الحَثُّ عَلَى التَّبْكِيرِ إلى الصلاةِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ الله: اتقُّوا اللهَ تعالى،
واعْلَمُوا أَنَّ التَّبْكِيرَ فِي الذهابِ إلى
الصلاةِ مِنْ أَفْضَلِ الأعمالِ التي يَنْبَغِي أَنْ يَتَسابَقَ إِلَيْها الْمؤمنون،
ولِذلك قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( وَلَوْ
يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْه ). أَيْ: لَوْ
يَعْلَمُ الْمؤمِنُونَ مَا فِي التَهْجِيرِ مِنْ الأَجْرِ العَظِيمِ وَالثَّوَابِ
الجَزِيلِ الذي أَعَدَّهُ اللهُ لَهُمْ لَتَسَابَقُوا إِلَى ذلك وَلَمَا رَأَيْتَ
أَحَدًا يَتَأَخَّرُ عَن الْمَجِيءِ إلى الصلاةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَخَلَّفَ
عَنْها. والتَّهْجِيرُ: هُوَ التَّبْكِيرُ فِي الذَّهابِ إلى الصلاةِ.
وَلِلتَّبْكِيرِ
فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ:
أوَّلُها:
أَنَّ الذي يُبَكِّرُ فِي الذَّهابِ إلى المَسْجِدِ يَكُونُ داخِلًا ضِمْنَ
الرِّجالِ الذين أَثْنَى اللهُ عَلَيْهِم فِي كِتابِهِ. قال تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا
تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ
الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ
) وَالبُيُوتُ هِيَ المَسَاجِدُ.
ثانيا:
أَنَّ الْمُبَكِّرَ إلى الصلاةِ يَكُونُ دَاخِلًا ضِمْنَ السَّبْعَةِ الذين
يُظِلُّهُمْ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه. قال رسولُ اللهِ
صلى اللهُ عليه وسلم: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللهُ
فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه...... وَذَكَرَ
مِنْهُم: وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلّقٌ فِي الْمَساجِدِ ).
ثالِثًا:
أَنَّ الْمُبَكِّرَ يَفُوزُ بِدُعاءِ المَلَائِكَةِ لَه، لِأَنَّ النبيَّ صلى
اللهُ عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلائِكَةَ تَقُولُ: ( ما دامَ في مُصَلَّاه الذي يُصَلِّي فِيهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ،
اللَّهُمَّ ارْحَمْه ).
رابِعًا:
أَنَّ الْمُبَكِّرَ مَوْعُودٌ بِدَعْوَةٍ مُسْتَجابَةٍ، إذا اسْتَغَلَّ ذلكَ،
لِأَنَّ الدُّعاءَ لا يُرَدُّ بَيْنَ الأذانِ والإِقامَةِ، كَمَا أَخْبَرَ بِذلِكَ
الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم.
خامِسًا:
أَنَّ الْمُبَكِّرَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْتِمَ القُرآنَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي
الشَّهْرِ، لِأَنَّ مَعَهُ وَقْتًا طَوِيلًا بَيْنَ الأذانِ والإِقامَةِ، لَوْ
حَسَبْنَاه لَوَجَدْنَاهُ يَزِيدُ عَلَى الساعَةِ الواحِدَةِ فِي اليَوْمِ، فَمَا
ظَنُّكُمْ بِشَخْصٍ يَقْرَأُ القُرآنَ أَكْثَرَ مِنْ ساعَةٍ فِي اليَوْمِ؟.
سادِسًا:
أَنَّ التَّبْكِيرَ يَنْتَشِلُكَ مِنْ مَشاغِلِ الدُّنْيا وَهُمُومِها، خُصُوصًا
في هذا الوَقْتِ الذي كَثُرَتْ فِيهِ الفِتَنُ، وَشَواغِلُ القَلْبِ، وَقَضاءُ
الأَوْقاتِ الطَّوِيلَةِ مَعَ الجَوَّالٍ وَوَسائِلِ التَّواصُلِ الْمُلْهِيَةِ.
