نعمة
إقامة الحدود على المفسدين
15/ شعبان/1443هـ
إِنَّ
الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ ُشرُورِ
أنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هادِيَ لَه، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ
لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ((يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي
هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة.
أيها
الناس: إن من
تشريعات دين الإسلام الجليلة، التي تكفل للناس حياة آمنة مستقرة مطمئنة: تلك الأحكامَ
التي تحفظ للناس ضروراتهم الخمس (الدين والنفس والمال والعرض والعقل).
ومن أبرز
هذه الأحكام والتشريعات:
الحدود والقصاص والتعزيرات وسائر العقوبات الشرعية، فإنها شُرِعَتْ رحمةً وصلاحاً
للعباد.
هي رحمةٌ للجاني المُعَاقَبِ، لتردعَهُ عن التَّمَادي، وتُكَفِّرَ
عنه الخطيئةَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا
فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ)) متفق عليه.
وهي أيضا رحمةٌ وخيرٌ وصلاحٌ للبلاد والعباد عموماً، لذا يقول
الله جل وعلا في الحكمة من القصاص: ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ
أُولِيْ الأَلْبَابِ)) نعم في الْقِصَاصِ من القاتل حياة للناس وصَوْنٌ للأنفس؛
لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ من يفكر في القتل أَنَّهُ سيُقْتَلُ انْكَفَّ عَنْ عَزْمِهِ.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن
هو إلا وحي يوحى: (إِقَامَةُ حُدٍّ في الأَرضِ خَيرٌ لأَهلِهَا مِن مطَرِ
أَربَعِينَ لَيلَةً) وفي رواية: (صباحاً) حديث صحيح
رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان.
نعم، قتلُ قاتلٍ واحد في البلاد، خير لأهله من مطرٍ يدوم
أربعين يوماً، لأن بقتله يندحر آلاف القتلة، وبقطع يدِ سارق واحد تنكف آلاف الأيدي
الآثمة الخفيفة، وبحد زان واحد وقاذف واحد ينزجر الجم الغفير من أهل الفحش والزنا
والدناءة، فيأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فحرمةُ الدماء والأموال
والأعراض مغلظة جداً في شريعة الإسلام.
وأيضاً عباد
الله: بإقامة حد الحرابة وقطع الطريق ومعاقبة المفسدين
في الأرض تأمن سبلُنا وحواضرُنا وبوادِينا وأسفارُنا.
وبإقامة الحد على البغاة والخوارج تأمن جماعتُنا من التفرق
ويفتضح الفكر الضال وخباياه الفاسدة المنحرفة.
ولنا أن نتساءل: لماذا توقفت
حوادث التفجير والقتل المتكرر من قبل الخوارج في بلادنا؟
ما كان ذلك إلا بفضل الله سبحانه ورحمته وتوفيقه أولاً، ثم
ثانياً بإقامة الدولة أيدها الله، الحدَّ على مجموعات ومجموعات من الخوارج البغاة
في السنوات الأخيرة، وتفطنها لحيلهم وبؤرهم ومنافذهم، فأحكمت الخناق عليهم، فلله
الحمدُ والشكرُ والثناءُ الحسنِ أولاً، ولولاتنا الشكر والدعاء بالجزاء الأوفى.
أيها الناس: الشريعة الربانية حازمة صارمة في أحكامها
مع أهل الزيغ والفساد، فالله ((لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)) ((وَاللهُ لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ)) ولا يصلح عملهم، لذا نهى عن الفساد، وحكم بأنه: ((مَنْ قَتَلَ نَفْساً
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعاً))، وشرَّع الله حد الحرابة والسعي بالفساد بقوله : ((إِنَّمَا جَزَاءُ
الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا
أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)).
وأمر بقتال البغاة فقال: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ
أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ
عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ) رواه مسلم
وتطبيق هذه
العقوبات الصارمة يتطلب من السلطان قوةً وحزماً، وقصداً صالحاً، لذا يقول
النبي صلى الله عليه وسلم: (أَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْقَرِيبِ
وَالْبَعِيدِ وَلَا تَأْخُذْكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ) حديث حسن رواه ابن ماجه.
لذا غضب صلى الله عليه وسلم لما شفع أحب الناس إليه عنده في
حدٍ من حدود الله، ووصف من حالت شفاعته دون إقامة حد من حدود الله بأنه (مضاد لله
في أمره) حديث حسن رواه الحاكم.
فإذا كان من يشفع في الحدود يستحق أن يُغْضَب عليه ويُوصف
بأنه مضاد لله في أمر، فكيف بمن يعترض؟ وكيف بمن يغضب عند تنفيذ حكم الله؟ ((فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)).
أيها
المسلمون: شَرَّفَ اللهُ هذه الدولة المباركة (الدولة السعودية) بالحكم لمساحة واسعة من الجزيرة
العربية، جزيرة الإسلام، وبلاد الحرمين، ووفقها للقيام والتأسيس على التوحيد
والسنة، نابذة ومحاربة للشرك والبدعة، محكمة للشريعة الربانية، مقيمة للحدود
الشرعية، ولا تجد في دول العالم في هذا الزمان من يطبق من شريعة الله وحدودها ما
تطبقه الدولة السعودية.
ورغم
ما تواجهه دولتنا المباركة من معارضة
وانتقاد من منظمات واتجاهات ودول على تمسكها بإقامة حدود الله، وما يشن ضدها من حملات
إعلامية جائرة ومضللة، إلا أنها وبكل حزم
وقوة نفذت حكم القتل في ثمانين ممن ثبتت إدانتهم
بارتكاب جرائم عديدة من (قتل، وتفجير، وترويع وخطف، وسطو) وغيرها من الجرائم التي
استحقوا بها القتل حداً أو تعزيراً، بحكمٍ قضائي يَحْكُمُ بشرع الله، إضافة إلى اعتناقهم
للفكر الضال، وشقهم عصى الطاعة، وخيانتهم للدولة بالولاءات الخارجية وخدمة جهات
معادية للمملكة، واعترافهم بالانتماء لـ "داعش" و"القاعدة"
و"الحوثي" الإرهابية، وتنفيذهم لمخططاتهم.
صدرت بإدانة هؤلاء صكوكٌ شرعية بعد تمكينهم من الضمانات
والحقوق التي كفلتها لهم الأنظمة في المملكة.
عباد
الله: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ
هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ)
رواه مسلم، وفي رواية النسائي: (فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، أَوْ
يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ،
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ)
هذا حكم الله على لسان رسول الله في الخوارج والبغاة، فكيف
وقد قتلوا وروعوا وفجروا وخانوا.
فإياكم
يا عباد الله أن تتعاطفوا، أو تتأثروا بمن
يدافع عنهم أو يشكك أو يبرر، فنصف هؤلاء الثمانين الذين أقيم فيهم حكم الله من
الشيعة الذين ثبتت عليهم جرائم القتل وإطلاق النار، وتشكيل مجموعات إرهابية تابعة
للحوثي، وزراعة الألغام، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وولاء لجهات معادية، وغير ذلك.
ومن بين الثمانين الأخوان التوأمان اللذان قتلا والدتهم في
شهر رمضان بساطورة وسكاكين، وأصابوا والدهم وأخاهم الأصغر.
ومنهم من شكل خلايا إرهابية ويتلقى أوامره من تنظيمات
إرهابية خارج المملكة، ومنهم من خطط وشرع في تفجير منشأة نفطية داخل المملكة،
وأشباه ذلك من الجرائم.
فأين دين وعقل من يفعل ذلك، ومن يبرر أو يتعاطف.
اللهم
عونك ونصرك وتأييدك لدولة الإسلام والسنة، اللهم أعزها وأعز بها الإسلام والسنة،
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد
لله على تتابع الفضل والإحسان، الحمد لله على الإسلام، الحمد لله على الإيمان،
الحمد لله على التوحيد والسنة والقرآن، الحمد لله على الأمن والأمان وصلاح الشأن،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله قدوة
أهل الإيمان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
أيها الناس:
ما واجبنا تجاه مثل هذا الحدث؟
أولاً: أن
نحمد الله على أن يسر الحكم بشريعته السمحة العادلة، فهي والله نعمة علينا لا تقدر
بالأثمان، فقدتها عامة دول الأرض.
ثانياً: يجب علينا الرضا بحكم الله والتسليم لأمره، فلا
يتم الإيمان إلا بذلك، فقد كان السلف يفرحون بتنفيذ حكم الله في المفسدين وخصوصاً
المبتدعة المتمردين منهم.
ثالثاً: علينا أن نشكر لولاة الأمر الذين لم
تأخذهم في الله لومة لائم في تطبيق حدود الله الشرعية، وندعو لهم بالثبات والمزيد
من الهدى والصلاح والتسديد والحزم والعزم، وهذا حق من حقوقهم علينا، وجزء من النصح
لهم.
رابعاً: أن
نلزم الجماعة والسمع والطاعة فيما نحب ونكره عبودية لله، ونحرص على اجتماع الكلمة
والصف، فدولتنا دولة إسلام وسنة وجماعة، و(يد الله مع الجماعة) و(الجماعة رحمة).
خامساً: أن نحذر من زيغ الزائغين، وضلال الضالين،
وبدعة الخوارج التكفيريين المفسدين، وبدعة الرافضة المشركين الفتانين، فهما أول
بدعتين ظهرتا في الأمة، وأشر بدعتين وأكثرهما شؤماً وضرراً، فمآلهما ومآل كل بدعة
غش الأمة وحمل السيف عليها.
فاللهم
يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم احفظ
علينا ديننا وأمننا وجماعتنا واستقرارنا، اللهم احفظ بلادنا من شر الأشر وكيد
الفجار، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم
وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم
يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم
انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل
عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب
العالمين ، ومن أصيب فألبسه ثياب الصحة والعافية يا لطيف.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من
لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات اللهم صلّ وسلم
على نبينا محمد.
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-121.html |