقة مخالفة تضر بآهل
هذه البلاد. وكل التقدير والاحترام والدعاء لمن يفد إلى بلادنا
بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي وقبلة المسلمين للعمل والبحث عن لقمة العيش وفق الأنظمة
المشروعة والضوابط الصحيحة, فبلاد الحرمين بلاد مباركة آمنة, فيها من الخيرات ما الله
به عليم, وكم من وافد وفد إلى هذه البلاد وهو فقير ورجع إلى بلاده وهو من أغنى الناس,
فقط – أيها الإخوة- نحن نحتاج إلى التزام بالأوامر ووفاء بالعقود, وأخذ بأسباب الرزق
المشروعة, وألاّ يغيب عنا الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ
إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ
فَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً
) -المؤمنون: الآية51- ، وَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ ) -البقرة: الآية172-، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ
أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء،ِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ
حَرَامٌ ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك "
. أيها الإخوة: البعض ينظر إلى ما يُسن من قوانين
وأنظمة على أنها تضييق على الناس في معاشاتهم
وأرزاقهم وهذا غير صحيح, وإنما يسن ذلك لتحقيق مصالح قد يخفى أمرها على الكثير والكثير
تحقق المساواة بين الناس, وتقاسم المصالح , وتحارب الاحتكار, وتحول بين الحقوق وأصحابها,
ومن هنا –أيها الإخوة– فإنه يتوجب علينا ألا ننظر إلى كثرة جمع الأموال, ولكن علينا
أن ننظر إلى البركة فيها والأخذ بأسبابها وإن قل الدخل, فريال مبارك خير من ألف ريال
ممحوق البركة. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات وألف بين قلوبهم؛ وأصلح ذات بينهم؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم؛ واهدهم سبل
السلام؛ وأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ وبارك
لهم في أسماعهم وأبصارهم ما أبقيتهم. واجعلهم شاكرين لنعمك مثنين بها عليك؛ قابليها
وأتممها عليهم يا رب العالمين. اللهم انصر كتابك ودينك وعبادك المؤمنين؛ وأظهر الهدى
ودين الحق الذي بعثت به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم على الدين كله. اللهم عذّب
الكفار والمنافقين الذين يصدون عن سبيلك ويبدلون دينك ويعادون المؤمنين. اللهم خالف
كلمتهم وشتت بين قلوبهم؛ واجعل تدميرهم في تدبيرهم؛ وأدر عليهم دائرة السوء. اللهم
أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم مجري السحاب ومنزل الكتاب وهازم
الأحزاب اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم. ربنا أعنا ولا تعن علينا. وانصرنا ولا تنصر
علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا؛ واهدنا ويسر الهدى لنا؛ وانصرنا على من بغى علينا.
ربنا اجعلنا لك شاكرين مطاوعين مخبتين؛ أواهين منيبين. ربنا تقبل توبتنا؛ واغسل حوبتنا
وثبت حجتنا؛ واهد قلوبنا؛ وسدد ألسنتنا واسلل سخائم صدورنا، ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين. وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان
تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |