فضائل
الفرائض
12 -10 - 1443
الحمد لله الذي خلقنا لعبادته، ومن علينا
بهدايته، وفرض علينا فرائض، وسن لنا نوافل لنستبق بالخيرات إلى جنته، أشهد أن لا
إله إلا الله وحده، لا شريك له في ألوهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته،
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خير من عبد ربه وأطاعه وعمل بأمره ونهيه، صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واشكروه، واطلبوا
القرب منه بطاعته: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
عباد الله: فرض الله علينا فرائض، وجعل أداءَها أحبَّ ما نتقرب به إليه، قال الله
تعالى في الحديث القدسي الإلهي: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ
عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)) رواه
البخاري.
وجعل فضلها وثوابها عظيماً
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ
رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَة
[ومات على فراشه]ً، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ،
فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا، أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ
لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَيْسَ قَدْ صَامَ
بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ، أَوْ كَذَا وَكَذَا
رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ؟ ") صحيح رواه أحمد، ورواه ابن ماجه وابن حبان وزادا: (فلما بينهما أبعد مما
بين السماء والأرض) رواية صحيحة
الله أكبر؛ فضلاً عظيماً ناله، ودرجةً عاليةً ارتقاها، من اصطفاه الله وأمد في أجله
حتى صام رمضان وصلى كذا وكذا صلاة فريضة
روى مالك في الموطأ بسند حسن: (كان رجلان أخَوَانِ، فمات أحدُهما قبل صاحبه بأربعين ليلة،
فَذُكِرَتْ فضيلةُ الأول منهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم: ألم يكن الآخَر مسلماً؟ قالوا: بلى، وكان لا بأس به، فقال
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريكم ما بلغت به صلاتُه؟)
الله أكبر ولله الحمد
ومن فضل ربنا علينا أيضاً أن جعل هذه الفرائض كفاراتٍ لذنوبنا الصغائر، فالصلوات الخمس
كفارة لما بينها، والجمعة إلى الجمعة ‘ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما، والزكاة
طهرة وزكاء، والحاج يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وفي الصحيحين سأل أعرابيٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن فرائض الإسلام،
فأخبره عليه الصلاة والسلام عنها، فأدبر الأعرابي وهو يقول: والله لا أَزيد على
هذا، ولا أَنْقُصُ منه! فقال صلى الله عليه وسلم: ((أفلَح،
إن صدَق)).
وفي صحيح مسلم: (سأل رجلٌ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت
الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أدخل الجنة؟ قال: نعم).
إذن أيها المسلمون: الفرائض
1ـ أحب الأعمال إلى الله.
2ـ وهي رافعة للدرجات، لا يُعْلَمُ قدر ما ترفَعَهُ المؤمن.
3ـ وهي كفارات.
4ـ وسبب للفلاح والفوز بالجنات.
فالفرائضُ قليلةٌ مقارنةً بعظيم فضلها، فالحج في العمر مرة لمن استطاع،
والصيام والزكاة في العام مرة، والصلاة هي الفريضة الوحيدة اليومية، ومجموع زمن
أدائها لا يستغرق ساعة من أربع وعشرين ساعة، ومفرقة بما يحقق للإنسان صلاح نظام
اليوم والليلة.
فاحمدوا ربكم عباد الله، واشكروه على فضله عليكم بالفرائض، وفضله بالتوفيق
لأدائها، واحمدوه على نعمة إتمام رمضان، ونعمة إقامة صلاة الجمعة والجماعة،
واسألوه القبول والعفو والغفران، وعضوا بالنواجذ على الفرائض واعتنوا بحسن أدائها
واجتهدوا في اتقانها وإتمامها، فأول ما تُؤْخَذُون به من أعمالكم يوم القيامة،
الفرائض.
