موعظة
أسماء القيامة
11 -11 - 1443
(الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ
فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ
وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا
وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا
السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ
عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ
مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
وأصلي
وأسلم على النبي محمدٍ الأمين، المرسل رحمة للعالمين، وبشيراً ونذيراً بين يدي
الساعة للثقلين، وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد
فـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْم َتَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
(يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِى وَالِدٌ
عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ
حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
(وَاتَّقُوا
يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا
كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
وَلَو
أَنّا إِذا مُتنا تُرِكنا لَكانَ
المَوتُ راحَةَ كُلِّ حَيِّ
وَلَكِنّا
إِذا مُتنا بُعثِنا وَنُسأَلُ
بَعدَهُ عَن كُلِ شَيءِّ
ونركبُ
بعدَهُ فِـي كلِّ هولي
عباد
الله:
لما كان شأن
القيامة عظيم، وهولها رهيب، وخَطْبُها شديد، وعَظَنَا ربنا تبارك وتعالى في كتابه
المبين، بتكثيره لأسماء يوم القيامة، وتنويعه لأوصافه؛ تخويفاً لنا وتحذيراً،
وإنذاراً وإعذاراً، لنستعد لها وينظر كل واحد منا ما قدم لها.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))
أيها المسلمون:
الزمن عند الله أيام، واليوم عند الله كألف سنة عندنا، واللهُ تعالى يرى يوم
القيامة قريباً جداً، ونحن نراه بعيدا، ولم يزل يقربه حتى جعله كغد، ولذا سماه (يوم الآزفة)، فقال: ((وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى
الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ)) وقال: ((أَزِفَتِ
الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ))، سماه بالآزفة
لقربه مهما استبعده الناس، فأزفت بمعنى: دنت واقتربت، لذا قال تعالى: ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ))، وقال: ((اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ)).
ويوم
القيامة هو (اليوم الآخر) الذي لا يوم بعده، ذكر هذا
الاسم في القرآن ستا وعشرين مرة، وسُمِّي آخر؛ ليعطي العباد إشارة بأنه لا فرصة
بعده، فلا يضيعوا فرصة الدنيا، فإنه لا فرصة لهم بعدها، فهي الفرصة الوحيدة، فلا
ينفع نداء الميت (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ولا ينفع صراخ أهل النار: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ)
بل يُقَرَّعون
ويقال لهم (أَوَلَـم نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ
فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ).
وسميت
القيامة بـ (الساعة) لأنها ستأتي بغتة وستقوم في ساعة، قال
الله: ((وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ)) ((لَا تَأتِيكُمۡ إِلَّا بَغـتَة)) ((هَل يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأتِيَهُم بَغۡتَة وَهُم
لَا يَشعُرُون)).
ولذا سميت أيضاً بالواقعة: (إِذَا
وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ)
سُميت بذلك لتحقق وقوعها وأنها واقعة لا محالة، ولما يقع فيها من الأهوال والشدائد
العظام، ولا انفصام.
وسميت
بالحاقة: (الْحَاقَّةُ * مَا
الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) لأن فيها تظهر الحقائق
ويتحقق الوعد والوعيد.
لذا
سميت القيامة بـ (يوم الوعيد) (وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)، فهو يومٌ وَعَدَ الله عباده
بوقوعه، ووعدهم بتوفية جزاء أعمالهم، وعد المؤمنين بالجنات، وتوعد الكفار بالنار،
فهو يوم الوعد والوعيد.
ومن
أسماء القيامة: (يوم التلاق) (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ)، يومٌ يلتقي فيه أهلُ
السماء وأهلُ الأرض، ويلتقي الخالق بالمخلوق، والمخلوق بالمخلوق، ويلتقي الظالمُ
والمظلوم، ويلتقي الخصوم، وكل عامل سيلقى جزاء عمله من خير أو شر (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ
كَدْحًا فَمُلاقِيهِ).
ومن
أسماء القيامة: (يوم
الحساب) (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ
الْحِسَابِ)، لأن المولى يحاسب فيه العباد، فكل سيحاسب وسيُجازى بعمله؛ فأفعاله
وأقواله مكتوبة منسوخة، (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ
مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أَحصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ، فيوم الحساب يوم
الجزاء والثواب، فلنحاسب أنفسنا قبل يوم الحساب، الموفق منا من حاسب نفسه قبل أن
يحاسب، وراقب ربه قبل غلق الباب.
