الاعتداء على منشآت النفط في بقيق
21 -01 -1441هـ
إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً
سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد: فإن خير
الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل
بدعة ضلالة أما بعد.
أيها
الاخوة المسلمون: أصدر فرع وزارة الشؤون الاسلامية بالمنطقة تعميما يأمر فيه خطباء
الجمعة بتخصيص خطبة الجمعة لهذا اليوم بشأن ما حصل في بلادنا بلاد الحرمين في
مدينة بقيق, وخريص من اعتداء على منشآت نفطية علم به كل الناس, وإن
موقفا كهذا منبر الجمعة ليس هو من الاماكن التي تعنى بالتحليلات السياسية والدخول
في تفاصيل الامور, وإنما منبر الجمعة دوره الدائم والقائم هو التركيز على الجانب
الشرعي والتوجيهي في كل أمر من الامور, وحينما نريد ان نتحدث عن هذا
الحادث في هذا المقام فيمكن أن نأخذه من زوايا عدة تتعلق فيه، فمن
الزوايا: زاوية العدوان وتسلط الاعداء على المسلمين ووسائل تقويض امن البلاد,
ولهذا فإن من المقطوع فيه أن اعدائنا هم من الكثرة بالأمر الذي يصعب عدهم وحصرهم
سواءً كانوا من الداخل أو من الخارج, فنحن في بلادنا بلاد الحرمين محاربين على كل
الاصعدة, الدينية, والسياسية, والاقتصادية, والاعلامية, وغيرها وغيرها, فإذا علمنا
ذلك وتقرر وهو معلوم ومتقرر فإن الامر يتطلب منا أن نكون على مستوى عال من اخذ
الحيطة والحذر, وأن نعمل على كل ما من شانه الحيلولة دون وصول الاعداء لنا, وأول
ما نبدأ فيه هو ان نعلم ان هناك امورا يتم بسببها تسلط الاعداء علينا إن نحن أخللنا
بها وتخلينا عنها أو تهاونا بها اولها:
الاوامر
الشرعية ويأت على راس الاوامر الشرعية أمر التوحيد والعقيدة فلا أمن ولا
امان ولا قوة ولا عصمة ولا منعة مع الاخلال بالتوحيد والعقيدة قال الله
تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ
الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) فبقدر بعدنا عن تحقيق التوحيد وتطبيق الاحكام
الشرعية والالتزام بالأوامر الشرعية يكون قرب الاعداء منا ومن الاساءة لنا والتسلط
علينا, فسنة الله لا تحابي أحدا إنما الجزاء من جنس العمل, فمن قرأ التاريخ علم
أين الاشداء والاقوياء وملاك الديار والاوطان والامم التي حلت بها سنن الله فتنوعت
عليهم المهالك كل حسب جرمه ومعصيته قال تعالى عنهم: ( فَكُلاًّ أَخَذْنَا
بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ
أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ
أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون
) فكانوا عبرا لكل معتبر, وإن من اعظم ما يأت ويجلب به الانسان على نفسه من اسباب
الهلاك والدمار هو الاغترار والامن منكر الله والظلم والركون الى
الامور المادية والقوة الحسية فقط, وقد حذر الله من ذلك فقال سبحانه: (أَفَأَمِنَ
أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُون . أَوَ
أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُون .
أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ
الْخَاسِرُون . أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ
أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون) ( وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا وجعلنا
لمهلكهم موعدا )
واما الامر الآخر الحامي من تسلط الاعداء على المسلمين
هو عدم الاخذ بالأسباب الحسية والاستعداد لمواجهة أي عدوان على الامة كما قال
تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ........) فإعداد العدة الحربية
المتكاملة إذا تحققت فهي حصانة للامة بإذن الله, والاهمال والتضييع لهذا الامر هو
من اسباب تسلط الاعداء وهزيمتهم للمسلمين وهذا امر قد علم بالفطرة أن العدد والعدة
هي من اسباب النصرة إذا وافقة الشريعة وسنن الله الواضحة.
وأمر آخر الا وهو الخلاف والاختلاف والتنازع والتحزب فإنه يسبب الفرقة
والتشظي و يجعل الامة فريسة سهلة وصيدا ثمينا للأعداء وقد نهى الله عن ذلك
فقال سبحانه (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وقال سبحانه: (وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.....)