بارك الله لي ولكم في القرآن السنة ونفعني وإياكم بما
فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو
الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على نبينا المصطفى وعلى
آله وأصحابه وعلى كل من اقتفى أما بعد:
عباد الله: ومن فضل الله علينا أن شرع لنا نوافل من جنس الفرائض، بها نَجْبُرُ النقص
والخلل الذي يحصل لنا في فرائضنا، فجعل مع الصلوات الخمس السنن الرواتب، وجعل مع
رمضان صيام الست من شوال، وصيام أيام البيض والاثنين والخميس وعرفة وعاشوراء، وجعل
مع الزكاة الصدقات التطوعية باختلاف أبوابها، ومع الحج والعمرة التطوع بهما بعد أداء
الفريضة
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ
القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ
وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ
فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ
تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ
سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) صحيح
رواه أحمد وأبو داود والترمذي واللفظ له
الله أكبر، ما أحوجك يا عبدالله للتطوعات في ذلك الموقف العظيم وأنت تعلم أن في
فرائضك من النقص ما أنت أبصر به.
عباد الله: وقد جعل الله النوافل والتطوعات ميدان سباق إليه، وطريقاً إلى نيل محبته
وولايته، قال الله في الحديث القدسي الإلهي: (وَمَا
يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)
رواه البخاري.
فالسابقون بالخيرات، الْمقربون في الجنات، هم الذين سبقوا العباد بنوافل
الطاعات بعد تكميل الفرائض وإخلاص الدين لله.
قال الله تعالى: ((فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ))
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبق
المفردون، الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)، ونوافلُ الذكر، نوافلُ من جنس
فريضة النطق بالشهادتين، أولِ وأعظمِ فرائض الإسلام.
أيها الناس: الفضائل العظيمة للنوافل ترغبنا كثيراً بالمحافظة عليها والإكثار منها،
وهي مشعرة لنا بعظيم فضل الفرائض.
فمثلاً قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ
أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي
الْإِسْلَامِ لِتَسْبِيحِهِ، وَتَكْبِيرِهِ، وَتَهْلِيلِهِ) صحيح رواه أحمد وغيره، فكيف بفضل المآت والآلاف منها؟
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَكْعَتَا
الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أي سنة الفجر، فكيف
بفريضة الفجر؟
وقَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ يَوْمًا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ
خَرِيفًا) متفق عليه، وفي الترمذي: (جَعَلَ
اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)
صححه الألباني. الله أكبر، هذا فضل صيام يوم تطوعاً، فكيف بصيام يومٍ من رمضان، وكيف
بصيام رمضان كاملاً تماماً.
عباد الله: قال الله لنبيه ومصطفاه: ((فَإِذَا فَرَغۡتَ
فَٱنصَبۡ))
معنى ما جاء عن جمع من السلف في تفسير هذه الآية: إذا فرغت من الفرائض
فانصب أي: اتعب، في الدعاء وقيام الليل. وهما نوافل.
قال: ((وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب))
أي: اجعل إرادتك ورغبتك إلى الله عز وجل، فارج ما عند الله واطمع فيه واطلبه،
واسلك سبيله، واحرص عليه
فالرغبة رجاء مع طلب وحرص وسلوك الطريق، ومن الرغبة، الرغب إلى الله بقبول
العمل، وإجابة الدعاء.
فاللهم إنا ندعوك رغبا ورهبا ووجلاً أن تتقبل منا يا
شكور يا عفو يا غفور يا سميع الدعاء.
اللهم حبب إلينا الإيمان والطاعة، وأعنا على ذكرك وشكرك
وحسن العبادة.
اللهم اغفر لنا خطأنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما
أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدِّنا وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا .
اللهم اجعلنا لك شكارين ، إليك أواهين منيبين ، تقبل يا
رب توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وأجب دعواتنا ، وثبت حجتنا ، واسلل سخائم صدورنا ،
وعافنا واعف عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح قلوبنا أجمعين ، اللهم آت نفوسنا تقواها ،
وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك قلبًا سليما
ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك مما
تعلم إنك أنت علام الغيوب . اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا وشر ما لم نعمل.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم ادفع عن بلادنا الغلا والوباء وسوء الفتن ما ظهر
منها وما بطن، االلهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وصحة أبداننا وعافية أجسادنا،
اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا واجعل آخرتنا خير من دنيانا، اللهم احفظ بلادنا من
كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا خير الحافظين، اللهم من أراد
بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، يا حيّ يا
قيوم . ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله
تعالى:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |