خطبة هدي الرسول مع أهله حسب تعميم فرع الوزارة
الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين , وجعل نسله من سلالة من ماء مهين , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين , وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين , وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين 0 أما بعد : فاتقوا الله عباد الله
( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
أيها الإخوة المسلمون :
من منا لا يعيش في أسرة من الأسر صغرت تلك الأسرة أم كبرت ؟ الجواب : لا احد 0 ومن لم يكن كذلك فله وضعه الخاص به , ولكل مقام مقال 0 الناس في الأسرة إما أبا أو أم , أو ابنا أو بنت هذا هو الأكثر , وفي بعض الأسر مع ما تقدم يوجد الجد والجدة وبعض الإخوة والأخوات 0 ترى أخي المسلم ماذا لو بحثت حال الأسر اليوم في جانب واحد من جوانب الحياة ما ذا ستلقى وما ذا سترى من العجب العجاب ؟ أما من جميع الجوانب وفي كل أنواع الأسر فذلك الذي سيبعث على العجب الذي لا ينتهي 0 سلبيات كثيرة , وإيجابيات كثيرة , سعادة وشقاوة , فقر وغنى , جهل وثقافة وعلم , صحة وسقم , صلة وقطيعة , بر وعقوق , وقل ما شأت مما أنت قائله فلست بمفتر ولا بمفند0
لعل الموقف اليوم يسعفنا في الحديث عما يرجى فيه النفع والفائدة, ولا نجد شيئا أنفع في هذا الجانب من عرض مختصر لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه مع أهله وبيته 0
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زوجته الأولى خديجة في مكة وكان عمره إذ ذاك نحوا من خمس وعشرين عاما , وكانت تكبره بعشر سنين , ولدت له ولده كلهم أربع بنات وولدين وكان يكنى بأبي القاسم , تذكر كتب السير أن خديجة رضي الله عنها لما علمت بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم رغبة في الزواج منه فأرسلت إليه تعرض عليه نفسها فوافق ثم خطبها له عمه فتزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم , فكانت خير امرة لزوجها فقد احتضنت في بيتها ليس شخص النبي صلى الله عليه وسلم فحسب بل النبوة بأسرها فكانت للني صلى الله عليه وسلم خير وأكبر معين بعد الله على تحمل الرسالة وإبلاغ دين الله , كما كانت المثبت الأول للنبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدين والداعم الأعظم بالنفس والمال حتى زكاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث ، مريم بنت عمران , وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) وبشرها جبريل عليه السلام ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب 0 وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائما يذكرها ويثني عليها وربما ذبح الشاة ثم يوزعها في صواحب خديجة 0 وقد توفيت رضي الله عنها في العام الذي توفي فيه عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب , فحزن عليها حزنا شديدا حتى سمي ذلك العام بعام الحزن 0 ثم تزوج بعدها سودة بنت زمعة ثم عائشة ولم يبن بها إلا بعد الهجرة , ثم زوجاته الباقيات رضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين حتى قال الله تعالى له ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ) فهن زوجاته في الدنيا وزوجاته في الجنة 0
أيها الاخوة : لقد كان هديه صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أهله أكمل الهدي وأحسنه , عدل في القسمة , عطف ولين في عزة وحكمة , تحمل وإصلاح ,و صبر وإحسان , ما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا خادما قط إلا أن يكون يجاهد في سبيل الله , يذكر ابن القيم رحمه الله هدي النبي صلى الله عليه مع أهله وفي بيته فيقول رحمه الله :
صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال (حبب إلي من دنياكم : النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة .وكان النساء والطيب أحب شيء إليه 0 وكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وكان قد أعطي قوة ثلاثين في الجماع وغيره ، وأباح الله له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة وأما المحبة فكان يقول ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ) و هو الحب 0وكانت سيرته مع أزواجه حسن المعاشرة وحسن الخلق . وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها . وكان إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه في موضع فمها وشرب وكان إذا تعرقت عرقا - وهو العظم الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها وكان يتكئ في حجرها ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وربما كانت حائضا وكان يأمرها وهي حائض فتتزر ثم يباشرها , وكان يقبلها وهو صائم ، وكان من لطفه وحسن خلقه مع أهله أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده وهي متكئة على منكبيه تنظر ، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة . وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ولم يقض للبواقي شيئا وإلى هذا ذهب الجمهور . وكان يقول (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن . وكان إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن واستقرأ أحوالهن فإذا جاء الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة فخصها بالليل . وقالت عائشة كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم . وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو في نوبتها فيبيت عندها وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة وكان صلى الله عليه وسلم يأتي أهله آخر الليل وأوله فكان إذا جامع أول الليل ربما اغتسل ونام وربما توضأ ونام . وكان يطوف على نسائه بغسل واحد وربما اغتسل عند كل واحدة فعل هذا وهذا . وكان إذا سافر وقدم لم يطرق أهله ليلا وكان ينهى عن ذلك . انتهى كلام ابن القيم رحمه الله 0 أيها الإخوة : سمعنا شيء يسيرا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم , وإن الوقوف على كل هديه عليه السلام في بيته وغيره لهو مطلب شرعي , والتأسي به من الدين إذ يقول الله تعالى مبينا لنا وآمرا ( ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) 0
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بهدي النبي الكريم , واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين , فاستغفروا ربكم وتوبوا إله إنه هو الغفور الرحيم 0
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الكرم والإحسان , خلق الإنسان , وجعله نسبا وصهرا , وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى , وجعل بينهم مودة ورحمة 0
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 0
أما : فاتقوا الله عباد الله 0 أيها الإخوة المسلمون :
المقارن بين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته بين ما عليه الناس اليوم , يجد البون شاسعا , والمسافة مفازة , بل لدى البعض لا مقارنة أصلا ينطبق علينا قول الأول :
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم × ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد 0 وما نتاج الواقع المرير الذي تعيشه بعض الأسر اليوم من تفكك , وانحلال , وانزلاق في وحل الخنا والعار , والخمور والمخدرات , والانسياق وراء الكفار ...... وغير ذلك من الشرور والأشرار , إلا بسبب الجهل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم , والبعد عن تطبيق أحكام الدين في النفس والأهل 0 فهاهي وسائل الإعلام تطالعنا بين الفينة والأخرى , بل في كل ساعة ولحظة ما يحصل في تلك الأسر مما يندى له الجبين وتتفطر له القلوب : مخاصما ومرافعات من أجل أتفه الأسباب , وسطو وضرب , وانتهاك للحرمات والمحرمات , بل وقتل وتعذيب بأبشع الصور , للآباء والأمهات , والإخوة والأخوات , وكأننا لم نكن في بلد إسلام 0
يامن تسمعون وتعقلون , ولكم من الأمور ما به إلى الإسهام في الخير تصلون , يبقى الدور الأكبر عليكم , وليس لكم أن تقفوا من مجتمعكم الذي تنهار قواه وانتم تنظرون موقف المتفرج مكتوف الأيدي أو الشانئ الشامت ولا خير تحدثون , الكل مطالب بالإسهام بقدر ما يستطيع , الخطيب والواعظ والداعية بالتوجيه والدعوة والإرشاد , والتاجر بالمال , وصاحب الجاه بجاهه , والمسئول بما مكنه الله منه , وصاحب القلم بقلمه , وصاحب الصوت بصوته , وهكذا , والجميع مطالبون بالدعاء والتضرع بين يدي الله بأن يصلح أحوال المسلمين وأن يجنبهم مزالق السوء والفتن0
ألا فاتقوا الله عباد الله , وأصلحوا أحوالكم , وشدوا أيديكم بعضها على بعض فقد قال نبيكم صلى الله عليه وسلم ( المسلم للمسلم كالبنيان شد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه )
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ........إلى آخر الدعاء 0 |