التحذير من أربع موبقات إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ
ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد، أيُّها الناس:
اتَّقُوا اللهَ تعالى، وابْذُلُوا
أَسبابَ الفَوْزِ بِرَحْمَتِه، واحْذَرُوا
مِنْ أسبابِ سَخَطِهِ وَعِقابِه، رَوَى
مُسْلِمٌ في صَحِيحِه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ رضي اللهُ عنه قال:
حَدَّثَنِي رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ: ( لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ الله، وَلَعَنَ اللهُ
مَنْ لَعَنَ والِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ
غَيَّرَ مَنارَ الأرْضِ ). فِي هذا الحديثِ يُحَذِّرُ النبيُّ صلى اللهُ
عليه وسلم مِنْ أَرْبَعِ مُوبِقاتٍ تُسَبِّبُ لَعْنَةَ اللهِ لِفَاعِلِها.
واللَّعْنُ: هُوَ الطَّرْدُ والإِبعادُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ. بَدَأَ النبيُّ صلى
اللهُ عليه وسلم بأشَدِّ هذه الأربَعِ،
وَأَكْبَرِها عِنْدَ اللهِ، أَلا وَهُوَ الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللهِ،
لِأَنَّه شِرْكٌ أَكْبَرُ، والشِّرْكُ
أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ مَنْ
ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، كَمَن صَلَّى
لِغَيْرِ اللهِ، قال تعالى: (
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ). أَيْ: أَخْلِصْ الصلاةَ لِلَّهِ،
لِأَنَّها أَعْظَمُ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ. وأَخْلِصْ الذَّبْحَ لله،
لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ العِباداتِ الْمَالِيَّةِ. وقال تعالى: ( قُلْ إِنَّ
صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).
والنُّسُكُ في الآيةِ هُوَ الذَّبْحُ. فَكَمَا أَنَّ الصلاةَ لِغَيْرِ اللهِ
شِرْكٌ أَكْبَر، فَكَذلِكَ
الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ أَكْبَر، لِأَنَّ
شَأْنَهُما واحِد. فَمَنْ ذَبَحَ عِنْدَ القُبُورِ تَعْظِيمًا
لِأَصْحابِها، أَوْ
تَقَرُّبًا إِلَيْهِمْ، أَوْ رَجاءَ
نَفْعِهِم، أَو دَفْعَ
مَضَرَّةٍ، فَقْدْ
أَشْرَكَ، وَكَذلِكَ
مَنْ قال: بِاسْمِ النبيِّ، أوْ
الوَلِيِّ فُلانَ. وكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ لِلْجِنِّ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ،
أَوْ أَهَلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِذَبِيحَةٍ لِأَنَّ الساحِرَ أو الكاهِنَ طَلَبَ
مِنْه ذلك. وقالَ في الحديثِ أَيْضًا: ( لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ والِدَيْهِ )
،
يَعْنِي أَباه وَأُمَّه، قالَ رَسولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مِن الكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ،
قالُوا: يا رسولَ اللهِ، وَهَلْ
يَشْتِمُ الرَّجُلُ والِدَيْه؟ قال: نَعَمْ،
يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاه، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّه ).
وهَذَا والعِياذُ بِاللهِ يَحْدُثُ كَثِيرًا،
فَتَجِدُ بَعْضَ ضُعُفاءِ الإيمانِ، بِمُجَرَّدِ
ما يَغْضَبُ أَوْ يَرَى أَوْ يَسْمَعُ مِنْ غَيْرِه ما لا يُعْجِبُه،
تَصْدُرُ مِنْه هذِه الجُمْلَةُ،
فَيَتَعَرَّضُ لِلَعْنَةِ الله،
وَيَتَسَبَّبُ في لَعْنِ والِدَيْه،
أوْ شَتْمِهِم. وإذا كانت هذِه عُقُوبَةُ مَنْ يَتَسَبَّبُ فِي شَتْمِ والِدَيْه، فَكَيْفَ
بِمَنْ يُبَاشِرُ أذاهُمًا بِنَفْسِهِ والعِيَاذُ بِاللهِ. ثُمَّ إِنَّ اللَّعْنَ
مُطْلَقًا لَيْسَ مِنْ صِفاتِ المُؤْمِنِين،
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا
اللَّعَّانِ، ولا الفاحِشِ
البَذِيِّ ). وقال في الحديثِ أيضاً: ( لَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثاً )
،
أيْ مَنَعَهُ وحَمَاه، أَوْ دَافَعَ
عَنْهُ مِنْ أَنْ يُؤْخَذ مِنْهُ الحَقُّ،
أَوْ يُقَامَ عَلَيْه الحَدُّ الذِى وَجَبَ عَلَيْه. فالْمُحْدِث
مُفْسِد في الأرض، سَوَاءً
كانَتْ جَرِيمَتُه تَسْتَوْجِبُ إِقامَةَ الحَدِّ،
أَوْ كانَتْ فِكْرِيَّةً، تُفسِد
العَقائِدَ والأَخْلاقَ. وإيواءُ هَؤُلاءِ أَوْ الدِّفاعُ عَنْهُم وَحِمايَتُهُم،
جَرِيمَةٌ فِي حَقِّ الأُمَّةِ، لِمَا فِيها