ومن
أسماء القيامة: (يوم
الفصل) (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ
مِيقَاتًا) سمي بذلك لأنه سبحانه يفصل فيه بين عباده بالحق والعدل، بالثواب
والعقاب، بالجزاء والعطاء، في يومٍ لا تنفع فيه الأرحام، ولا الأولاد، يُفصل فيه
بين الابن وأمه وأبيه، والأخ وأخيه، والزوج وزوجته، والخليل وخليله، والتاجر
وشريكه.
ومن
أسماء القيامة (يوم
الدين)، ونحن نقرأ في كل ركعة (مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ)، ويوم الدين، يوم يدين الله به الخلائق بأعمالهم، فكلٌ مدان
بأعماله، والله ويحاسِبُ ويجازِي، ويناقشُ ويثيب ويعاقب، إن خيرًا فخير وإن شرًا
فشر.
ومن
أسما القيامة: (يوم التغابن)، (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ
التَّغَابُنِ) وسمي بذلك، لشعور المقصرين والمفرطين بنقص حظوظهم من الخير
ورحمة رب العالمين، لأنهم فرطوا بالتجارة مع الله، كغبن التاجر في بيعه وشرائه.
فالله اشترى
من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فباعوه ابتغاء مرضاته، ففازوا وربحوا
التجارة، وأما الكافرون والمفرطون فاشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، وضيعوا الصفقة
والتجارة الرابحة مع الله، فيشعرون بالغبن الذي بسببه يعضون على أيديهم ندماً،
وتصيبهم الحسرة.
ولذا
سميت القيامة: بـ (يوم الحسرة) (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وسمي يوم الحسرة لأن المفرطين
يندمون ويتحسرون على التفريط والإهمال والإضاعة، والكفار يتحسرون على الكفر
والضلال، والخسارة العظيمة لأنفسهم وأهليهم، وبئست الحسرة والندامة، (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)،
(وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ)
ومن
أسماء القيامة (يوم التناد) (وَيَا
قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ)، وسُمي بذلك لأجل ما
يحصل فيه من التنادي بين أهله، فينادي أهلُ الجنة أهل النار (أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا)،
وينادي أهلُ النار أهل الجنة (أَنْ أَفِيضُوا
عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ) وينادي (أَصْحَابُ
الأَعْرَافِ) أهلَ الجنة وأهلَ النار، وينادي المنافقون المؤمنين: (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ) و(يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، في
نداءات عديدة متنوعة.
و(القيامة)
هو أكثر أسماء الآخرة ذكراً في القرآن، والمراد القيامة الكبرى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
وأما القيامة
الصغرى: فهي موت الإنسان، ونهاية أيامه في الدنيا، وبعدها يرقد رهينا بعمله
منتظراً القيامة الكبرى إما في نعيم في القبر أو في عذاب.
فاللهم ارزقنا اليقظة والذكر والإقبال على الآخرة.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمد لله ب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى
الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد فيا عباد
الله:
ومن
أسماء القيامة (الطامة الكبرى): (فَإِذَا
جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى)، والطامة: التي تَطُمُّ على كل أمر هائل
مفزع كما في قوله: (وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)،
فلعظم هولها، وشدة خبرها تعلو كل حدث وتغطيها وتطمها.
ومن
أسماء القيامة: (الغاشية) (هَلْ
أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) فهي تَغْشَى الناس بالأهوال، وتغشى الكفار
بالنكال، وتغشى الخلق من جميع الجوانب والأحوال.
ومن أسماء القيامة:
(القارعة) (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ *
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ)، سُميت قارعة لأنها تقرع القلوب
والأسماع بأهوالها، وعظيم خطبها.
فهذه جملة
أسماء، متعددة المعاني، متفاوتة المباني فإذا كانت هذه هي أسماؤها، فكيف بحقائق
أحوالها وأهوالها؟!، كل اسمٍ يعطي درسًا عظيمًا في الخوف والوجل، والاستعداد،
وموعظة من مواعظ الكتاب.
فاللهم ارزقنا قلوبا متعظة متذكرة وجلة منتفعة.
اللهم اغفر لنا خطأنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما
أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدِّنا وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا .
اللهم أصلح قلوبنا أجمعين ، اللهم آت نفوسنا تقواها ،
وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك قلبًا سليما
ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك مما
تعلم إنك أنت علام الغيوب . اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا وشر ما لم نعمل.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل
في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله
تعالى:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|