عِنْدَمَا تَسْمَعُ المُؤَذِّنَ يُنادِي بِالصلاةِ والفَلاحِ، يُوقِظُكَ مِنْ
رَقْدَةِ الغَفْلَةِ، فَتَقُومَ إِلى الوُضُوءِ، لِتَغْسِلَ ذُنُوبَكَ، ثُمَّ
تَتَوَجَّهُ إلى الْمَسْجِدِ مَكَانِ الفَلاحِ والرَّاحَةِ والنُّورِ
والطُّمَأنِينَةِ، هارِبًا مِن مَشاغِلِ الدُّنْيا واللَّهْوِ والغَفْلَةِ، كَيْ
تَعْمُرَ قَلْبَكَ بِالقُرْآنِ، وَتَتَضَرُّعَ بِالدُّعاءِ فَتَسْاَلَ اللهَ
حاجَتَكَ وَتَشْكُوَ إلى اللهِ هُمُومَكَ، ثُمَّ تَخْتِمُ ذلكَ بِالوُقُوفِ بَيْنَ
يَدَي اللهِ تُناجِيهِ وَتُصَلِّي لَه.
فَإذا سَمِعْتَ الْمُؤَذِّنَ يُنادِي
بِالصَّلاةِ، فَافْرَحْ وأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ وَقالَبِكَ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ
النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَجُعِلَتْ
قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةِ ) ، وَقَوْلَه: ( يا
بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ، أَرِحْنَا بِها ).
سادِسًا:
أَنَّ الْمُبَكِّرَ لَا تَفُوتُهُ تَكْبِيرَةُ الإحْرامِ، وَقَدْ رُوِيَ عن أَنَسِ
بْنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّه قال: ( مَنْ
صَلَّى مَعَ الإمامِ أربَعِينَ يَوْمًا يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى،
كُتِبَتْ لَهُ بَراءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِن النارِ، وَبَراءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ
)، فَهذِهِ بَعْضُ فَوَائِدِ التَّبْكِيرِ التي غَفَلَ عَنْها كَثِيرٌ مِن الناسِ،
في زَمانٍ كُثُرَ فِيهِ الْمُتَخَلِّفُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عن الصلاةِ،
فَضْلًا عَنْ التَّبْكِيرِ إليها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا
عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ اللهِ: وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْكِيرِ
مَا أَخْبَرَ بِهِ النبيُّ صلى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم أَنَّ: ( مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى يُصَلِّي الفَجْرَ كُتِبَتْ صَلَاتُهُ يَوْمَئِذٍ
فِي صَلَاةِ الأَبْرارِ وَكُتِبَ فِي وَفْدِ الرَّحْمنِ ).
فَيَا لَهُ مِن ثَوَابٍ عَظِيمٍ. فَلَوْ
فَعَلْتَ ذلِك يَا عَبْدَ اللهِ ثُمَّ تَوَفَّاكَ اللهُ فِي ذلك اليَوْمِ،
فَأَنْتَ بِإِذْنِ اللهِ فِي وَفْدِ الرحمنِ الذي قال اللهُ فِيهِمْ: ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا
).
ثُمَّ
اعْلَمُوا يا عِبادَ اللهِ أَنَّ مِنْ الْمُسلمينَ مَنْ يَحْرِصُ عَلَى
صَلَاةِ الجَماعَةِ، وَيُحافِظُ عَلَيْها مِن الفَجْرِ إلى العِشاءِ، وَلَكِنَّه
يَـَرى أَبْناءَهُ يَتَخَلَّفُونَ عَنْها، فَلَا يَأْمُرُهُمْ وَلَا يَنْهاهُمْ،
وَلَا شَكَّ أَنَّ هذا لَا يَجُـوز، بَلْ الوَاجِبُ عَلَيْه أَنْ يَأْمُرَهُمْ
بِالصلاةِ، وَيَجْتَهِدَ فِي ذلك، قال تعالى: ( وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) ، وقال صلى اللهُ عليه
وسلم: ( مُرُوا أَبْناءَكُمْ بِالصلاةِ لِسَبْعٍ،
وَاْضْرِبُوهُمْ عَلَيْها لِعَشْرٍ ) وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه
وسلم: ( كُلُّكُمْ راعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ).
اللَّهُمَّ أَعِنَّا
عَلَى ذِكْرِكَ وَشِكْرِكَ وَعَلَى حُسْنِ عِبادَتِكَ، رَبِّنا اجْعَلْنِا مُقِيمِي
الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِنا رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء، اللَّهُمَّ حَبِّبْ
إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ
وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ. اللَّهُمَّ
تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ،
غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي
هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا،
وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً
لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا
خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ
الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ،
وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمين، اللهُمَّ
ارفع البلاءَ عن الْمستضعفينَ من الْمؤمنين في كلِّ مكانٍ، اللهم احفظْ بلادَنا مِن
كيدِ الكائدينَ وعُدْوانِ الْمُعتدينَ، اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا بتوفيقِك،
وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ
الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ
وَالمُسْلِمَاتِ، وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ مِنْهُم
وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|