مِنْ الدِّفاعِ عَن الفَسادِ، والإعانَةِ
عَلَى نَشْرِه. وَيَدْخُلُ في ذلكَ: دَعْمُ
الْمُنَظَّماتِ والْمَراكِزِ والنَّوادِي التي تَنْشُرُ العَقائِدَ الباطِلَةِ
وَتَنْشُرُ الأَفْكارَ التي تُصادِمُ تَعالِيمَ الإسلامِ، أَوْ
تَدْعُو إلى الغُلُوِّ والتَّكْفِيرِ،
لِمَا في ذلكَ مِنْ تَقْوِيَةِ شَوْكَتِهِم وَمَنَعَتِهِم،
وإعانَتِهِمْ عَلَى الفَسادِ والإِفسادِ،
وَسَفْكِ الدِّماءِ وَقَتْلِ الأَبْرِياءِ وَتَرْوِيعِ الآمِنِين. وَيَجِبُ عَلى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن
إِيواءِ الْمُتَسَلِّلِينَ والْمُخالِفِينَ وَتَشْغِيلِهِم، فإنَّ في ذلك
مُخالَفَةً لِوَلِيِّ الأَمْرِ تَسْتَوجِبُ الإِثْمِ، وَنَشْرًا لِلفَوْضَى.
وَقَدْ يَكُونُ في وُجُودِ هذا الْمُتَسَلِّلِ خَطَرٌ أَمْنِيٌّ أَوْ أَخْلاقِيٌّ
عَلى الْمُجْتَمَعِ أَوْ البَلَدِ، فإذا كان كذلكَ: صارَ مَنْ يُؤْوِيهِ داخِلاً في الوَعِيدِ الْمَذْكُورِ
في الحديثِ. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية الْحَمدُ للهِ الْواحدِ
الأحدِ الصمدِ الذّي لَمْ يَلدْ وَلَمْ يُولدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحد، فَاطرِ
السِّمَاواتِ وَالأَرْضِ، جَاعَلِ الْمَلائكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحةً مَثْنَى
وَثلاثَ وَرباعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلِقِ مَا يَشاءُ، إنّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِير،
مَا يَفْتَحِ اللهُ للنِّاسِ مِنْ رَحمةٍ فَلا مُمسكَ لها، وَمَا يُمسكْ فَلا مُرْسِلَ
لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ
وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد:- عِبادَ الله: وَمِمَّا وَرَدَ في الحديثِ
قَوْلُهُ: ( لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنارَ
الأَرْضِ ). وَمنَارُ الأَرْضِ: عَلاماتُها. وَتَغيِيرُ
مَنَارِ الأَرْضِ عَلَى نَوْعَيْن: الأَوَّلُ: الْمَعَالِمُ التي يَهْتَدِى
بِها الناسُ في الطَّرِيقِ. وَيَدْخُلُ في ذلكَ: إِزالَةُ اللَّوْحاتِ
الإِرْشادِيَّةِ التي مِنْ خِلالِها يَعْرِفُ الناسُ الطُّرُقَ والْمَداخِلَ،
واتِّجاهاتِ البُلْدانِ. أَوْ مَسْحُ كِتابَتِها، أَوْ تَغْيِيرُ الكَلامِ
المَكْتُوبِ فِيها. الثاني:
أَنْ يُدْخِلَ الرَّجُلُ مُلكَ أَخِيه وَجارِهِ، في مُلْكِه. أَوْ أَنْ يَكُونَ
مُوَظَّفًا في الدَّوْلَةِ، فَيُدْخِلُ مُلْكَ شَخْصٍ في مُلْكِ شَخْصٍ آخَرَ
ظُلْما وَعُدْوانًا. وَهذا مِنْ ظُلْمِ الأَرْضِ الذي قال فيه النبيُّ صلى اللهُ
عليه وسلم: ( مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِن الأَرْضِ طُوِّقَهُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ
سَبْعِ أَرَضِين ). وفي حَدِيثٍ آخَرَ: ( خُسِفَ بِه يَوْمَ القِيامَةِ إلى سَبْعِ
أرَضِين ). فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، واعْلَمُوا
أَنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيامَةِ، وَأَنَّ أَعْظَمَ الظُّلْمِ:
الشِّرْكُ بِاللهِ. اللَّهم
إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ،
وشَماتَةِ الأعداء. وَمِن أَنْ نَظْلِمَ، أو نُظْلَم. أو نَجْهَلَ أو يُجْهَلَ
علينا.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليّها
ومولاها، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لا
يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا
دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة
لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً
ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ
الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم
وفّقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك، وارزقهم البطانة الصالحة
الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة
وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم
واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من
الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين ﴿ وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ . وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|