فقه البدايات
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا؛ منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هاديَ له؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، أيُّها المسلِمُون:-
اتقوا الله تعالى, وراقبوه, واحذروا من اتباع خطوات الشيطان, فإنها أول طريق الهلاك. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾. فهو أشد العباد على العباد. ثم اعلموا أن من أخطر خطواته على الناس, عندما يقودهم إلى الذنب بطريقة يراها الناس حسنة ونافعة, فيتدرج بهم حتى يصل إلى مبتغاه, وهذه الطريقة يسلكها شياطين الإنس والجن على حد سواء.
والمؤمن الذي لا يعرف كيف تكون بداية الشر قد يقع فيه وهو لا يشعر, ثم يكون في نهاية المطاف من الأمور المستحسنة عنده ولو كان من أكبر الذنوب.
فالشرك الأكبر بدأ في قوم نوح عليه السلام, كما في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾. قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا ؛ أوحى الشيطان إلى قومهم: أَنِ انْصِبُوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أَنصابا، وَسَمُّوها بأسمائِهم, فَفَعَلُوا ولم تُعْبَد, حتى إذا هَلَكَ أولئِك، ونُسِيَ العلم؛ عُبِدَت ".
فَبَدَأ الشيطان بما يُحَرِّك عواطفَهم ومشاعرَهم, تجاه أولئك الصالحين, وبما يُذَكِّرُ ويُنَشِّط على العبادة, وهذه هي الخطوة الأولى, لأنه يعلم أن أولئك القوم سوف يموتون, ويأتي بَعدَهُم جِيلٌ آخر, سَيتَسَاءَل: لماذا فَعَلَ آباؤُنا ذلك؟ فيأتيهم من باب الغلو والتبرك بالصالحين, حتى صاروا يَعْكُفُون عند تماثيلِهم وقبورِهم, ومع نِسْيَان العلم, وَضَعْفِ دعوةِ التوحيد عَبَدُوهم. فصار هذا العمل الحسن عندهم, مع هذا القصد الحسن, سبباً لتغيير دين الأنبياء, والوقوع في الشرك الأكبر. وهذا دليل واضح على أن الشيطان يعرف بما تؤول إليه البدعة ولو كان قَصْدُ فاعِلِها حَسَناً.
فالشيطان وأعوان الشيطان, لا يأتون إلى الناس ويقولون: اتركوا دينكم, وأشركوا بالله. ولا يُصَرِّحُون بِتَركِ السُّنَّة وفِعل البدعة, ولا يَدْعُون إلى الفاحشة وَمَساوِيء الأخلاق صراحةً, ولو كان الدعاة إلى الباطل يسلكون هذا المسلك ما تَبِعَهم أحد من المسلمين.
ولكن لهم بدايات مُغْرِيَة, وفاتِنَة, لها زُخرُفٌ وَبَهْرَج, وشُبُهَاتٌ تُؤَثِّرُ في قلب الغِّرِّ والجاهل, وتَخْدَعُ العوام. فينبغي للمسلم أن ينتبه لذلك, وأن يستجيب لنصائح العلماء المُتَيَقضِين الذين يعرفون فقه البدايات, وبما تؤول إليه الدَّعَوات المُغرِضة. قال أهل العلم: " العالِمُ يعرف الفتنة إذا أَقْبَلَت, والعَامِّيُّ يعرفها إذا أَدْبَرَت ".
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ عباد الله:
ومِن أشد الدعوات المُغرضة التي يغيب عن كثير من الناس خَطَرُ بداياتِها، مسألةُ الحجاب, والإختلاط بين الجنسين في ميادين الحياة, والتي تولى كِبْرَها أعداء الإسلام, مِن بني جِلْدَتِنا, من خلال الدعوات الآثمة، والشِّعَارات المُضَلِّلَة باسم حقوق المرأة، وحريتها، ومساواتها بالرجل، من دعوات تناولوها بعقول صغيرة، وأفكار مريضة، يتبجحون بالمناداة إليها في بلاد الإسلام، وفي المجتمعات المستقيمة لإسقاط الحجاب وخلعه، ونشر التبرج والسفور والعري.
ففي اللباس والحجاب: أَلْبَسُوا الأطفالَ الملابس العارية، لما فيها من إيلاف الأطفال على هذه الملابس والزينة، بما فيها من تشبه وعُريّ وتهتك. وتطور الأمر إلى أن أَلِفَهَا البَالِغَاتُ, والأمهات.
وفي الإختلاط بين الجنسين في ميادين الحياة, وضَعُوا لَبِنَة الاختلاط في رياض الأطفال، وبرامج الأطفال في وسائل الإعلام، وَرُكنِ التعارف بين الأطفال، وتقديم باقات الزهور من الجنسين في الاحتفالات، وهكذا يُخترق الحجاب، ويُؤسَّس الاختلاط، بمثل هذه البدايات التي يستسهلها كثير من الناس!! وكثير من الناس تغيب عنهم مقاصد البدايات.
وَهَاهُم اليوم يَطرحون شيئاً من خُطُوَاتِهم الآثِمَة, ألا وهي تَدْريس النساءِ لِلذُّكورِ في المراحل الإبتدائية الأولية. زاعمين أنها أكثر تأثيراً وحناناً وعاطفة وليونة من الرجل, ولأن الطفل يألفها أكثر من الرجل!!! مع العلم أن الله تعالى لَما نَهَى المرأةَ عن إِبْداءِ الزينةِ لِغير مَحارِمها ونسائِها, لَمْ يَسْتَثْن من الأطفال, إلا الذين لم يَظْهَرُوا على عورات النساء, لِيُبَيِّن لِلمرأة أن الأطفال على قسمين: قسم لا يفهم ولا يميز بين أحوال النساء وعوراتهن وكلامهن الرخيم وتَعَطُّفِهِن في المَشْيَة, وحركاتهن وسَكَناتِهِن, فهذا يُلْحَق بِمَحَارِمِهن ونسائِهِن, وأما غيره فلا يجوز التساهلُ معه وإن كان طفلاً. وذكر أهل العلم أن الذين لم يظهروا على عورات النساء هُمْ مَن دون سِنِّ التَمْيِيز. فإذا كانت المرأة مُطَالبَةً بالتَّحَرُّز من الأطفال في إبداء الزينة, وَأَخْذِ الحذر لأنهم ليسوا سواء, فكيف تُطَالَبُ بتدريس الأطفال الذكور, وتُقَدَم على الرجل؟ ومن المعلوم أن البنين في هذه المرحلة يهابون المعلم الذكر ويحترمونه ويصغون إلى مايقول أكثر من المرأة. إضافةً إلى أن الطالب في هذه المرحلة يحتاج إلى أن يُربى على أخلاق الرجال وشهامتهم وصبرهم وقوتهم. إنها خطوة من خُطُواتِهِم التي إذا تركوا وشأنهم فيها قادوا الأمة إلى الهلاك.
فاتقوا الله عباد الله, وتمسكوا بدينكم, وتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن, واسألوه الثبات على الإسلام حتى الممات.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
|