وهذا
كله من نظر اليه في واقع الحال علم ان هذا حاصل وواقع فلا سبيل الى النجاة
الا بالعودة الى المسار الصحيح والحذر مما حذر من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
"يا معشر المُهاجِرين: خمسٌ إذا ابتُليتُم بهنَّ وأعوذُ بالله أن تُدرِكوهن:
لم تظهر الفاحِشةُ في قومٍ قطُّ حتى يُعلِنوا بها إلا فشَا فيهم الطاعونُ
والأوجاعُ التي لم تكن مضَت في أسلافِهم الذين مضَوا، ولم ينقُصوا المِكيالَ
والميزانَ إلا أُخِذوا بالسنين وشِدَّة المَؤونَة وجَور السلطان عليهم، ولم يمنَعوا
زكاةَ أموالهم إلا مُنِعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا، ولم
ينقُضوا عهدَ الله وعهدَ رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخَذوا بعضَ
ما في أيديهم، وما لم تحكُم أئمتُهم بكتابِ الله ويتخيَّروا مما أنزلَ اللهُ إلا
جعلَ اللهُ بأسَهم بينهم".
فاللهم الطف بنا وردنا اليك ردا جميلا , والحمد لله رب العالمين
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
الخطبة
الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان الا على الظالمين , والصلاة
والسلام على سيد الخلق اجمعين , وعلى آله وصحبه اجمعين . أما بعد:
ايها
الاخوة المسلمون: من هذا الحادث الاليم وهذا الاعتداء الغاشم يمكن ان نخلص الى
اننا عرفنا اشياء جديدة وازددنا علما بما كنا به من قبل اعلم
فازددنا علما ويقينا برزانة وثقل دولتنا وعدم تسرعها في اتخاذ القرارات الا بعد
استنفاذ الطاقة والجهد والوسع, وعدم تأثرها بكل الشعارات الزائفة التي تروج للفتن
وإشعالها .
عرفنا من اين مصادر هذه الافعال وهذا يساعد اصحاب القرار على تحقيق الاهداف
المنشودة ويقطع الشك باليقين لدى كل احد .
عرفنا تخبط الناس في هذه القضية كما تخبطوا بغيرها من امثالها من قبل وخصوصا وسائل
الاعلام المغرضة ومن يخرج فيها ومن يقف ورائها ورجمهم بالغيب والتخرصات
والظنون المخطأة والخاطئة .
عرفنا ان هناك اناس كثر ليس لديهم اتزان في الاحكام على الناس وإنما يحكمون لمجرد
الهوى والتشفي والانتقام .
عرفنا وقد تبين لنا بوضوح وجلاء إذالة الشكوك التي اعترت وتعتري بعض الناس
من عدم قدرة الدولة على حماية النفس والامن وعدم القدرة على الدفاع, وأن الامر
ليس كذلك ولكن تحقيق الاهداف العظمى مقدم على تحقيق الاهداف الصغرى والضيقة, وهذا يكمن في تريث الدولة حتى جُمعة الادلة الكافة لإدانة المعتدي وقامة الحجة واتضحت
المحجة فقام العالم كله بالتأكيد على احقية المملكة بالرد والدفاع عن النفس
بل والمساعدة في ذلك, ولا شك ان العمل الجماعي اقوى من العمل الفري
عرفنا أعداءً لنا جدد وازددنا علما بمعرفة عدونا من صديقنا .
عرفنا
اهمية إيجاد وتقوية الثقة في ولاتنا وانهم اقدر على إدارة الازمات والتعامل
معها منهم اليوم في وقت مضى .
عرفنا فشل الاعداء في إثارة حفيظة ولاتنا واصحاب القرار فينا لجرهم الى تصرفات
طائشة إنما هي ردود افعال لا تحقق هدفا ولا تنكأ عدوا .
عرفنا وازددنا علما بان هناك عملاء من الداخل هم اجندات لأعدائنا في الخارج
يتربصون بنا الدوائر .
عرفنا اهمية تقوية اواصر العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويكمن ذلك في ان يقوم
كل منا بالدور المنوط فيه على اكمل وجه .
عرفنا ان اسوء مشاكلنا هي تنصل كثير من أهل المسؤوليات عن مسؤولياتهم وتصدر كثير ممن ليسوا أهلا للمسؤوليات لما ليس لهم فيه حق .
عرفنا اشياء واشياء تجلت واتضحت جراء هذه الحادثة الإرهابية الاليمة,
ولكن لعل المحن يخرج من ارحامها المنح ( وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا
كثيرا ) ( وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ).
اللهم احفظ بلادنا من شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل
والنهار، اللهم أمّن حدودنا وانصر جنودنا واحفظ جماعتنا واستقرارنا، اللهم احرس
بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم عليك بأعدائنا من الداخل والخارج،
اللهم وفق حكامنا لما فيه الخير والصلاح للعباد والبلاد يا أرحم الراحمين، اللهم
من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره يا
قوي يا عزيز. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك قريب مجيب الدعوات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|