الإجازة الصيفية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " . " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " . " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " . أما بعد .
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها الإخوة المسلمون :
هاهي المدارس النظامية قد أُوصدت أبوابها , وطويت صفحة من صفحات التعليم , بعد عناء مع الدراسة والمدارس دام عدت أشهر, غدوا في الصباح , ورواحا بعد الظهيرة , دوام روتيني يشترك في هذا المسير آلاف من الطلبة, وبعد هذا العناء تبيّنت النتائج واتضحت الحصائل لدى الطلبة فكان من ذلك النطيحة والمتردية , والعجفاء التي لا تنقي , وقليل ممن اجتاز, واقل من ذلك من تفوق وحصل على المقصود الاسمي من التعليم , وهذا هو الواقع خير شاهد , فمخرجات التعليم غير مرضية .
أما وقد حطت الإجازة الصيفية رحالها وستستمر ضيفة عزيزة لعدة أشهر, فمن تأمل في حالها وحال الناس معها وما يتعلق بها من جميع جوانبها فحتما أنه سيرى شيئ من كل شيئ فعجبه لا ينتهي , وأمره في حيرة ,
أسئلة كثيرة وعناوين عريضة من أهمها :
كيف نقضي الإجازة ؟ هل الإجازة نعمة أم نقمة ؟
ماهي سلبيات وإيجابيات الإجازة ؟ ما هو الهدف من الإجازة ؟
ماذا تعني لنا نحن المسلمين الإجازة ؟
كل واحد من مما تقدم ذكره يحتاج إلى حديث مستقل . ولكن لعلنا نقف اليوم على بعض القواسم المشتركة التي عادة ما يشترك فيها عدد كثير من الناس , نقف معها بشيء مما يتعلق فيها .
فمن هذه القواسم أمر السفر ففي الإجازة تكثر سفريات الناس , ولكنها أسفار شتى متباينة الأهداف , مختلفة الجهات , منها ما هو في سبيل الله والدار الآخرة , ومنها ما هو في سبيل الشيطان والأمور الباطلة , ومنها ما هو بين ذلك .
السفر أيها الإخوة من الأمور المحببة للنفوس لدى كثير من الناس وفيه من الفوائد الشيء الكثير,
وقد جمع هذه الفوائد الإمام الشافعي رحمه الله فقال
تغرب عن الأوطان في طلب العلى *** وسافر ففي الإسفار خمس فوائد
تفرّج هم واكتساب معيشــة *** وعلم وآداب وصحبة ما جــد
هذا إذا كان ا السفر مباحا ذا أهداف نبيلة ومقاصد سامية كمن يسافر لطلب العلم النافع , ومن يسافر سفر طاعة لله كالذي يذهب إلى البلد الحرام لأداء العمرة مثلا , أو يسافر إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم للزيارة والصلاة فيه , أو من يسافر غالى بعض المناطق ذات الجو الجميل ليقضي بعض الوقت هناك مع المحافظة على الواجبات والمطالب الشرعية والبعد عن الفساد والرذائل والملهيات التي لا خير فيها .
جانب آخر من جوانب السفر, وطريق مظلم سيئ يسلكه عدد من الناس في الإجازة الصيفية ليسوا بالقليل
ألا وهو:
السفر إلى بلاد الكفر والإباحية طلبا للرذيلة والشهوات البهيمية, يجدون في الإجازة مرتعا خصبا لهم هناك حيث أغروا قبل ذلك بالذهاب إلى هناك عن طريق الإعلام الهابط , والدعاية المغرية المضللة , فليتق الله من كان هذا حاله , وليعلم أن الله سأله عن حركاته وسكناته , وما يأتي وما يذر , وإن مرر ألعوبته على الناس من الوالدين أو الأهل والأولاد , وتعلل بأنه يسافر لغرض حسن : لتجارة , أو علاج , أو غير ذلك , فإن ما بيّت من النية السيئة لا يعفيه من تبعية الإثم, والله جل وعلا يقول وقوله الحق: ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .
فللسفر – أيها الإخوة - آداب , وله أحكام , وفيه متعلقات , يجب على من تلبس به أن يعرفها , ولعل من أهمها :
المبادرة بتخليص النفس من حقوق الخلق فإن المسافر في حال لا يدري أيعود إلى وطنه أم لا .
ومنها : كتابة الوصية .
ومنها : أخذ الأهبة التامة والاستعداد اللازم من الزاد والمزاد .
ومنها الإتيان بما يستطاع من سنن السفر كقصر الصلاة الرباعية , والجمع بين الصلاتين إذا جد به السير .
ومنها : اختيار الرفقة الصالحة .
ومنها : الإتيان بأذكار السفر .
ومنها استحباب التوديع .
ومنها : مشروعية اتخاذ أمير في السفر إذا كانوا مجموعة من الناس .
ومنها : استحباب قول ما ورد عند النزول في أي مكان للسكن .
ومنها : أن لا تسافر المرأة وحدها إلا مع ذي محرم.
ومنها : استحباب صلاة التطوع على الراحلة.
ومنها : كراهية أن يطرق أهله ليلا إذا رجع .
ومنها : استحباب السفر في الصباح الباكر وكذلك الأيام الفاضلة كيوم الخميس ونحوه .
ومنها : البدائة بالصلاة في المسجد إذا قدم إلى بلده.
ومنها : الإسراع بالعودة متى ما قضى حاجته من سفره .
فكل ما سبق ذكره من هذه الآداب قد وردت فيه الأخبار عن الني صلى الله عليه وسلم .
فاتقوا الله عباد الله وتعلموا من دينكم مابه تكون سعادتكم في الدنيا ونجاتكم يوم القيامة .
بارك الله لي ولكم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , واشهد ان لاإله الا الله وحده لاشريك له في الآخرة والأولى , واشهد أن محمد عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أيها الإخوة المسلمون: ومما يشترك الناس فيه في أيام الإجازة الصيفية
حضور الزواجات والمناسبات حيث أن في الإجازة يصب سيل عرم من الزواجات والمناسبات على الناس .
فأما الحديث عن هذه الزواجات والمناسبات ففي الحقيقة أنه يمكن أن يقال وباختصار – كل ما تريد أن تقوله فقله , وكل ما تريد أن تسكت عنه فاسكت .
فقد أصبح الناس اليوم تجاه ما يُسمع عن هذه الزواجات والمناسبات أشبه ما يكون بالقصص الإسرائيلية , التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج .
ففي هذه الزواجات والمناسبات مظاهر متعددة :
إسراف ومخيلة , إهدار للوقت والمال , غرور وعجب , تسابق وتنافس غير مستقيم ليس لأعلى الهرم ولكن لأسفل القاع , ديون باهظة , والتزامات ثقيلة , ومشاكل أسرية مستعصية، كل ذلك بسبب خروج الناس عن الهدي النبوي , وبعدهم عن تعاليم الإسلام السمحة , وعدم الشجاعة والجرأة للوقوف في كل تيار جديد مخالف لتعاليم الاسلام.
ومما يشترك فيه الناس في الإجازة وهو في الحقيقة ظاهرة ذلكم هو:
السهر ليلا والنوم نهارا , ساعد على ذلك ارتفاع درجات الحرارة نهارا , وكذلك الفراغ الحسي والمعنوي الذي يعيشه الكثير من الناس وقت الإجازة , وقد أُقحم في هذا السهر كبار السن وصغار السن أيضا رغم أنوفهم , وهي حقا ظاهرة تحتاج إلى حديث مستقل 0
أيها الإخوة المسلمون :
يقف الكثير من الناس حائرا مع نفسه ومع أسرته متسائل كيف نعمل في الإجازة لنستفيد منها ولو على أقل تقدير نحصل على السلامة من سلبياتها ؟
وحق له أن يسأل هذا السؤال, ولكن لعلك أخي المسلم وأنت أعلم بحالك وما يصلحك من غيرك , تسلك خطوات حسنة جملة , واعلم أن من صدق وجاهد فسيهديه الله لأحسن الطرق وأيسر السبل كما قال تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )
فكن في مواجهة الواقع السيئ قويا غير ضعيف , مؤثرا غير متأثر , عالما عاملا داعيا إلى الخير, غير آيس من أصلاح الواقع السيئ , فكذلك كان الأنبياء من قبل عليهم الصلاة والسلام , بعثوا في أقوام قد تغلغل الكفر في قلوبهم , واشربوا الذنوب والمعاصي , حتى نشأ علها الصغير , ومات عليها الكبير , فجدوا واجتهدوا في تغيير الواقع الكفري الذنوبي , إلى واقع الإيمان والطاعة ، فأعذروا إلى الله واهتدى الناس .
الأمر الآخر :
في الإجازة الصيفية تنشط الجمعيات الخيرية ومكاتب الدعوة, فالالتحاق بمناشطها والإفادة من برامجها من خير روافد الصلاح والإصلاح للفرد والمجتمع ، كذلك مجالات العمل كثيرة , فالاشتغال بالتجارة والمكاسب المباحة من خير ما يمكن أن تقضى فيه الإجازة الصيفية بالنسبة لطلبة المدارس القادرين على العمل , ومن يقول أنه لا توجد أعمال فقد كذب وظلم نفسه وادعى ماليس له به علم .
أيها الإخوة المسلمون :
اعلموا أن الفراغ أساس لكثير من المشاكل المجتمعية فإذا لم يشغله أهل الخير بالخير, فسيشغله أهل الباطل بالباطل , وما لوقوع في المخدرات, والسرقات, والزنا, والهيشات والمشاجرات , وسائر المنكرات إلا نتاج الفراغ , إذا ضم إليه الحاجة والعوز من الفقر والمسكنة .
ولتعلموا – أيها الإخوة – أن الزمان شريف ولعظم الزمان فقد اقسم الله به فقال سبحانه ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا الحق وتواصوا بالصبر ) ، وأقسم الله جل وعلا ببعض أجزائه كما قال سبحانه ( والضحى * والليل إذا سجى ) . فالتعظموا ما عظم الله , ولتعلموا أن كل يوم يمضي إنما هو جزء من الوقت , وما فات منه لن يعود , وما مضى منه خطوات تقرب إلى الآخرة , وتبعد عن الدنيا 0
اللهم أصلح أحوالنا .........................الخ
|