عن الجهاد
الحمد لله الذي خلق الناس من ذكر وأنثى، وجعل بينهم مودة ونسبا وصهرا، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) {13}
أحمده وأشكره وأومن به ولا أكفر وأثني عليه الخير كله ، وأعوذ به من الشر كله وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم على دينه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فاتقوا الله عباد الله ، أيها الإخوة في الله ، تنوعت مطالب الشريعة بأداء أنواع من العبادات مختلفة، تارة ببعض الأركان والحواس، وتارة بهما جميعا، وتارة بالمال دون البدن وتارة بهما جميعا ,ومدار صلاحها وقبولها على حسن القصد ومتابعة الرسول فيها ,
فمن حكمة الله في ذلك بيان شمولية هذالدين لما يصلح البشرية جميعا فهو تبيان كل شيء ، ومنها أنه نعمة من الله على المسلمين فمن لم يستطع التعبد في شيء، فمطالب الشريعة كثيرة ، يمكن أن يجتهد في مجال آخر، ومن حكمة الله أيضا في ذلك أن الفروض الكفائية يتفرق فعلها بين المسلمين فإذا قام بها البعض يسقط الإثم عن الباقين ومنها تنوع العبادات سبب لإجمام النفوس وتجدد لنشاطها في العبادة ،وغير ذلك من الحكم العظيمة والمقاصد السامية ناهيك عما فيها من الأجر العظيم والعواقب الحميدة في الدنيا والآخرة ، أيها الإخوة عبادة من العبادات الجليلة التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت من أولويات هذا الدين حينما تحققت أسباب إقامتها ، هي ذروة سنام هذا الدين ، وهي محل صدق الإيمان , والفارقة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان .
إنها الجهاد في سبيل الله على اختلاف مراتبه وأنواعه، فبإقامته تتحقق الحكمة العظمى أن يعبد الله وحده لا شريك له، ومع يتبع ذلك من دفع العدوان والشر، وحفظ الأنفس والأموال والأعراض والعقول ورعاية الحق وصيانة العدل وتعميم الخير ونشر الفضيلة ، كما قال تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) .
الجهاد أيها الإخوة أمره عظيم فهو أفضل تطوع البدن ، وقد عده بعض أهل العلم ركنا سادسا لدين الإسلام ، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما أن لهم الرفعة في الدنيا ،فهم الأعلون في الدنيا والآخرة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منهم واستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله حق جهاده باالقلب والجنان ، والدعوة والبيان ، والسيف والسنان، وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده ،ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أرفع العالمين ذكرا، وأعظمهم عند الله قدرا، والجهاد مراتب أربعة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى جهاد النفس ،وجهاد الشيطان ، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين ,ثم قال رحمه الله تعالى فجهاد النفس أربعة مراتب أيضا إحداها أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .
الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يزرها لم ينفعها .
الثالثة :أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى .
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله فإذا استكمل هذه المراتب الأربعة صار من الربانيين .
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان : إحداهما :جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية : جهاده على دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات .
فالجهاد الأول : يكون بعزة اليقين والثانية : بعزة الصبر قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)
فإن الإمامة في الدين لا تنال إلا بالصبر واليقين ,
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب : بالقلب ، واللسان، والمال، والنفس ، .وجهاد الكفار أخص باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان . انتهى
أيها الإخوة:
لعل سائل يتساءل فيقول ما مناسبة طرح موضوع الجهاد على فئة من الناس جاؤوا لصلاة الجمعة هم بحاجة إلى طرح موضوع أهم منه ؟
فالجواب عن هذا السؤال في عدة نقاط أولها :تأسيا بفعل كثير من الفقهاء في كتب الفقه حيث أنهم يعقبون الكلام على الحج بالكلام على الجهاد
ثانيا : ليعلم المسلم أن الجهاد من شعائر هذا الدين وان لم ترفع له راية في الوقت الحاضر فسيقيض الله له من يرفع رايته ويغزو أهل الكفر في دورهم حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، أو يكونوا غنيمة للمسلمين .
الثالث : ليعلم المسلم أن ما أصاب المسلمين اليوم من ذل وهوان على الناس إنما هو بسبب تركهم الجهاد في سبيل الله ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: إذا تبا يعتم بالعينة، واتخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وإن الذنوب والمعاصي سبب للهزيمة ففي غزوة أحد حصل من بعض المسلمين مخالفة واحدة فيما أمروا فيه فحصلت الهزيمة أول النهار عليهم ويوم حنين أيضا ,أعجب المسلمون بكثرتهم فحصلت الهزيمة في أول الأمر وأما اليوم فكم في مسلمين من المخالفات وارتكاب الذنوب بل والموبقات وهناك والبدع والشركيات .
رابعا: لنعلم سويا أن جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد عدوه في الداخل نفسه وشيطانه ، كما قال صلى الله عليه وسلم المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه رواه أحمد .
ومن كان عاجزا عن مجاهدة العدو الداخلي فهو عن مجاهدة العدو الخارجي أعجز .
خامسا: لتعلم أخي المسلم أنك مطالب بالجهاد ولو أن تحدث نفسك فيه ولهذا ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق .
سادسا : إعلم أن إعداد العدة بالجهاد يبدأ بإعداد النفس أولا بسلاح الإيمان وتقوية أركانه، ومن أعظم أركانه العلم التام بأن النصر بيد الله ينصر من يشاء ومن ثم إعداد الرجال المؤمنين بالدعوة إلى الله ومن ثم إحضار الأسباب وإيجاد عتاد الحرب لكافة أنواعه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ).
أيها الإخوة
ورد في فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله من النصوص الشرعية ما يجعل الجهاد من أعظم القرب وأفضل العبادات من هذه النصوص قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم ، مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم وتوكل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة وقال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لاتطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولاأجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل رواه البخاري.
اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك اللهم أصلح أحوالنا
|